شاهد- عائلة الطفل الشهيد مصطفى صباح تتجرع المرّ فداء لفلسطين | سياسة


بيت لحم- في منزل الطفل الشهيد مصطفى صباح وسط بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم (جنوبي الضفة الغربية)، تجمّعت العشرات من النسوة حول والدة الشهيد وجَدّته. الداخل إلى المنزل يسمع تمتماتهن بالدعاء لها بالصبر، فهذا هو الولد السابع الذي تدفنه الأمّ خلال 8 سنوات.

مصطفى، الطفل الذي تجاوز الخامسة عشرة بشهر واحد فقط، أنجبت أمه 11 طفلا، ولم ينجُ من المرض سوى مصطفى وشقيقه يزن وشقيقتين اثنتين. كان مصطفى أكثرهم مرحا وإقبالا على الحياة، وأملَ والديه وتعويضهما، خاصة بعد اعتقال الاحتلال شقيقه الأكبر يزن.

العوض الذي نجا من المرض لم ينجُ من رصاصة متفجرة اخترقت بطنه من مسافة قصيرة ليلة أمس الأول الجمعة، خلال مواجهات اندلعت عند المدخل الغربي للبلدة بعد اقتحامها من قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي.

في المنزل الذي كانت تفوح منه رائحة الموت ووجع العائلة التي فتحت على مدى 8 سنوات 7 بيوت عزاء لأطفالها، كانت الوالدة في حالة تعب شديد وفضلت عدم الحديث، فواصلت الجدة كاملة صباح حديثها عن مصطفى الذي قضى أعوامه الأخيرة باحثا عن الشهادة، فقالت إنه “تعب وتحدى الكل حتى نالها. الله يهنيه عليها”.

فلسطين -بيت لحم- عزيزة نوفل- كاملة صباح جدة الشهيد الطفل مصطفى صباح- الجزيرة نت
جدّة الشهيد مصطفى تقول إنه كان حريصا على الشهادة حتى نالها (الجزيرة نت)

شهادة متوقعة

وتتابع الجدة التي كانت ملازمة لابنتها طوال هذه السنوات والأقرب إلى أطفالها، إنها لم تتفاجأ باستشهاد مصطفى، إذ لم يكن يغيب عن باله حديث الشهادة أبدا، وهو الذي كان يلجأ لبيتها بشكل مستمر لأنه الأقرب على مناطق المواجهات.

تقول الجدة للجزيرة نت: “كان يهرب من المدرسة لرشق الحجارة على دوريات الاحتلال التي تتوقف على الشارع الالتفافي. أصيب أكثر من مرة برصاص معدني مغلف بالمطاط دون أن يخبر أحدا”، ورغم صغر سنه لم يشعر يوما بالخوف من ملاحقته واعتقاله، فقد تعرض للاعتقال أكثر من مرة.

تتابع الجدة أن مصطفى كان ودودا مع كل الناس ودائم الابتسام، وأيضا مهووسا بسير الشهداء وأخبارهم. كان يُكني نفسه “أبو عبيدة”، تيمنا بالناطق باسم كتائب القسام في قطاع غزة، كما أنه تأثر بشهداء مخيم جنين ونابلس، وتحديدا إبراهيم النابلسي الذي لم تغادر القلادة التي تحمل صورته عنقه حتى استشهاده، وعندما كانت تقول له جدته إنه صغير على المقاومة، يرد عليها “أنا يا جدة مش أحسن من الشهداء اللي راحوا” .

وتتواجد قوات الاحتلال بشكل دائم على المداخل الأربعة لبلدة تقوع، وتتحكم بها بالكامل، وهي تغلق ثلاثة وتفتح واحدا، وأحيانا تغلقها جميعها، هذا بالإضافة إلى الاستفزاز الدائم لأهالي البلدة التي يسكنها 14 ألف فلسطيني، وذلك من خلال الحضور الدائم لدوريات الجيش الإسرائيلي على هذه المداخل.

وتحيط بالبلدة 6 مستوطنات من الجهتين الشرقية والشمالية الشرقية، في حين يمتد شارع استيطاني من الجهتين الغربية والشمالية الغربية على امتداد البلدة، وهو ما يحوّلها لبؤرة مواجهات دائمة بين الشبان في القرية وقوات الاحتلال.

وخلال تواجد الجزيرة نت في القرية، لم تتوقف هذه المواجهات التي أصيب بها أحد الشبان، فالمواجهات اندلعت عند الشارع الالتفافي الذي يقع مقابل مدارس البلدة الرئيسية، فكانت أصوات الرصاص مسموعة من مجلس عزاء الرجال خلال حديثنا مع والد الشهيد عامر صباح.

لم يكن الوالد ( 43 عاما) أفضل حالا من زوجته، فهو يتحدث قليلا ويبكي كثيرا، يقول: “دفنت عائلة كاملة تحت التراب”، مشيرا إلى أبنائه السبعة، لكن فقدانه لمصطفى كان الأصعب رغم توقع شهادته.

فلسطين -بيت لحم- عزيزة نوفل- عامر صباح والد الشهيد الطفل مصطفى صباح- الجزيرة نت
والد الشهيد مصطفى: دفنت عائلة كاملة تحت التراب (الجزيرة نت)

تمنى دراسة الهندسة

مصطفى الذي ولد في مارس/آذار 2008، أكبر من عمره فعلا وقولا، فقد كان عندما يناقشه والده محاولا ثنيه عن رشق الحجارة وملاحقة دوريات جيش الاحتلال، يجيبه “لا تخف علي، مثلي مثل باقي الشهداء”.

يقول الوالد للجزيرة نت إن مصطفى اعتقل أكثر من مرة، وفي كل مرة يخرج يزداد عزيمة أكثر لمواجهة الاحتلال، ولا يشعر بالخوف وهو يرشق الجنود بالحجارة من مسافة قريبة.

في إحدى المرات قاموا بربطه في البرج العسكري المقام على مدخل القرية لساعات، وقبل شهر ونصف اعتقلوه ونقلوه إلى معسكر عوفر، بعد صناعته مجسم بندقية من خشب ونشر صورته وهو يحملها.

انشغاله بالمقاومة لم يمنعه من التفوق في دراسته، فقد كانت أمنيته أن يدرس الهندسة، كان يقول لوالده إنه سيعمل ويساعده ليتمكن من الدراسة.

في آخر يومين، كان الوالد يستشعر أن شيئا سيحدث، خاصة عندما كان مصطفى يلحّ عليه بطلب الزواج، ويمازح عمه بأنه سيبدأ ببناء منزله الخاص لأن والده سيزوجه، وعندما كان يرد عليه بأنه صغير على الزواج كان يضحك، “وكأنه كان يعلم أنه سيستشهد ولن يتزوج في هذه الدنيا”، كما قال الوالد.

جرأته ووعيه كانا ما يخيف والده ويجعله يتوقع استشهاده في أي لحظة، فعندما وصله نبأ إصابة طفل من البلدة أثناء عودته وزوجته من مدينة بيت لحم، نطقا بصوت واحد “مصطفى”، وما إن وصلا إلى المستوصف الصحي في البلدة حتى كان قد استشهد دون أن يتمكنا من وداعه، “كان نفسي أحكي معه آخر مرة”.

Previous post الإسكان: طرح محال تجارية ووحدات ومخبز للبيع بالمزاد العلنى بمدينة حدائق العاصمة
Next post صور متداولة لاندلاع حريق في مقر البنك المركزي السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *