اكتشف فريق من مهندسين بيئيين تابعين لجامعتي “ستراثكلايد” (Strathclyde) الأسكتلندية و”دالهوزي هاليفكس” (Dalhousie University Halifax) الكندية أن عمليات إعادة تدوير البلاستيك الهادفة إلى الحد من تلوثه تؤدي إلى إنتاج جسيمات بلاستيكية متناهية الصغر، وهو ما يعني مشكلة بيئية أكثر خطورة.
وقد نُشرت نتائج هذه الدراسة في دورية “جورنال أوف هازاردوس ماتيريالز أدفانسز” (Journal of Hazardous Materials Advances) في مايو/أيار الحالي.
يشتري البشر حول العالم نحو مليون زجاجة بلاستيكية كل دقيقة، ويستهلكون ما يقرب من 5 تريليونات من الأكياس البلاستيكية سنويا، ومن المؤسف أن نحو نصف البلاستيك المنتج معد للاستخدام مرة واحدة فقط، الأمر الذي أثار أهمية العمل على إعادة تدويره للحد من التلوث الناتج من مخلفاته.
وأشارت دراسات سابقة إلى أن 9% فقط من البلاستيك المنتج عالميا يعاد تدويره، إلا أن تكسر هذا البلاستيك إلى جزيئات أصغر خلال عملية إعادة التدوير أثار بعض المخاوف من انتشار ما يعرف باسم جسيمات البلاستيك أو الميكروبلاستيك (Microplastics) -المعروفة اختصارا بـ”إم بي إس” (MPs)- التي تسبب مزيدا من التلوث.
رغم صغر حجمها.. جسيمات البلاستيك خطر داهم
وجسيمات البلاستيك هي جزيئات يتراوح حجمها بين 1 مايكرومتر (1 سنتيمتر يساوي 10 آلاف مايكرومتر) و5 مليمترات، وقد تتكون هذه الجزيئات عن عمد خلال عمليات التصنيع، أو من دون عمد في حالات تكسر البلاستيك الأكبر حجما (كما هي الحال في أثناء إحراق المخلفات البلاستيكية).
وإلى جانب دورها في التلوث البيئي، تمثل جسيمات البلاستيك خطرا مباشرا على صحة الكائنات الحية المختلفة، فيمتد تأثيرها المدمر من العوالق الحيوانية، وهي الكائنات الحية شديدة الصغر الطافية أو السابحة في المياه الجارية، ليصل إلى تراكمها في أجسام الكائنات الأكبر حجما.
وقد أكدت أبحاث سابقة العثور على بعض أنواع جسيمات البلاستيك في الدم البشري، مثل مواد بولي إيثيلين، وبولي ستيرين. وأشارت دراسات سابقة إلى أن الماء المستخدم في عمليات إعادة تدوير البلاستيك قد تسبب في إعادة إنتاج جسيماته وحملها تجاه مصادر مياه مختلفة تنتهي بالمحيطات.
تنظيف البلاستك جزء أساسي خلال إعادة التدوير
أراد الباحثون قياس كمية جسيمات البلاستيك الناتجة عن عمليات إعادة التدوير، لذا عملوا على تحليل المياه الصادرة من إحدى محطات إعادة تدوير البلاستيك الكائنة بالمملكة المتحدة، التي وصفوها بأنها حديثة التقنية ورفيعة المستوى.
وطبقا للتقرير المنشور بموقع “فيز دوت أورغ” (Phys.org)، يشير الباحثون إلى أن المشكلة الرئيسة خلال عملية إعادة التدوير هي الحاجة إلى تنظيف ذلك البلاستيك جيدا، الأمر الذي يقتضي غسله مرات عدة قبل تقطيعه وإذابته لإنتاج حبيبات تستخدم في صناعة أدوات بلاستيكية جديدة.
وعادة ما يدخل البلاستك المعاد تدويره في 4 عمليات تنظيف بالماء، وقد لجأ الباحثون إلى الكشف عن كمية الجسيمات البلاستيكية الناتجة عن كل مرحلة تنظيف عبر تحليل المياه الصادرة.
وقد أوضحت نتائج تحليل المياه الناتجة وجود جسيمات البلاستيك في كافة مخلفات المياه المستخدمة في عمليات الغسل الأربع، وأكد الباحثون أن هذه المياه تتجه لاحقا إما لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي أو إلى البيئة مباشرة.
وقدر الباحثون كمية جسيمات البلاستيك الإجمالية التي تصدر من إعادة تدوير البلاستيك بالمحطة محل الدراسة وحدها بنحو 3 ملايين كلغ سنويا، الأمر الذي يمثل خطورة كبرى على البيئة.
وفي التقرير المنشور بمنصة “وايرد” (Wired)، تُعقب إيرينا براون، الباحثة الرئيسة بجامعة “ستراثكلايد”، على هذه النتائج قائلة إنه “أمر غريب، نحن نعيد تدوير البلاستيك للحد من التلوث البيئي، وينتهي بنا الأمر إلى صناعة مشكلة أكثر خطورة يصعب حلها”.
بارقة أمل
خلال وقت إجراء الدراسة، عمل القائمون على المحطة على تركيب مرشِّحات (فلاتر) لتنقية مياه غسل البلاستيك، التي تستطيع فصل الجزيئات الأكبر من 50 ميكرومترا، الأمر الذي ساعد الباحثين في التحقق من جدوى استخدام هذه المرشحات.
ورغم الاعتماد على الترشيح والتصفية، فإن أعضاء الفريق البحثي اكتشفوا تسرب نحو 75 مليون جزيء بلاستيكي إلى كل متر مكعب من مياه الصرف المستخدمة في غسل البلاستيك.
ومع ذلك، تجد براون بارقة أمل في ما يتعلق باستخدام مرشحات التنقية، فهي تستطيع الحد من كمية جسيمات البلاستيك الناتجة عن عمليات إعادة التدوير لتصل إلى النصف (نحو 1.5 مليون كيلوغرام تقريبا)، وعن ذلك الأمر تقول “حققت أجهزة التنقية فائدة فعلية عند تركيبها، وقد اكتشفنا قدرتها على التخلص من الجزيئات الأكبر حجما من 40 ميكرومترا”.
إلا أن هذه المرشحات لا تمثل حلا نهائيا للمشكلة، لأن البلاستيك قد يتكسر ليكوّن جزيئات أصغر حجما من المايكرو بلاستيك، مثل النانو بلاستيك، الذي يستطيع اختراق الخلايا الحية، وقد وجد الباحثون في أثناء تحليلاتهم لبعض العينات وجود جزيئات بلاستيكية أصغر من 10 و5 ميكرومترات بكميات كبيرة (تتخطى حاجز 85% من حجم العينة).
الحل هو الحد من إنتاج البلاستيك
أُجري هذا البحث على محطة واحدة لإعادة التدوير، لذا فمن الضروري إجراء مزيد من الدراسات المستقبلية لمحاولة الوصول إلى حل مناسب، ولا تعتقد براون -رغم أن إعادة التدوير أدت إلى إصدار جزيئات الميكرو بلاستيك في الماء والهواء أيضا- أن الحل هو الامتناع عن تلك الممارسة.
فما الحل المناسب للتخلص من البقايا البلاستيكية؟ يؤمن العلماء والمهتمون بالبيئة أن الحل الأفضل هو الحد من إنتاجه واستهلاكه، بدلا من المحاولات غير الناجحة للتخلص من بقاياه.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.