يقبع عشرات السياسيين منذ شهر فبراير/شباط الماضي بسجن “المرناقية” بالعاصمة تونس بِتُهم مختلفة، بالتزامن مع مرور عامين على إجراءات استثنائية للرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز 2021 تم بمقتضاها حل الحكومة وتعليق البرلمان.
والقاسم المشترك بين هؤلاء المعتقلين الذين فرّقتهم توجهاتهم السياسية والفكرية وجمعتهم الزنازين، هو اتهامهم من السلطة بـ”التآمر على أمن الدولة”، لكن لا مؤيدات (أدلة) تثبت إدانتهم، وفق محاميهم.
ومن بين المعتقلين شخصيات نافذة بالمعارضة منهم راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب المنتخب الذي أغلق الرئيس سعيد قبل عامين أبوابه بالدبابات.
وأمضى الغنوشي الذي خاض السجون في زمن حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، بسبب نشاطه السياسي عيد ميلاده الـ83 مؤخرا وراء القضبان ولكن هذه المرة بعد الثورة التونسية في 2011.
توقيف بقرار سياسي
ورغم مساهمته مع خصومه في كتابة دستور تشاركي سنة 2014 مكّن الأستاذ الجامعي قيس سعيّد بعد الثورة من الصعود للرئاسة، وجد الغنوشي نفسه من جديد في المعتقل.
وأعلن سعيّد في 25 يوليو/تموز 2021 تفعيل العمل بالفصل (80) من الدستور، وقرر في خطاب تلفزيوني عزل رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه.
ولم يتردد الغنوشي في إعلان رفضه لهذا القرار واعتبره انقلابا على الثورة والدستور، لتتوالى التحقيقات معه أمام فرق مكافحة الإرهاب منذ شهر أبريل/نيسان 2022، بتهمة الإرهاب والتسفير والتآمر.
وفي أبريل/نيسان 2023، أوقفت الشرطة الغنوشي بعد مداهمة منزله واحتفظت به في السجن على ذمة التحقيق في قضية تتعلق بتصريحات كان أدلى بها أثناء اجتماع دعت له جبهة الخلاص المعارضة.
غياب المحاكمة العادلة
وتقول عضوة هيئة الدفاع عن الغنوشي زينب براهمي للجزيرة نت، إن الغنوشي اعتُقل بقرار سياسي، مؤكدة أنه لا يحظى، على غرار بقية المعتقلين، بمحاكمة عادلة في قضايا تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وليس الغنوشي المعتقل الوحيد من حزبه حركة “النهضة”، فقد شملت التوقيفات أبرز وجوه الصف الأول فيها مثل رئيس الحكومة الأسبق علي العريّض ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري.
ويكاد حزب النهضة يتصدر قائمة المعتقلين السياسيين؛ حيث شملت التوقيفات كلا من الصحبي عتيق وعبد الحميد الجلاصي والحبيب اللوز وأحمد العماري ورياض بالطيب وأحمد المشرقي، وأيضا سيد الفرجاني ويوسف النوري ومحمد المزوغي وغيرهم.
وأكّدت زينب المرايحي زوجة الصحبي عتيق للجزيرة نت أن زوجها تم حشره زورا في قضية تبييض أموال على خلفية انتمائه السياسي للنهضة. وتدهورت صحة عتيق لخوضه إضرابا عن الطعام لنحو شهرين.
استهداف معارضي الرئيس
وبعيدا عن حركة النهضة، استهدفت حملة التوقيفات لنظام سعيّد معارضين بارزين مثل الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، بتهمة “التآمر”.
كما تم توقيف القيادي السابق بحركة “نداء تونس” والقيادي الحالي بجبهة الخلاص المعارضة رضا بالحاج في 24 فبراير/شباط الماضي بتهمة “التآمر على أمن الدولة ومحاولة تبديل هيئة الدولة”.
ويقبع القيادي بحزب التكتل خيام التركي، في السجن بتهمة “التآمر” أيضا، منذ فبراير/شباط الماضي، وطُرح اسم خيام التركي كمرشح لمنصب وزير المالية بعد الثورة، كما طرح اسمه كمرشح خلفا لرئيس الحكومة الأسبق إلياس الفخفاخ.
وفي مارس/آذار الماضي، تم توقيف القيادي السابق بحركة النهضة والقيادي الحالي بحزب العمل والإنجاز ووزير الفلاحة الأسبق محمد بن سالم، بتهمة “مغادرة الحدود خلسة ومُخالفة قانون الصرف”.
الإفراج عن ناشطين
ومؤخرا أفرج القضاء عن المعارضة شيماء عيسى والمعارض لزهر العكرمي المتهمين في قضية “التآمر على أمن الدولة”، ولكن المعارضة لا تنظر لهذه الخطوة على أنها بصيص أمل نحو انفراج تدريجي في الأزمة التونسية.
ويقول القيادي بحزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني للجزيرة نت، إن الوضع الطبيعي لن يعود إلى البلاد لأن الرئيس سعيّد يواصل ضرب خصومه باستخدام وتوظيف جهاز القضاء الذي يعمل في مناخ من الرعب خوفا من الإعفاء والعزل، وفق تعبيره.
وتستعد جبهة الخلاص المعارضة لتنظيم مسيرة احتجاجية تزامنا مع مرور الذكرى الثانية لإعلان الرئيس سعيد تدابيره الاستثنائية، والتي تعتبرها المعارضة انقلابا على الحرية والديمقراطية. في المقابل، يشدد الرئيس سعيد في مناسبات عدة على ضرورة محاسبة من يصفهم بالمجرمين والخونة والمتآمرين على أمن البلاد.
وفي خضم أزمتها السياسية، تعيش تونس وضعا ماديا واقتصاديا صعبا تعقد خاصة جراء تعطل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، مما جعل إيطاليا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي يسارعان لعقد اتفاق شراكة مع تونس خوفا من تصاعد عمليات الهجرة غير النظامية في حال حصول انهيار اقتصادي للبلاد.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.