يأتي العيد هذا العام تزامنا مع ظروف استثنائية تتجسّد في موجات قاسية من الغلاء وارتفاع الأسعار في مختلف دول العالم، وفي مقدمتها الدول العربية. وعلى الأغلب، فقد خلت الكثير من موائد الإفطار الرمضانية من العديد من الأصناف التي اعتاد الناس تناولها خلال الشهر الكريم، بسبب هذه الأزمات التي وصلت إلى جيوبهم ومستوى معيشتهم الأساسي.
في هذه الظروف القاسية، قد يكون من المهم تذكير أنفسنا بالعديد من القيم والمعاني النبيلة، التي تساعدنا في التعامل مع الأزمة ودعم بعضنا بعضا. في هذا التقرير نستعرض 5 أفلام عامرة بالمعاني المُلهمة، تحض على فعل الخير رغم الأزمات، وتلفت النظر إلى التأمل في الحياة وتناقضاتها، في سياق يجمع بين الإفادة والمتعة والتأمل خلال سهرات العيد.
ألف كلمة.. أفعال لا أقوال
جاك ماكال هو وكيل أدبي، حِرفته هي الكلام، وثروته كلها مصدرها عالم النشر والكلمات والتسويق وسحر الآذان والعيون. الحقائق لا تهمه كثيرا، والمعاني النبيلة لا تهمه على الإطلاق إلا إذا ساعدته في جلب المزيد من الأموال، وهذا هو السبب أنه اهتم للغاية بنشر كتاب تحفيز ذاتي جديد سمع أن أحد الروحانيين على وشك إصداره.
يتوجه جاك ماكال للوسيط الروحاني، الدكتور سانجاي، محاولا إقناعه بنشر الكتاب عبر دار النشر التي يرأسها. خلال رحلته إلى الوسيط الروحاني، يتحمل الكثير من الكلمات “العميقة” الحكيمة التي يعتبرها “ماكال” هراء محضا فقط للوصول إلى إمضاء عقد مع الرجل للاستفادة من أرباح الكتاب. يستند إلى شجرة غريبة المنظر في ضيعة الرجل وتجرحه في يده، ليكتشف أن هذه الشجرة قد نبتت له في حديقة منزله، وأنها اختارته “لتغير حياته”!
كيف ستغير هذه الشجرة حياته؟ يتضح لجاك -الذي لا يكف عن الكلام بصفته رجل مبيعات يعتبر الكلمات مصدره رزقه- أن أوراق الشجر تتساقط كلما تفوّه بكلمة واحدة، وأن كل ورقة تسقط تقرّبه من القبر، وأن حياته سوف تنتهي بمجرد أن تتساقط جميع أوراق الشجرة. وقتئذ فقط، يتغير مسار حياة جاك بالكامل، يقل كلامه للحد الأدنى، ويتواصل مع كل معارفه لإصلاح كل الأخطاء التي قام بها أثناء حياته، بكلمات قليلة، وأفعال كثيرة.
رغم أن فيلم “ألف كلمة” (A Thousand Words)، إنتاج عام 2012 وبطولة الكوميديان الأسمر الشهير “إيدي ميرفي”، هو فيلم كوميدي بالكامل، فإنه يُعَدُّ واحدا من أعمق الأفلام التي تضم معاني مؤثرة وقيما نبيلة. الفيلم يرصد رحلة تحوُّل رجل من الجشع والغرور والسعي وراء المال إلى رجل مُجبر على انتقاء كلماته بعناية شديدة، يسعى لإصلاح حياته بالأفعال الصادقة هذه المرة وليس بالأقوال المُرسلة. ورغم أن الفيلم لم يحقق نجاحا تجاريا كبيرا، فإنه يحتل مكانة دائمة في ترشيحات الأفلام التي تُقدِّم معاني خيرية عميقة بالأسلوب الكوميدي المعتاد لأفلام “ميرفي”.
كريسماس كارول.. سحر العطاء
الجميع يكره السيد “سكروج”، الشيخ الهرم الثري البخيل متجهم الوجه الذي لا يطيق التحدث مع الآخرين، وإذا تحدث إليهم فلا ينالهم منه سوى الأذى والكلمات الحادة. السيد سكروج لا يعرف شيئا عن الحياة سوى لغة المال، كل شيء بالنسبة له هو المال، ليس فقط اكتساب المال، وإنما الاحتفاظ به وعدم صرف قرش واحد منه في عمل أي شيء خيري. في الواقع، أكثر شيء يمكن أن يقتله حيا هو أن يدفع مالا من جيبه، حتى في جنازة صديقه الوحيد، لم يُخفِ تذمره من دفع مبلغ مالي للمسؤولين عن تنظيم الجنازة.
في الوقت الذي يحتفل فيه الجميع بعيد الميلاد، يعود سكروج العجوز إلى منزله الذي يعيش فيه وحيدا، ليمرّ بتجربة ما ورائية عجيبة تغيّر حياته بالكامل؛ يظهر له ثلاثة أشباح، شبح يذكّره بالماضي، وشبح يُطلعه على الحاضر، ثم شبح يُطلعه على سوء مصيره الذي ينتظره في المستقبل عندما يموت وتنهال عليه لعنات الفقراء والمساكين الذين كان قادرا على مساعدتهم بماله، ولكنه رفض بسبب بخله الشديد.
يفيق مستر سكروج من هذه التجربة وقد تغيرت شخصيته بالكامل، ليتحول من أبخل رجل في مدينة لندن البريطانية إلى أكثر رجالها عطاء وسعيا للخير وحبا للمساكين وبذلا للصدقات، وليُضرَب به المثل من فرط كرمه. سجَّل هذا التحول العظيم الأديب الإنجليزي الكبير “تشارلز ديكنز” في روايته الشهيرة “كريسماس كارول” أو “أنشودة الميلاد” التي أبدعها في منتصف القرن التاسع عشر، لتتحول إلى واحدة من أكثر روايات الأدب الإنجليزي شهرة، ولتُجسَّد في العديد من الأفلام على مر السنين، آخرها وأشهرها فيلم الرسوم الحركية الذي أُنتج عام 2009.
الفيلم الذي يُجسِّد رواية ديكينز، ولعب دور بطولته النجم الكوميدي “جيم كاري”، يُقدِّم واحدا من أكبر التحولات الإنسانية، ثم يرصد نتائج هذا التحول من البُخل إلى الكرم، وكيف أنه قد عاد على صاحبه بفيض من الخير، بداية من حب الناس له والتفافهم حوله، وتحوّل وجه العجوز المُتجهم دائما إلى وجه ضاحك تبدو عليه نضرة السعادة التي اكتسبها من شعوره ببذل الخير ومساعدة الآخرين.
مررها للأمام.. خذ الخير وابذله لغيرك
تعودنا على رؤية المبدع “كيفين سبيسي” في أدوار الشر، أو حتى الأدوار المحايدة، ولكن هذه المرة نرى كيفين سبيسي في واحد من أكثر أدوار الخير تأثيرا، حيث لعب دور يوجين سيمونيت، مدرس الدراسات الاجتماعية المليء بخبرات الحياة الصعبة، حيث تعرض في طفولته لحوادث مؤلمة، منها حرقه بالنار بواسطة أبيه. ومع ذلك، حمل يوجين طاقة خير كبيرة بداخله بات يوزِّعها على جميع من حوله.
طلب يوجين من طلاب الفصل أن يكتب كلٌّ منهم خطة أسبوعية، يكون الهدف من ورائها “تغيير العالم إلى الأفضل”. يعود المراهق تريفور إلى المنزل ويضع خطة سمَّاها “مررها للأمام” (Pay it forward)، حيث يقرر أن كل فعل خير يتلقاه، سيبذل في المقابل جهده لرد المعروف إلى 3 أشخاص آخرين، ثم يقوم كل شخص من هؤلاء الثلاثة بعمل خير لثلاثة أشخاص آخرين، وهكذا. كانت هذه الخطة هي أفضل ما فكّر فيه الصبي ليقوم بتغيير العالم إلى الأفضل، كما طلبَ مُعلِّمه.
يبدأ الصبي تريفور تنفيذ خطته، فيجد متشردا في الشارع يؤويه في مرآب منزله. بعد فترة، يقوم المتشرد بفعل الخير بدوره حيث يقوم بإصلاح سيارة والد تريفور بنفسه، ويمنع سيدة من الانتحار. لاحقا، تكتشف والدة تريفور أن ابنها قام بإيواء مشرد في منزلها، ويخبرها الصبي بخطته، فتقوم بدورها بالذهاب إلى والدتها التي قاطعتها لفترة طويلة وتعيد علاقتها بها.
تبدأ جدة تريفور بالسير على الطريق نفسه، فتنقذ رجلا من قبضة الشرطة وتمنحه فرصة أخرى للحياة وتطلب منه نشر الفكرة، فيقوم بمساعدة رجل في إدخال ابنته إلى المستشفى بعدما رفض الممرضون إدخالها، يعرف الرجل الفكرة بدوره فيقوم بمساعدة شخص في الطريق بإيصاله إلى موعده. وهكذا، تدور أحداث الفيلم في أن كل شخص استقبل خيرا، فإن دوره أن يقوم ببذله إلى 3 أشخاص آخرين.
فيلم “مررها للأمام” أو “مررها لغيرك” (Pay it forward) أُنتج عام 2000 وحقق تقييما نقديا إيجابيا مرتفعا، ويُعَدُّ واحدا من أكثر الأفلام إلهاما، حيث يحض على فكرة بذل عمل خيري واسع النطاق بشكل جماعي، وما زالت الكثير من الأعمال الخيرية والمؤسسات المسؤولة عن تقديم المساعدات الاجتماعية تعتمد على فكرة الفيلم وتشير إليه لتحفيز المجتمع على تطبيق الفكرة: مررها، ساعد 3 أشخاص آخرين.
فورست غامب.. ريشة تحركها الأقدار
يبدأ فيلم “فورست غامب” (Forrest Gump) بمشهد ريشة محلّقة في الهواء، ثم يظهر وجه الشاب “فورست غامب” الذي لعب دوره الممثل الأميركي العالمي توم هانكس، وحصد عددا كبيرا من جوائز الأوسكار وعُدَّ من أفضل أفلام التسعينيات على الإطلاق. نرى في بداية الفيلم تلك الريشة الطائرة، ثم تبدأ أحداث الفيلم، ويعود لينتهي بالريشة نفسها.
يحكي غامب أنه -بمعايير المجتمع- وُلد محدود القدرات العقلية، وأنه عانى إصابة في قدميه جعلته يرتدي دعامات طوال حياته، ثم يستعرض الفيلم طفولته وهو يتعرض للتنمر، ثم أحداث حياته المتوالية التي تحمل ما يشبه “المعجزات” في ظل إمكانياته العقلية. يدخل مدرسة للأطفال الأسوياء، يلتحق بالجامعة، يصبح بطلا رياضيا في كرة القدم الأميركية، يشارك في حرب فييتنام وينجو ويحصل على نوط الشجاعة، يلتقي برئيسين أميركيين، بل ويصبح مليونيرا، وأيضا نجما لكرة الطاولة، ويعيش قصة حب رائعة ويتزوّج وينجب طفلا صحيحا!
كل هذه الإنجازات الكبرى في الحياة التي يتمناها أي شخص حققها فورست غامب في ظل قدرات ذهنية محدودة تماما، وبراءة منقطعة النظير في التعامل مع الجميع، وبعيدا عن أي خبث أو تخطيط مرهق للحياة أو حياكة المؤامرات ضد الآخرين، وهو ما يجعل مشهد الريشة المحلقة في الهواء في بداية ونهاية الفيلم تحمل معنى رمزيا أن هذا الشاب معه مَن يرعاه حقا ويمهِّد له الطريق، وأن نقاء فطرته كان سببا في أن يحقق كل أمنياته بسهولة.
الفيلم الذي أُنتج عام 1994، بميزانية قدرها 55 مليون دولار، حقق إيرادات هائلة تجاوزت نصف مليار دولار، وحجز مكانا دائما في قوائم أكثر الأفلام إلهاما وبثا للأمل وحضا على أعمال الخير في مواجهة شرور المجتمع.
لوحة دوريان غراي.. خطوات الشيطان
عندما يصل الشاب المُحافظ الهادئ البريء “دوريان غراي” إلى لندن قادما من بلدته الريفية في تلك الفترة من القرن التاسع عشر، لم يكن في ذهنه أي شيء سوى الذهاب لاستلام إرثه الكبير بعد وفاة جده في عاصمة الضباب، ثم العودة من حيث جاء إلى بلدته المحافظة المليئة بالقيم. وعندما يصل، يجد أن الأسرة قد رسمت له لوحة فنية خلابة تجسِّد صورته، ويصطدم أثناء فترة إقامته في لندن باللورد هنري، الذي يُمثِّل تجسيدا لشيطان بشري بكل معنى الكلمة.
يبدأ اللورد هنري في تغيير نظرة دوريان للعالم، ففي الوقت الذي يعجب فيه الشاب الوسيم بامرأة ويعزم على الزواج منها، يعرقل اللورد هنري مساره ويغويه بالذهاب معه إلى أحد بيوت البغاء. لاحقا، يتورط دوريان غراي في المزيد من الأعمال الشريرة بما فيها القتل والتهديد وممارسة القمار، لتتحول شخصيته بالكامل من الفتى الوسيم البريء إلى شاب شرير يمارس أحط وأشنع الجرائم بلا رحمة، ثم يكتشف أنه لا يتقدم في العمر، وأن الرسم الذي يجسِّد صورته هو الذي يشيخ بدلا منه!
فيلم “لوحة دوريان غراي” هو فيلم دراما أُنتج عام 2009، من بطولة النجمين بينجامين بارنز وكولين فيرث، وهو فيلم يستند إلى رواية شهيرة كتبها الأديب العالمي أوسكار وايلد في نهاية القرن التاسع عشر، تُجسِّد المعنى الحقيقي لـ”خطوات الشيطان”، وكيف يمكن لشخص بريء خالٍ من الميول الشريرة أن يتحول إلى شخص يمارس أحط أنواع الشر، بسبب رفقة السوء. المفاجأة أن اللورد هنري، الشخص الذي جرّ دوريان غراي إلى عالم الرذيلة، تعرّض للأذى منه لاحقا!
الفيلم يُعَدُّ من أكثر الأفلام التي تثير التأمل حول التحولات الكبرى التي تصيب الأشخاص، وكيف أن الإغواء الخفي بواسطة خليل السوء قد يحوِّل أنقى الشخصيات إلى وحش مفترس يمارس الشر ضد الجميع. عُدَّ الفيلم من أفضل الأعمال الفنية التي جسَّدت الرواية العريقة، ومن أكثر الأفلام التي تطلق صيحة تحذير حول المُثُل الأخلاقية التي تتغير تماما بتغير البيئة ورفقاء السوء.
خمسة أفلام يمكن مشاهدتها أثناء عطلة العيد، كلٌّ منها يحمل الكثير من المعاني المُلهمة التي تثير بداخل المشاهد علامات التعجب والاستفهام والتأمل حول مفاهيم الخير والشر والأقدار، من خلال حبكات قصصية مختلفة ومتنوعة، جميعها مليئة بالتشويق والإبداع مما يجعلها تضمن لك وجبات دسمة من التسلية والإلهام معا.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.