شركة “إكس إيه آي”.. لماذا يؤسس إيلون ماسك شركة جديدة للذكاء الاصطناعي؟


كثيرا ما يذكر إيلون ماسك أنه يخشى من تفوق الذكاء الاصطناعي على البشر يوما ما، الأمر الذي قد يعرِّضنا جميعا للخطر، مؤكدا في أكثر من مناسبة أن الذكاء الاصطناعي هو أكبر تهديد للحضارة الإنسانية. وفي نهاية شهر مارس/آذار الماضي، دعا ماسك، مع مجموعة من باحثي وخبراء الذكاء الاصطناعي والرؤساء التنفيذيين لعدد من الشركات في المجال، في خطاب مفتوح إلى التوقف عن تطوير تدريب نماذج اللغة الكبيرة لمدة 6 أشهر، والهدف أن تلتقط البشرية أنفاسها من هذا السباق المحموم، ونتمكن من تقييم مخاطر تلك النماذج على الإنسانية والمجتمع، في محاولة للسيطرة عليها وفرض قوانين تحكمها. (1)

 

لكن بعد مرور أسابيع قليلة على خطابه، أعلن إيلون ماسك عن إطلاق شركته الجديدة للذكاء الاصطناعي، التي يسعى من خلالها إلى اقتحام المجال الذي حذر منه، وأطلق عليها اسم “إكس إيه آي” (xAI)، وفي حديث مباشر يوم الجمعة الماضي (2)، عبر تويتر سبيس، ذكر الملياردير ورجل الأعمال الأشهر الهدف من وراء تأسيسه للشركة، أو لم يذكر، لسنا متأكدين تحديدا!

عموما، ستطلق الشركة منتجها الأول للجمهور خلال فترة قصيرة، وهو غالبا روبوت للمحادثة يعتمد على نماذج اللغة الكبيرة، وتذكر أنها ستوفر المزيد من المعلومات حول هذا المنتج قريبا. ما الجديد الذي سيقدمه روبوت إيلون ماسك عن روبوتات المحادثة الموجودة بالفعل وأشهرها “شات جي بي تي”؟ حسنا، في مقابلة سابقة مع قناة “فوكس نيوز”، المعروفة بميولها اليمينية، في شهر أبريل/نيسان الماضي، أوضح ماسك قلقه من أن الشركات الأخرى تُدرب نماذج الذكاء الاصطناعي على “الصوابية السياسية”، وأن تلك النماذج تدربت على “الكذب”، ولهذا تعهد بإنشاء روبوت محادثة جديد سمَّاه “تروث جي بي تي” (TruthGPT)، الذي أكد أنه “نموذج ذكاء اصطناعي سيبحث عن أقصى قدر من الحقيقة”. (3)

 

لكن كما هي العادة مع منتجات شركات إيلون ماسك، فالأمر يتجاوز مجرد روبوت للمحادثة، لأن عددا من الباحثين البارزين المشاركين في “إكس إيه آي” متحمسون لشيء آخر: بناء نموذج ذكاء اصطناعي قادر على التفكير في حلول لأصعب وأعقد مشكلات الرياضيات في العالم، على حد قولهم.

 

حلول لأصعب الألغاز

يأمل ماسك، وفريقه الصغير من الباحثين، في صنع وبناء أنظمة ذكاء اصطناعي تتمتع بقوة معالجة ذهنية أكبر بكثير من التي يملكها البشر، ويمكنها أن “تتعمق أكثر في جوهر حقائق الكون”، على حد تعبير أحد الباحثين. كما ذكر إيلون ماسك أن شركة “إكس إيه آي” ستحتاج إلى تطوير تقنية “تفهم العالم الحقيقي الملموس وليس الإنترنت فقط”، ويرى أن بيانات القيادة التي توفرها شركته تسلا للسيارات الكهربائية ستساعد في هذا الأمر.

 

أشار ماسك إلى أن الهدف الأساسي للشركة هو فهم “ما الذي يحدث هنا تحديدا؟”، مؤكدا أن أسئلة غامضة تتعلق بطبيعة المادة المظلمة، أو الجوانب الغامضة لكيف تعمل الجاذبية، قد تكون ضمن الألغاز التي تسعى شركته الجديدة إلى تفسيرها، حتى إن الرجل تحدث بإسهاب عن “مفارقة فيرمي” (Fermi paradox) الشهيرة، وهو سؤال نظري حول لماذا لم يكتشف البشر كائنات فضائية بعد، ويفترض أن الحضارات التي تملك تقدما وتطورا تقنيا هائلا عادة ما تدمر نفسها، أو تدمرها قوة خارجية، قبل أن تتمكن من السفر إلى أنظمة شمسية أخرى. حتى إن ماسك قال: “إن كان عمر الكون 14 مليار سنة، فأين تلك الكائنات الفضائية؟ لو كان أي إنسان قد رأى دليلا على وجودهم، فغالبا سأكون أنا هذا الشخص، ولكني لم أرَ أي دليل حتى الآن”.

 

ينظر باحثو الشركة إلى كل تلك الأمور على أنها مشكلات رياضية في الحقيقة، وأن بإمكانهم دراستها باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية جدا.

 

رجال إكس

نجح ماسك في جمع فريق من الباحثين والعلماء مكون من 11 رجلا، ممن قدموا مساهمات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة
نجح ماسك في جمع فريق من الباحثين والعلماء مكون من 11 رجلا، ممن قدموا مساهمات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة. (شترستوك)

يسعى إيلون ماسك لتوظيف أفضل المواهب والكفاءات في المجال لدى شركته الجديدة للذكاء الاصطناعي، عبر منح كل شخص منهم نصيبا من أسهم الشركة، وفقا لما أشار إليه تقرير جديد من منصة “سيمافور”. فإذا كانت قيمة “إكس إيه آي” تبلغ 20 مليار دولار، وهو تقييم اخترعه ماسك للشركة الجديدة قبل بدايتها، فإن أي عرض بنسبة 1% من خيارات الأسهم سيكون بمنزلة مكافأة توقيع بقيمة 200 مليون دولار. (4)

 

بهذا نجح ماسك في جمع فريق من الباحثين والعلماء مكون من 11 رجلا، ممن قدموا مساهمات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة، وعملوا في شركات كبرى مثل غوغل و”ديب مايند” (DeepMind) و”أوبن إيه آي” (OpenAI). لكن أكثر ما يميزهم فعلا هو اهتمامهم المشترك بالبحث عن استخدام الذكاء الاصطناعي في إيجاد حلول للنظريات الرياضية المعقدة، مثلا الباحث كريستيان زيجيدي (Christian Szegedy) قاد مشروعا بحثيا في غوغل بهدف إنشاء “عالم رياضيات آلي” (automated mathematician)، كما ذكر زميله السابق يوهواي (توني) وو (Yuhuai (Tony) Wu)، الذي انضم أيضا إلى شركة ماسك، لنيويورك تايمز أنه يرغب في الاستفادة من مجال تعلم الآلة لحل المسائل الرياضية عبر إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه فهم وحل النظريات الرياضية بنفسه. (5) (6)

 

كما ذكر غريغ وانغ، أحد مؤسسي الشركة، في تغريدة على حسابه في تويتر أن الشركة تهدف إلى الارتقاء بالذكاء الاصطناعي إلى المستوى التالي عبر تطوير “نظرية كل شيء” الرياضية للشبكات العصبية الضخمة، قائلا: “الذكاء الاصطناعي سيمنح الجميع فهما لعالمنا الرياضي بأساليب لم نكن لنتخيلها من قبل”. ومن بين كل هؤلاء، يبقى الشخص الوحيد الذي يملك تاريخا في العمل على مخاطر الذكاء الاصطناعي فعلا هو مستشار الشركة الوحيد دان هندريكس، وهو مدير مركز “أمن الذكاء الاصطناعي” غير الربحي.

الذكاء الاصطناعي حاليا غير قادر على التفكير المنطقي المطلوب لحل النظريات الرياضية المعقدة، وربما يرجع هذا جزئيا إلى عدم وجود بيانات كافية متاحة لتدريب نموذج ذكاء اصطناعي على هذه المهمة. قد تساعد شركة “إكس إيه آي” في حل تلك المشكلة (7) إذا تمكنت من إنشاء قاعدة بيانات خاصة بها للمعادلات الرياضية، أو ربما تساهم في مشاريع مفتوحة المصدر موجودة فعلا مثل مشروع “Lean”، الذي يقوده الباحث في أمازون ليو دي مورا (Leo de Moura).

 

أمر منطقي

لكن في هذه المرحلة، يبدو أن شركة “إكس إيه آي” تفتقر إلى قوة الحوسبة السحابية اللازمة لمواجهة شركات “أوبن إيه آي” ومايكروسوفت وغوغل، كما أن فريقها الصغير نسبيا من باحثي الذكاء الاصطناعي لا يبدو أنه بقوة الفرق الضخمة التي استثمرت بها تلك الشركات منذ سنوات في مشاريعها للذكاء الاصطناعي.

 

إيلون ماسك نفسه أشار إلى أن شركته الجديدة ستحتاج إلى قوة حوسبة كبيرة، لكنها لن تكون بالقدر نفسه الذي تستخدمه الشركات الأخرى في المجال. ورغم أن مشروعه الجديد يبدأ صغيرا، فإنه يمتلك بالطبع بعض الموارد المهمة التي يمكنه الاستفادة منها، لأن شركة “إكس إيه آي” ستعمل عن قرب مع شركات تويتر وتسلا.

 

أولا، بيانات تويتر، تحديدا المحادثات التي تجري على المنصة، مناسبة تماما لتدريب نماذج اللغة الكبيرة، ومعظم الشركات التي تعمل بالمجال تستخدم تلك المحادثات في تدريب نماذجها اللغوية. حتى إن تويتر رفعت دعوى قضائية ضد أربع كيانات، لم يُذكر أسماؤها، بسبب عملية سحب البيانات من المنصة، وهي خطوة ذكر إيلون ماسك أنها كانت السبب وراء فرض قيود الاستخدام الأخيرة على عدد التغريدات التي يمكن للمستخدم قراءتها يوميا.

ثانيا، تملك شركة تسلا فريقا قويا للذكاء الاصطناعي، يعمل فعلا منذ سنوات على منح السيارات قدرات القيادة الذاتية، وتتمتع الشركة بقدرات كبيرة على المعالجة الحاسوبية التي تستخدمها في جهودها لصنع وإنتاج تلك التقنيات. كما تعمل الشركة أيضا على بناء وتطوير روبوت يشبه البشر، وهو مشروع قد تساهم في تطويره شركة “إكس إيه آي” في المستقبل.

 

لذا، يبدو من المنطقي أن يؤسس إيلون ماسك شركته الخاصة للذكاء الاصطناعي الآن، لكن المشكلة أن هذا الأمر عكس ما يذكره إيلون ماسك علنا، والتخوفات التي يثيرها من تطور تلك التقنيات السريع جدا بسبب التنافس الحالي في هذا السوق.

 

المشكلة الأكبر

المشكلة الأكثر إلحاحا التي ستواجهها أي شركة جديدة، حتى إن كان مؤسسها إيلون ماسك بالمليارات والسمعة التي يملكها، هي إظهار قدرتها على جذب الباحثين والعلماء والمهندسين المميزين حتى يمكنها الاستمرار في هذا السوق شديد التنافسية.
المشكلة الملحة التي ستواجهها أي شركة جديدة، حتى إن كان مؤسسها إيلون ماسك، هي إظهار قدرتها على جذب الباحثين والعلماء والمهندسين المميزين حتى يمكنها الاستمرار في هذا السوق شديد التنافسية. (شترستوك)

هذا تحديدا هو ما يتخوف منه الخبراء والباحثون، بما في ذلك مستشار الأمن والسلامة لشركة “إكس إيه آي”، من أن دخول شركة كبيرة أخرى، تملك موارد ضخمة، إلى سوق الذكاء الاصطناعي سيزيد من حِدَّة سباق التنافس لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قوية، وسيأتي هذا غالبا على حساب الجهود المبذولة لجعلها أنظمة آمنة. وفي أبريل/نيسان الماضي، بعد إعلان ماسك عن نيته تأسيس شركة جديدة للذكاء الاصطناعي، ذكر المركز الذي يقوده دان هندريكس أن ظهور شركة مطورة كبيرة جديدة سيزيد غالبا من ضغوط المنافسة، وضغوط هذا السباق ستدفع بتلك الشركات إلى تقديم تضحيات كبيرة، خاصة حينما تصل المفاضلة بين القدرة التنافسية والأمن والسلامة. (8)

 

في الوقت الحالي، حركة السوق بدأت تتحول من التركيز على الحجم الهائل إلى البحث عن النماذج اللغوية الأبسط والأرخص والقابلة للتعديل والتخصيص بسهولة ودون الحاجة إلى عتاد وإمكانيات ضخمة، وهو ما أكده سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي”، مُشيرا إلى أن عصر النماذج الهائلة بات على وشك الانتهاء، وأن إستراتيجية تطوير مثل هذه النماذج قد انتهت، وستتطلب الخطوات المستقبلية في تطوير الذكاء الاصطناعي طرح أفكار جديدة. (9) يعني ذلك أن التغييرات الشاملة، التي من المتوقع أن يحققها الذكاء الاصطناعي في التقنية والصناعات الأخرى خلال السنوات القليلة المقبلة، ستأتي في الغالب بعد نضج تلك التقنيات، ودخول تطبيقاتها أكثر في عالمنا الحقيقي، وليس بتطوير نماذج لغوية كبيرة جديدة.

 

ربما في هذه المرحلة الأولى، ما يسعى له إيلون ماسك هو اجتذاب المواهب في هذا المجال؛ الطلب الآن يزداد على الخبرات والكفاءات في مجال تعلم الآلة، وربما المشكلة الأكثر إلحاحا التي ستواجهها أي شركة جديدة، حتى إن كان مؤسسها إيلون ماسك بالمليارات والسمعة التي يملكها، هي إظهار قدرتها على جذب الباحثين والعلماء والمهندسين المميزين حتى يمكنها الاستمرار في هذا السوق شديد التنافسية.

 

لا نحتاج إلى منقذ

قد يستغرق الأمر بعض الوقت لاكتشاف أسرار الكون باستخدام الذكاء الاصطناعي، وربما لن يحدث هذا أصلا
قد يستغرق الأمر بعض الوقت لاكتشاف أسرار الكون باستخدام الذكاء الاصطناعي، وربما لن يحدث هذا أصلا. (شترستوك)

إيلون ماسك، كما نعرفه دائما، لا يتوقف عن طرح الرهانات الجريئة، لكن رهان هذه المرة يبدو أغرب من المعتاد، خاصة مع أهداف الشركة التي ذكرها، أو لم يذكرها، وعدم الكشف عن أي تفاصيل مهمة أخرى عمّا ستقدمه فعلا من منتجات أو تقنيات حقيقية. لكن عبر تحديد أهداف تشبه كثيرا أفلام الخيال العلمي، فلماذا تحتاج إلى نموذج أعمال للشركة أصلا؟

 

فمثلا، إن تمكنت فعلا من حل أي لغز كوني ضخم يمكنك ببساطة استغلاله لتسجيل براءة اختراع لكل تقنية جديدة ستظهر بالاعتماد على هذا الحل، وتفرض رسوما لترخيص تلك التقنيات للأبد.

 

مع ذلك، هناك معضلة واحدة في هذه الخطة؛ قد يستغرق الأمر بعض الوقت لاكتشاف أسرار الكون باستخدام الذكاء الاصطناعي، وربما لن يحدث هذا أصلا، وغالبا كل الشركات الأخرى تسعى للبحث عن إجابات لكل الأسئلة الضخمة التي حيرت البشر، فالأمر لن يقتصر على إيلون ماسك وحده.

 

لكن هل سيصبر ماسك على فريقه حتى يتوصل إلى تلك الحلول في ظل هذا السوق التنافسي للغاية؟ أم سيقرر أن يترك كل شيء وراءه، مخلفا بوعود لن تُنفذ من الأساس، كما فعل مع شركة “أوبن إيه آي” في الماضي، بعد المشاركة في تأسيسها، بتلك الأهداف الضخمة نفسها التي يتحدث عنها الآن؟

 

الأهداف الضخمة التي حددها ماسك لنفسه، سواء تحدي عمالقة المجال مثل مايكروسوفت وغوغل أو حماية البشرية من أخطار الذكاء الاصطناعي، تجعل شركته الصغيرة الجديدة تبدو أصغر. العديد من باحثي الذكاء الاصطناعي، المهتمين أيضا بمسار هذا المجال في المستقبل، ينظرون إلى تلك المشكلة على أنها تتطلب قدرا أكبر من الشفافية والتعاون بين كل الأطراف، بدلا من احتياجها إلى بطل واحد منقذ، مع فرقته الصغيرة من الأبطال الخارقين!

—————————————————————————————

المصادر:

1) لماذا يخشى إيلون ماسك حقا من تطور الذكاء الاصطناعي؟

2) Musk’s new AI company, xAI, will aim to solve scientific mysteries

3) Elon Musk: I want a ‘maximum truth-seeking AI’

4) Elon Musk threw nine-figure promises at top AI researchers

5) Towards the Automatic Mathematician

6) A.I. Is Coming for Mathematics, Too

7) Lean

8) AI Safety Newsletter #3

9) غوغل و”أوبن إيه آي” تخسران حرب الذكاء الاصطناعي.. فمن يفوز بها؟




اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post النائبة براميلا جايابال تتراجع عن تعليقاتها التي وصفت إسرائيل بـ “دولة عنصرية”
Next post جريمة غريبة.. فشل في قتله بعدما ضغط على الزناد مرتين فهرب!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading