منذ ساعات الفجر الأولى والفلسطيني محمد شوشة يعمل في مزرعته الواقعة بمقربة من نبع مياه “عين الهوية” في بلدة حوسان الأثرية بمحافظة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية.
ويعتني شوشة (69 عاما) بمزرعته التي يعتاش منها وتبلغ مساحتها نحو دونم (ألف متر)، ويسقيها من مياه نبع الهوية كما أعتاد على ذلك منذ أن كان طفلا.
غير أنه اليوم يتخوف من تنفيذ قرار إسرائيلي يقضي بالسيطرة على النبع وضمه لسلطة السياحة والآثار الإسرائيلية.
وتاريخ ينابيع المياه الجوفية في بلدة حوسان يعود إلى الفترة الرومانية، ولها مكانة تاريخية وأثرية ويتردد عليها السياح الفلسطينيون من مدن الضفة.
ويقع نبع “عين الهوية” -تسمى أيضا “مغارة الشموع”- في واد بين جبال تكسوها أشجار الزيتون، وتتوسطها أراض تزرع بالخضروات وبطريقة بدائية، ومن كثرة عيون وينابيعِ المياه الطبيعية في المنطقة سماها الفلسطينيون وادي العيون، وتمتد من قرية بتير حتى بلدة حوسان غرب بيت لحم.
“نبع الحياة”
يقول شوشة لوكالة الأناضول إن “الأرض والنبع يمثلان الحياة بالنسبة له ولسكان بلدته البالغ عددهم 8 آلاف نسمة”.
ويضيف: “إسرائيل قادرة على فعل ما تريد بقوة السلاح، لكنهم باقون في أراضيهم، ولا حق لها في نبع المياه”.
ويعتمد شوشة وعشرات المزارعين في حوسان على مياه النبع لري زراعتهم صيفا.
ويقول شوشة إن “مستوطنين يهود يأتون لزيارة الموقع ويقضون أوقاتا طويلة، والمخاوف من السيطرة عليه وعلى الأراضي المجاورة له”.
وتتدفق مياه من كهف ضيق من باطن إحدى جبال حوسان، للتجمع في بركة مياه أقيمت قبل الاحتلال الإسرائيلي.
ويعد الموقع ذو الطبيعة الخلابة مهما لأهالي البلدة، الذين يرون فيه متنفسا لهم، وعادة ما يزوره فلسطينيون من مختلف مدن وبلدات الضفة الغربية.
مضايقات إسرائيلية
والاثنين الماضي، صادقت الحكومة الإسرائيلية في اجتماعها الأسبوعي على إقرار ميزانية بـ120 مليون شيكل (33 مليون دولار) على امتداد 3 سنوات، ضمن مشروع قرار يهدف إلى “الحفاظ على الآثار وحمايتها في الضفة الغربية”، قدّمه وزير التراث الحاخام أميحاي إلياهو، والمالية بتسلئيل سموتريتش، والسياحة حاييم كاتس.
وتقع تلك المواقع في المناطق المصنفة “ج”، حسب اتفاقية أوسلو 2 (1995).
وصنفت أراضي الضفة بحسب الاتفاقية 3 مناطق: “أ” تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و”ب” تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و”ج” تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية.
ويقول رئيس المجلس المحلي بحوسان جمال سباتين، إن “مزارعي المنطقة يعتمدون على نبع الهوية لري مزروعاتهم التي يعتاشون منها”.
وتقسم المياه لكل مزارع وفق نظام معتمد منذ مئات السنوات.
ويستخدم مزارعو البلدة نظام الري القديم والمعروف باسم القنوات “الترع”.
وينفي سباتين أي حق للجانب الإسرائيلي في الموقع، وقال “عين الهوية نبع مياه فلسطيني يقع على أراضي بلدة حوسان ولا يوجد أي حق إسرائيلي تاريخي أو ديني فيه”.
وأشار إلى أن السلطات الإسرائيلية تمنع السلطات المحلية الفلسطينية من ترميم أو تأهيل محيط النبع بحجة أنه يقع ضمن أراضي مصنفة “ج”.
ولفت إلى أن أهالي القرية يصرون على الدفاع عن ممتلكاتهم وإرثهم وتاريخهم ولن يسمحوا لإسرائيل بالسيطرة عليها بكل السبل بما فيها المحاكم.
ودعا المجتمع الدولي للضغط على السلطات الإسرائيلية لكف يدها عن النبع وممتلكات المواطنين.
السلطة تتدخل
وفي حوسان، بحسب سباتين، 17 نبعا للمياه.
وتقع البلدة على الخط الفاصل بين الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، وسيطرت إسرائيل على نحو 4 آلاف دونم من أراضيها لبناء مستوطنة بيتار عليت التي تعد واحدة من مستوطنات غوش عتصيون الإسرائيلية.
وبين رئيس المجلس المحلي أن السلطات الإسرائيلية عادة ما تنظم مسارات للمستوطنين للموقع تحت حماية الجيش.
والاثنين، دعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” إلى حماية المواقع الأثرية الفلسطينية من “التهويد والأسرلة”.
وأضاف في كلمة له بمستهل الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء الفلسطيني بمدينة رام الله: “على اليونسكو تحمل مسؤولياتها الدولية في حماية المواقع الأثرية والتراثية في فلسطين من محاولات بسط السيطرة والتهويد والأسرلة”.
وقال إن “العدوان الإسرائيلي وإرهاب المستوطنين يتصاعد”.
وتابع أن منطقة “عين الهوية” الأثرية غربي قرية حوسان بمحافظة بيت لحم المليئة بعيون المياه والبرك “يسعى الاحتلال ومستوطنوه إلى تحويلها إلى مقصد ديني وسياحي للمستوطنين”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.