يجلس طفلك في غرفته بمفرده ويتظاهر باللعب مع صديقه الخيالي، أو يرفع الهاتف ويتحدث إلى رفيقه الوهمي ويرتب معه موعدا للقاء، قد يبدو هذا المشهد مقلقا أو منذرا بوجود خلل ما، لكن تكوين الأطفال صداقات خيالية أمر طبيعي للغاية ولا يدعو للقلق.
ويعتبر صنع الرفقاء الوهميين أمرا شائعا بين الصغار، ويمكن أن يكونوا في أي عمر أو جنس أو نوع، ويعود هذا التخيل بالعديد من الفوائد على الطفل وتطور قدراته العقلية والاجتماعية، كما يساعده في التغلب على العديد من الصعوبات.
وتقول ستيفاني كارلسون أستاذة علم النفس في جامعة واشنطن إن وجود رفيق وهمي لدى الأطفال أمر شائع، وخلصت دراسة أجراها باحثون في جامعتي واشنطن وأوريغون إلى أن 65% من الأطفال اخترعوا أصدقاء وهميين لهم بحلول 7 سنوات.
وأوضحت مارغوري تايلور أستاذة علم النفس في جامعة أوريغون بالولايات المتحدة أن الأطفال قد لا يتمسكون بنفس الصديق الوهمي طوال فترة الطفولة، فهي عملية مستمرة ومتغيرة.
وكشف دراسة قامت بها جامعة جونز هوبكنز الأميركية أن الأطفال الأوائل في الأسرة أو الأطفال الوحيدين أكثر عرضة من غيرهم لأن يصنعوا أصدقاء وهميين لهم.
ودودون ومزعجون
وخلصت دراسة جامعة واشنطن أيضا إلى بعض النقاط الأخرى المثيرة للاهتمام، منها أن الرفاق الوهميين ليسوا كلهم ودودين، حيث صنع بعض الأطفال أصدقاء سلوكهم خارج عن السيطرة، وبعضهم كانوا مصدرا لإزعاج الأطفال أنفسهم.
ووجدت أيضا أن 57% من الأطفال صنعوا رفقاء وهميين من البشر، و41% منهم تخيلوا أصدقاء من الحيوانات، فيما صنع أحد الأطفال صديقا إنسانا قادرا على تحويل نفسه إلى أي حيوان يريده الطفل.
ما الأسباب؟
يعود صنع الأطفال أصدقاء خياليين إلى عدة أسباب، منها:
- صنع صديق لمشاركة اللعب معه.
- محاولة تعلم مهارات حل المشكلات.
- استكشاف مُثُلهم العليا.
- التغلب على الشعور بالوحدة.
ثمار الصديق الخيالي
أوضحت كارلسون أن استخدام الخيال والتفاعل مع الأصدقاء الوهميين يساعد في نمو الطفل من الناحيتين المعرفية والعاطفية، إذ يوفر للطفل مساحة لإدارة المواقف الاجتماعية في سياق آمن.
وقالت إيمي مورين المعالجة النفسية والمتخصصة في سلوك الطفل والأستاذة في جامعة نورث إيسترن الأميركية في مقالها بموقع “فيري ويل فاميلي” (Verywell Family) إن التحدث إلى صديق وهمي يمكن أن يساعد في تحسين مهارات الاتصال لدى الطفل.
ومن بين الفوائد الأخرى لوجود أصدقاء وهميين لدى الأطفال:
- استكشاف أفكارهم.
- تحسين القدرة على إدارة المشاعر.
- فرصة لممارسة سلوكيات وأدوار جديدة.
- تعزيز القدرات الإبداعية والثقة في النفس.
- تخفيف الشعور بالخجل عند التواصل مع الآخرين.
- الشعور بالمسؤولية.
- بوابة لعالم الطفل الداخلي.
وإحدى أهم فوائد الأصدقاء الخياليين هي أنهم فرصة فريدة للآباء لمعرفة ما يجول في خاطر أطفالهم، فمن خلال ملاحظة تفاعلات الطفل مع رفيقه الوهمي والحوار الذي يصنعه معه يمكن للآباء الاطلاع على الكثير من الأشياء، منها معرفة ما يفكر فيه طفلهم وما يشعر به، وما يحبه وما لا يحبه، وما يخاف منه، ومثله الأعلى، وغير ذلك.
هل يشكل الصديق الوهمي خطورة على طفلك؟
يشعر بعض الآباء بالقلق عند اختراع طفلهم صديقا وهميا والتفاعل معه، ويعتبرون أن ذلك بسبب عدم امتلاك ابنهم أصدقاء حقيقيين أو بسبب اضطراب آخر يعاني منه.
وعلقت على ذلك المعالجة النفسية مورين قائلة إن “وجود أصدقاء وهميين لدى الطفل لا يشير إلى مواجهته نقصا في المهارات الاجتماعية، بل إنه يمكن أن يكون بمثابة وسيلة آمنة لمحاولة تكوين صداقات والتفاعل معهم، مثل ممارسة مهارات حل النزاعات والمشاركة مع الآخرين”.
كيف تتفاعلين مع طفلك وخياله؟
نصحت مورين بتقبل وجود صديق طفلك الوهمي والتجاوب معه وعدم معارضته أو نهيه.
ولا بأس من التفاعل مع الطفل وطرح أسئلة عن صديقه الوهمي، مثل سؤاله عن اللعبة المفضلة لهما أو الوجبة المفضلة لصديقه، وقد تجدين تفاعلا وحماسا من طفلك لإخبارك بكل شيء عن صديقه الذي صنعه في خياله ويحبه.
متى تقلقين؟
في معظم الأوقات لا يشكل الأصدقاء الوهميون أي ضرر على الأطفال، لكن ينصح بمتابعة سلوك الطفل، وإذا لاحظ الوالدان تغيرا في سلوكيات طفلهما وحالته المزاجية بشكل كبير أو أصبح صديقه الخيالي عدوانيا أو مخيفا أو مزعجا له فإن من الأفضل التواصل مع مختص نفسي لمعرفة السبب وتقديم الدعم له.
وأوضحت مورين أن “الأطفال يعلمون جيدا أن رفاقهم الوهميين ليسوا حقيقيين، وفي حالات نادرة قد يختلط على الطفل الخيال والحقيقة ولا يستطيع الفصل بينهما، وفي هذه الحالة يمكن التحدث إلى مختص نفسي، لكن تعرض الأطفال للاضطرابات العقلية أمر نادر”.
كما لا ينذر وجود صديق وهمي بتعرض الطفل لاحقا إلى الإصابة باضطرابات عقلية، مثل الفصام أو غيره، حسبما وجدت دراسة نشرتها منصة “ساينس دايركت” (Sciencedirect).
متى يتخلى طفلك عن صديقه الوهمي؟
لا يوجد عمر محدد يتوقف فيه الأطفال عن التفاعل مع أصدقائهم الوهميين، لكن معظم الأطفال يتخلون عن أصدقائهم الخياليين في بداية المرحلة الابتدائية، ويمكن أن يستمر ذلك إلى مرحلة ما قبل المراهقة أيضا (عمر 9 إلى 12 سنة).
وذكرت كارلسون أن “الأطفال يعاملون الرفقاء الخياليين في كثير من الأحيان بنفس الطريقة التي يعاملون بها ألعابهم، إذ يتخلون عنها عندما يفقدون الاهتمام بها، وفي كثير من الحالات يرحل الرفاق بدون سبب واضح أو ببساطة ينساهم الطفل، وأحيانا يستعيض الأطفال عن رفيق وهمي قديم بآخر جديد أو ينتقلون إلى صداقات مع أطفال حقيقيين”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.