“ربطوا المركب بحبل ثم انقلب”.. هل ترك خفر سواحل اليونان اللاجئين يغرقون؟ | سياسة


بعد ساعات فقط من غرق مركب مليء باللاجئين قبالة الساحل الغربي لليونان، بدأ أقرباء من كانوا على متنه يتدفقون من أنحاء أوروبا وحتى من خارجها إلى بلدة كالاماتا جنوبي اليونان للعثور على أحبائهم، متسائلين عن حقيقة ما حدث، فالروايات الرسمية بدت غير مقنعة لكثيرين بما في ذلك منظمات إغاثية وحقوقية ونشطاء مجتمع مدني، أغلبهم يونانيون وأوروبيون.

ووفق شهود، فإن ما بين 400 و750 شخصا كانوا متكدسين في قارب صيد غرق في وقت مبكر قبل فجر الأربعاء الماضي على بعد نحو 80 كيلومترا من بلدة بيلوس الساحلية جنوبي اليونان، إثر عطل المحرك بعد 5 ليال من الرحلة التي انطلقت من مدينة طبرق الليبية، وقال أحد الناجين للجزيرة نت -فضل عدم ذكر اسمه- إن كثيرين لم يتمكنوا من مغادرة المركب عند انقلابه، وخاصة أولئك الذين كانوا بالطابق السفلي.

وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك إن الحادثة أدت لمصرع 78 شخصا حتى الآن، واعتبر نحو 500 شخص -بينهم أطفال ونساء- في عداد المفقودين، في حين عزا خفر السواحل اليوناني إخفاقه في إنقاذ اللاجئين قبل غرق قاربهم إلى رفضهم تلقي المساعدة.

استغاثة تم تجاهلها

دحض نشطاء مستقلون وخبراء القانون الدولي رواية اليونان، وأثبتت شهادات منظمات إغاثية وناشطين كان بعضهم على تواصل مع لاجئين بالمركب الغارق، أن الركاب اللاجئين أرسلوا رسالة استغاثة بقصد إنقاذهم لأي بر متاح، وإضافة لذلك اتصلت منظمات وناشطون وأرسلو رسائل موثقة إلى السلطات اليونانية والأوروبية، واطلعت الجزيرة نت على بعض هذه الرسائل بما في ذلك رسالة منظمة “هاتف الإنقاذ” (Alarm Phone) الأوروبية.

منظمة alarm phone غير الربحية/مواقع التواصل
استغاثة أرسلتها منظمة “هاتف الإنقاذ” للسلطات اليونانية والأوروبية قبل أكثر من 8 ساعات من غرق القارب (مواقع التواصل، هاتف الإنقاذ)

وقال بيان لمنظمة “تقرير قارب بحر إيجه” (Aegean Boat Report) النرويجية غير الحكومية، إنه عند مقارنة المعلومات من خفر السواحل والسلطات اليونانية والمنظمات والناجين، يبدو شيء واحد واضح تماما، وهو أن “شخصا ما يكذب عمدا للتستر على الحقيقة”.

وأكد العديد من الناجين أن خفر السواحل اليوناني طلب من المركب أن يتبعه، ولما تعطل محرك قارب اللاجئين سحبه عبر حبل جرى ربطه بالقارب، مما أدى لتمايله بشدة قبل أن ينقلب، وفق شهادات عديدة من ناجين وأقاربهم ونشطاء تواصلوا مع ركاب المركب عبر الأقمار الصناعية. ويظل السؤال الكبير: في أي اتجاه ولأي غرض كان يتم سحب المركب، الإنقاذ أم الإرجاع؟ وما الإجراءات -أو بالأحرى عدم اتخاذ إجراءات- التي اتبعها خفر السواحل اليوناني؟

وذكرت الناشطة والصحفية أليسيا مدينا أن 3 ناجين أكدوا لها أن خفر السواحل اليوناني ربط حبلا بقاربهم وسحبه ثم انقلب القارب، وأضاف الشهود الثلاثة أنه بعد انقلاب القارب “ابتعد حرس السواحل وأبحروا بعيدا”، وتابعوا القول إنهم بقوا ساعتين أو 3 على الماء بعد ذلك حتى تم إنقاذهم.

وتقول رواية اليونان إن اللاجئين رفضوا الإنقاذ وأرادوا الذهاب لإيطاليا، لكن الرسائل الموثقة التي نشرتها منظمة “هاتف الإنقاذ”، التي كانت على اتصال مباشر بأشخاص على متن القارب، تحكي قصة مختلفة، حيث توسّل الناس من أجل إنقاذهم، وتم تجاهل صراخهم طلبًا للمساعدة، مما أدى في النهاية إلى غرقهم.

منظمة alarm phone غير الربحية/مواقع التواصل
الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل ردت على رسالة “هاتف الإنقاذ” بأنها أبلغت اليونان (مواقع التواصل، هاتف الإنقاذ)

وقال بيان لـ”هاتف الإنقاذ”، اطلعت عليه الجزيرة نت، إنه لو كانت هذه سفينة سياحية “في محنة” (منكوبة بالمعنى القانوني) وغرق المئات من الأثرياء بسبب نقص جهود الإنقاذ لكانت المحاسبة صارمة، لكن “في هذه الحالة نخشى ألا يحاسب أحد وتختفي الحادثة في طي النسيان كزيادة في إحصائيات القتلى على حدود أوروبا”.

واطلعت الجزيرة نت أيضا على سجل الأحداث الرسمي الذي أعلنته اليونان تحت عنوان “تدفق المعلومات بشأن عملية بحث وإنقاذ واسعة للأجانب في المياه الدولية في المنطقة البحرية البالغة 47 ميلاً بحريا جنوب غرب بيلوس”، وحللت مضمون تلك الأحداث، وشاهدت العديد من مقاطع الفيديو والصور للمركب الغارق من قبل سفن صادفته.

تضارب الروايات اليونانية

يؤكد تسجيل الأحداث في مركز العمليات بوزارة النقل البحري أن قوات خفر السواحل اليونانية كانت على علم بالسفينة منذ الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء 13 يونيو/حزيران الجاري، وكانت –وفقًا لسجلها الرسمي الخاص– على اتصال بالسفينة منذ الساعة 14:00 بالتوقيت المحلي. ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء إنقاذ، لأن “القارب لم يطلب أي مساعدة من خفر السواحل أو اليونان”، حسب بيان يوناني رسمي.

تتكرر الحجة نفسها في الساعة 18:00: “مرارًا وتكرارًا، جرى سؤال المركب عما إذا كان يحتاج إلى مساعدة إضافية، أو كان في خطر أو يريد أي شيء آخر من اليونان”. فأجابوا: “لا نريد أكثر من الاستمرار في طريق إيطاليا”، بحسب الرواية الرسمية التي نفاها نشطاء ومنظمات.

وبعد أن زعمت السلطات اليونانية في البداية أن سفينة خفر السواحل حافظت على مسافة من القارب، أقر المتحدث باسم الحكومة اليونانية إلياس سياكانتاريس، يوم الجمعة الماضي، بأن خفر السواحل “استخدموا حبلًا ليثبتوا أنفسهم ويقتربوا ويروا ما إذا كان اللاجئون يريدون أي مساعدة”، لكنه أصر على عدم وجود محاولة لسحب القارب أو ربط سفينة خفر السواحل به، مؤكدا أن اللاجئين رفضوا المساعدة، في حين ذكر المتحدث باسم خفر السواحل نيكوس أليكسيو “لقد اخترنا أن نراقب السفينة من مسافة”، وزعم مسؤول بوزارة النقل أنه “بعد ذلك، حل المهربون أو اللاجئون الحبال وابتعدت سفينة خفر السواحل، وهي تراقب من مسافة قريبة”.

وانتقد الأميرال اليوناني المتقاعد نيكوس سبانوس مزاعم السلطات بأن المركب المنكوب رفض عروض المساعدة، معتبرا أنه “مقبرة عائمة من دون وثائق”، ومشيرا إلى أن سفن البحث والإنقاذ لم تتخذ إجراء فوريا، واستغرب في حديث لهيئة الإذاعة والتلفزيون اليونانية سؤال خفر السواحل للقارب الغارق عما إذا كانوا بحاجة للمساعدة أم لا، رغم تلقي إشارة استغاثة مؤكدة.

وفي حوادث عديدة سابقة، تم سحب مراكب وسفن اللاجئين، المليئة بالناس، مئات الأميال قبل أن يتركها خفر السواحل اليوناني تنجرف بلا حول ولا قوة، وربما كانت هذه الخطة الأصلية في هذه الليلة القاتلة أيضًا، كما تقول منظمة “هاتف الإنقاد”، ولكن هذه المرة فقط، سارت الأمور بشكل خاطئ للغاية “والآن يحاولون بذل قصارى جهدهم للتستر عليها، وإلقاء اللوم على كل من سواهم”، كما تقول المنظمة النرويجية.

التحكم بالرواية وإسكات الناجين

في كالاماتا كان قاسم أبو زيد -وهو سوري يعيش في هامبورغ- يبحث عن زوجته إسراء عون، وكان قد حاول إحضارها إلى ألمانيا بشكل قانوني ولم ينجح، فدفع للمهربين 5 آلاف دولار لنقلها من مخيم اللاجئين في الأردن حيث كانت تعيش، عبر شمال أفريقيا ثم البحر الأبيض المتوسط، وقال أبو زيد للجزيرة إن خفر السواحل يمنع الناجين من التحدث لوسائل الإعلام أو الأقارب، وأضاف “إذا كان هناك جثة لزوجتي سيخبروننا، لكن هذا سيستغرق وقتا، 3 أو 4 أيام”.

قاسم أبو زيد، وهو سوري يعيش في هامبورغ يبحث عن زوجته إسراء عون الجزيرة/اليونان
قاسم أبو زيد، سوري يعيش في هامبورغ، يبحث عن زوجته إسراء عون ويحمل صورة قديمة لهما معا (الجزيرة)

واستنكرت منظمة “هاتف الإنقاد” حبس الناجين من دون اتصال بالعالم الخارجي، وقالت إنه “لم يُسمح لهم حتى بالاتصال بعائلاتهم لإخبارهم أنهم على قيد الحياة”، وتساءلت “لماذا تكون السلطات اليونانية متحفظة للغاية؟ يجب أن يكون للناجين الحق في التحدث إلى أي شخص، بما في ذلك الصحفيون للإدلاء بشهاداتهم حول ما حدث”.

وتابعت: كان مدهشا أن رئيس الوزراء بالوكالة يوانيس سارماس عقد اجتماعا لمجلس الوزراء لمناقشة حقوق الناجين، وتطرقوا لمسألة ما إذا كان ينبغي أن يكون لهم الحق في إجراء مكالمات هاتفية أو استخدام الإنترنت، وقالت “إنه أمر مخزٍ ومروع للغاية!”، واعتبرت أنه في وقت تتبع فيه العائلات أخبار أبنائها، “تخشى السلطات اليونانية ما قد يقولونه للعالم الخارجي”.

واستنكرت منظمة “تقرير قارب بحر إيجه” حبس الناجين خلف أسوار من الأسلاك الشائكة وإخضاعهم لحراسة مشددة، وقالت في بيان إنه استنادًا إلى المعلومات المتاحة والحالات المماثلة السابقة التي تنطوي على لاجئين يصلون في قوارب إلى المنطقة ويواجهون خفر السواحل اليوناني، إنه من المحتمل جدًا أن تكون هذه عملية “معتادة” تهدف إلى توجيه وإجبار القارب عن الابتعاد بعيدًا عن المياه اليونانية.

وفي هذه الحالة، سارت عملية الصد بشكل خاطئ، والسلطات اليونانية تبذل الآن كل ما في وسعها للتستر على ما جرى، ويبدو أن التحكم في الضرر وإنكار أي مسؤولية هي الإستراتيجية، لقد نجحت تلك الطريقة بشكل مثالي في الماضي، فلماذا لا تحاول اليونان مرة أخرى.

وقال المتحدث باسم خفر السواحل اليونانية -لقناة تلفزيونية يونانية- إن الطاقم المساهم في عملية الإنقاذ أهمل تسجيل تدفق الصور القادم من الكاميرات وأجهزة استشعار النظام الكهربائي البصري “إي أو”(EO) الأخرى لقارب خفر السواحل، مما أثار علامات استفهام لدى العديد من النشطاء.

وردا على ذلك، قالت منظمة “تقرير قارب بحر إيجه”، التي تدافع عن اللاجئين وتشارك بيانات الهجرة مع منظمات الإغاثة، “لا يسعنا إلا التكهن بالسبب وراء إيقاف تشغيل هذه الكاميرات.. سفن خفر السواحل اليونانية متورطة باستمرار في عمليات إعادة اللاجئين (قسرا)”، وأردفت “نادرًا ما يتم تشغيل هذه الكاميرات لتجنب تصوير جرائمهم”.

وعلقت الناشطة الإغاثية اليونانية المناصرة لحقوق اللاجئين إليني كونستانتوبولو على تصريحات المتحدث باسم قوات حرس السواحل بالقول إن المواصفات الفنية لقارب خفر السواحل “HCG ΛΣ-920” تظهر أنه مجهز بكاميرا تلفزيونية ملونة كبيرة الحجم تعمل بالتكبير المستمر للتصوير الحراري.

وحاولت الجزيرة نت التواصل مع ناشطين يونانيين التقوا مع ناجين من المركب الغارق، وأكدت الناشطتان اليونانيتان جانين اللولودي وإليني كونستانتوبولو عدم سماح السلطات للناجين بالحديث لوسائل الإعلام، وأضافت كونستانتوبولو أن الحكومة اليونانية تريد التحكم في سرد رواية ما جرى، “لكن حزن اللاجئين وحتى وجودهم ذاته تم إسكاته خلف مراكز الوصول الخاضعة للرقابة المغلقة”.

وكتبت كونستانتوبولو، على حسابها في تويتر، أن الجريمة الكبرى هي أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تعرف أنشطة اليونان تجاه اللاجئين منذ مدة طويلة، والآن تواصل دعمها بتمويل كبير، في حين قال الناشط اليوناني فاسيليس تسارناس إن اليونان ليس لديها سجل جنائي نظيف تجاه اللاجئين.

شهادات الناجين

سافر عبدو شيخي، وهو كردي سوري يعيش في ألمانيا، إلى كالاماتا لمعرفة ما حدث لخمسة أفراد من عائلته كانوا على متن القارب.

يوم الجمعة الماضي، اكتشف أن شقيقه الأصغر علي وواحدا فقط من أقاربه هما من نجوا فقط، وتمكن من التحدث عبر الهاتف إلى علي، الذي تم نقله إلى المخيم بالقرب من أثينا.

قال شيخي “أخبرني (علي) أنه قفز (من) السفينة بينما لم يتمكن الآخرون من القفز”، وتابع “كانوا خائفين. كانوا يتشبثون بالقارب وهو يتمايل”.

وفي وقت متأخر من يوم الخميس الماضي، أظهرت لقطات فيديو بعض أقارب الضحايا يخبرون رئيس الوزراء اليوناني السابق أليكسيس تسيبراس أن جنودا (يرتدون زيا عسكريا وملثمين) من سفينة يونانية ألقوا بحبل لركاب القارب. ونقل أحد المترجمين لتسيبراس “لأنهم لم يعرفوا كيفية سحب الحبل، بدأت السفينة تميل يمينا ويسارا”. وأضاف “كان قارب خفر السواحل يتحرك بسرعة كبيرة، لكن السفينة كانت تميل بالفعل إلى اليسار، وهكذا غرقت”.

وصرح زعيم المعارضة اليساري أليكسيس تسيبراس عقب ذلك بأن سياسات الهجرة الأوروبية “حوّلت البحر الأبيض المتوسط ​​إلى مقابر مائية”.

وأكد ناجٍ آخر لمراسل القناة الرابعة البريطانية سكاندر كرماني أن القارب غرق بعد محاولة ربطه بحبل من قبل خفر السواحل اليوناني، وأشار إلى أن أغلبية الركاب كانوا باكستانيين ومصريين وسوريين ومنهم نساء وأطفال صغار، وقال كرماني إن أحد المفقودين باكستاني يبلغ من العمر 18 عاما وتزوج قبل 3 أشهر قبل أن يسافر إلى ليبيا ليستقل المركب الغارق.

وقال ناج باكستاني ثان، تحدث مع أحد أقاربه، إنه بعد العطل الميكانيكي في القارب، حاول خفر السواحل ربط القارب وجره فغرق، بحسب الرواية التي نقلتها نيويورك تايمز، في المقابل قال ناجٍ باكستاني آخر إن حالة هلع سادت المركب الغارق وتسببت في دخول الماء مما أدى لغرقه، بحسب مراسل الجزيرة.

وقال البرلماني اليوناني كريتون أرسنيس إن ما حدث جريمة صريحة، ونفاق ممن يدعمون تلك السياسات تجاه اللاجئين، وأضاف أن ناجين أخبروه أن غرق القارب حدث بعد 15 دقيقة من سحبه بحبل من قبل خفر السواحل، وتم إنقاذ من كانوا على السطح فقط، مشيرا لمحاولة السلطات نقل القارب تجاه إيطاليا.

وذكر رئيس نقابة أطباء المستشفيات العامة في اليونان ميهاليس ياناكوس للجزيرة أن الناجين أخبروهم بأن النساء والأطفال كانوا في عنبر (قبو) المركب. وقال البعض إنهم كانوا في ثلاجات.

وفي كالاماتا، تظاهر سكان محليون من الميدان الرئيسي وهم يهتفون “كلنا أجانب”، وحملوا لافتات تقول إن غرق السفينة “لم يكن مأساة، بل جريمة قتل من قبل الدولة والاتحاد الأوروبي”.

إدانات حقوقية وإغاثية

وقالت منظمة “نحن سولومون” (we are solomon) اليونانية غير الربحية، في تقرير بعنوان “استغاثة تم تجاهلها”، إن عدم إجلاء اللاجئين سلوك يرفضه خبراء القانون الدولي وكذلك أعضاء سابقون ونشطون في خفر السواحل، حتى لو كان هناك بالفعل “رفض للمساعدة”.

وأوضح الخبراء لمؤسسة “نحن سولومون” أن عملية الإنقاذ كان يجب أن تبدأ فور اكتشاف قارب اللاجئين، لأسباب منها تأكد تحميل القارب بأكثر من طاقته وعدم صلاحيته للإبحار، إذ كانت حياة الأشخاص الموجودين على متنه والذين لم يكن لديهم حتى معدات إنقاذ، معرضة لخطر دائم.

وبالإضافة لذلك، فإن قرار رفض الإنقاذ أو أي تدخل آخر من قبل قوات خفر السواح اليونانية يمكن أن يكون منطقيًا فقط إذا كانت السفينة تحمل علم دولة، ولديها الوثائق الرسمية المناسبة، وكان لديها قبطان مناسب، وكانت في حالة آمنة، ولا ينطبق أي من هذه الشروط على قارب اللاجئين الغارق، بحسب المؤسسة اليونانية غير الحكومية.

وأيضا كان على مسؤولي خفر السواحل تقييم الموقف بشكل موضوعي، واتخاذ الإجراءات اللازمة بغض النظر عن كيفية تقييم ركاب قارب اللاجئين للموقف، وكان قارب اللاجئين بلا شك في حالة محنة تستوجب إنقاذها على أبعد تقدير منذ اللحظة التي تلقى فيها خفر السواحل، عبر هاتف الإنذار، رسالة استغاثة أرسلها الركاب ومنظمة واحدة على الأقل وناشطون، ولم يتم ذكر مكالمة الاستغاثة هذه في أي مكان في سجل اتصالات خفر السواحل.

شهادة أخرى

وقالت الناشطة الإيطالية من أصل مغربي نوال الصوفي إن السلطات المعنية عرفت أن القارب كان من دون قبطان لأن المهاجرين عندما اتصلوا بالسلطات اليونانية قالوا إن القبطان تركهم وعاد إلى ليبيا، ولم يكمل الإبحار تجاه إيطاليا، ولم يكن للركاب خبرة في قيادة المركب لبر الأمان، وأضافت -في حديث صوتي عبر فيسبوك- أن هناك أسئلة كثيرة حول دور السفينة اليونانية والفوضى التي جرت في القارب، مشيرة إلى أن الاعتقالات الجارية قد تعقّد الأمور وتجعل هناك صعوبة في التواصل مع الناجين.

وأكدت نوال الصوفي أن “أحد الأشخاص على متن المركب الغارق كان يتواصل معها عبر هاتف ثريا (بالقمر الصناعي) وأرسل موقعهم الجغرافي وأخبرها بوضعهم الصعب بعد 5 أيام من السفر، ونفاد الماء، وفي الساعة 11 مساء بتوقيت اليونان اتصل بها ليخبرها أن سفينة خفر السواحل اليوناني ربطت المركب بحبلين من أمام المركب وفوقه، وكانت تلقي كل 5 دقائق زجاجة مياه لهم، فصار ركاب المركب يميلون يمينا ويسارا، مما جعل المركب يتأرجح بشدة، وأدى الهيجان في القارب حول زجاجات الماء لحالة فوضى، وابتعد خفر السواحل اليوناني قليلا عن السفينة، وخلال آخر الليل أصبح الوضع على متن القارب أكثر مأساوية؛ فقد كان المهاجرون مرتبكين ولم يفهموا ما إذا كانت هذه عملية إنقاذ أم تعريض حياتهم لخطر أكبر”.

وأضافت الصوفي -التي كانت تتواصل مع سيدة أخرى على المركب الغارق أيضا- بتأثر شديد “الرجل الذي كنت أتحدث معه قال بوضوح أشعر أن هذه ستكون ليلتنا الأخيرة على قيد الحياة”. وتابعت: لم تكن هناك نية لمواصلة الرحلة إلى إيطاليا، لأنهم لم يعرفوا كيفية الإبحار للوصول إلى المياه الإيطالية، حيث كان المرشد الحقيقي للقارب مفقودًا وكانوا يسألون باستمرار عما يجب عليهم فعله.

وأوضحت “لقد احتاجوا بالتأكيد إلى المساعدة من أي جهة كانت، ولو أعربوا لي عن رغبتهم في مواصلة الرحلة إلى إيطاليا، كنت سأرسل بالطبع معلومات إلى مالطا واليونان وإيطاليا، لكن المهاجرين لم يقولوا ذلك قط. هل من الممكن أن تكون السلطات اليونانية قد فسرت هروب المهاجرين من الوضع الخطير الذي كانوا فيه على أنه هروب من عملية الإنقاذ؟ هذه أسئلة لا أستطيع الإجابة عليها، لكن يمكنني أن أشهد أن هؤلاء الأشخاص طلبوا باستمرار إنقاذهم من أي بلد”.

وأشارت نوال الصوفي إلى أن السلطات اليونانية زعمت أن الركاب رفضوا الإنقاذ وأرادوا الحصول على الماء والطعام فقط وإكمال رحلتهم لإيطاليا (كما تفعل كثير من مراكب المهاجرين)، لكن الصوفي أكدت أن لديها مكالمات مسجلة مع بعض الركاب تؤكد أنهم أرادوا الإنقاذ من أي جهة كانت، وأن هناك تأخرا شديدا أيضا في الإنقاذ لعشر ساعات مثلما حدث مع ترك مركب مهاجرين آخر لمدة 4 أيام ونصف اليوم قبالة سواحل مالطا وماتت طفلة سورية فيه عطشا.

ودعت الصوفي من يعرف أحد ركاب القارب الغارق في أوروبا للذهاب إلى كالاماتا -جنوب شبه جزيرة المورة (البيلوبونيز) على خليج ميسينيا من البحر المتوسط- للتعرف على الجثث حتى يعرف الأهالي مصير أبنائهم، حيث سيرحل الناجون لمخيم مالاكاسا، وأشارت إلى أن بعض الركاب لا يعرف أهلهم من الأساس أن أبناءهم قد ذهبوا في رحلة الهجرة غير النظامية عبر البحر، والأسماء الكاملة للركاب قد تكون لدى “تاجر البشر” الذي جنى من 4 آلاف إلى 6 آلاف يورو عن كل شخص مقابل التهريب.

وحذرت نوال الصوفي أهالي اللاجئين من دفع مال لمحامين أو سماسرة ومن أسمتهم “تجار البشر” لمعرفة مصير أبنائهم المفقودين، وكذلك حذرت من تصوير الجثث، مشيرة إلى أنه يمكن لهم التواصل مع الناشطين المتطوعين لمتابعة إجراءات الجنازات ونقل الجثث.

قانون البحار والإنقاذ

تشرح نورا ماركارد أستاذة القانون العام الدولي وحقوق الإنسان الدولية بجامعة مونستر، أنه كان على خفر السواحل أن يتعامل مع الحادث على أنه “سفينة منكوبة” (سفينة في محنة) منذ اللحظة الأولى، ويتخذ جميع التدابير لإنقاذ الناس.

وأضافت في حديث لمؤسسة “سولومون”: بمجرد تلقي مكالمة الاستغاثة عبر هاتف الإنذار، كان هناك حالة منكوبة واضحة، ولكن عندما يكون من الواضح أن السفينة محملة فوق طاقتها، فإنها تكون منكوبة بمجرد خروجها من الميناء، لأنها غير صالحة للإبحار، حتى لو كانت السفينة لا تزال تتحرك. وعندما تكون هناك حالة منكوبة، من الواجب إنقاذ المركب وليس الوقوف والمراقبة.

ويعرّف القانون الدولي وضعية المحنة (المنكوبة) بأنها حالة يكون فيها يقين معقول بأن سفينة أو شخصًا مهددٌ بخطر جسيم ووشيك ويتطلب مساعدة فورية.

وتشرح ماركارد أنه إذا أخطأ القبطان في تقدير الموقف تمامًا وقال إن السفينة بخير، فإن السفينة لا تزال في محنة إذا كان الركاب في خطر شديد بسبب حالة السفينة، وينص القانون الدولي بشكل لا لبس فيه على أنه عند تلقي المعلومات “من أي مصدر” بأن الأشخاص منكوبون (في محنة) في البحر، يجب على ربان السفينة القادرة على تقديم المساعدة “المضي قدمًا بكل السرعة لمساعدتهم”.

وفي هذه الحالة بالذات، بحسب تقرير مؤسسة ” سولومون”، لم تكن سفينة الصيد ترفع علمًا، لذا فإن الحادث لا يندرج حتى ضمن فئة احترام سيادة دولة العلم؛ فعندما لا ترفع السفينة أي علم على الإطلاق، كما يبدو هنا، فإن قانون البحار يمنح الدول الأخرى الحق في زيارة السفينة، وهذا يشمل الحق في الصعود إلى السفينة للتحقق، تقول ماركارد.

وأكد البروفيسور إريك روسيج من معهد القانون الخاص بجامعة أوسلو، لوكالة أسوشيتد برس، أن اليونانيين “كان عليهم واجب بدء إجراءات الإنقاذ” نظرًا لحالة السفينة، وقال إن رفض المساعدة يمكن تجاهله إذا اعتبر غير معقول، كما بدا يوم الأربعاء الماضي.

كل القوارب خطرة

وغرد فلافيو دي جياكومو المتحدث باسم مكتب البحر الأبيض المتوسط ​​التابع لوكالة الهجرة الأممية، قائلاً إنه يجب اعتبار جميع قوارب المهاجرين خطرة وإنقاذها على الفور لأنه “حتى عندما يبدو أنها لا تعاني من مشاكل، فإنها يمكن أن تغرق في بضع دقائق”.

وقالت مجموعة من المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وأطباء بلا حدود، إن على الاتحاد الأوروبي “التوقف عن رؤية الحلول فقط في تفكيك شبكات التهريب”، وبدلا من ذلك ينبغي إقامة عمليات بحث وإنقاذ بقيادة الدول في البحر الأبيض المتوسط​.

وقالت أدريانا تيدونا من منظمة العفو الدولية “كان على الحكومة اليونانية مسؤوليات محددة تجاه كل راكب على متن السفينة، ومن الواضح أنها كانت في محنة، هذه مأساة ذات أبعاد لا يمكن تصورها، خاصة أنه كان من الممكن تجنبها بالكامل”.

“جدار الأكاذيب”

في ظل حكم المحافظين، اتخذت اليونان موقفًا متشددًا بشأن الهجرة، حيث أقامت معسكرات مسوّرة، وعززت السيطرة على الحدود، ويُحكم البلد حاليًا من قبل إدارة تصريف الأعمال في انتظار الانتخابات المقبلة يوم 25 يونيو/حزيران الحالي، وألقت منظمة “هاتف الإنقاد” باللوم على سياسة الهجرة في اليونان في غرق السفينة، وقالت إن أثينا أصبحت “درع أوروبا” لردع الهجرة.

قال إريك ماركوارت، وهو مشرّع رئيسي في الاتحاد الأوروبي بشأن سياسة الهجرة ونائب رئيس لجنة التنمية بالبرلمان الأوروبي وعضو لجنة الحريات المدنية والعدالة، إن أوروبا تبني “جدارًا من الأكاذيب” حول ما يحدث على حدودها، واعتبر أن الحادث الأخير في المياه اليونانية “أمر معتاد تمامًا”، حيث يموت الناس كل يوم على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي بينما “لا تمتثل السلطات للقانون الدولي للبحار”، بحسب حديثه لوكالة الأناضول.

Men transfer body bags carrying migrants who died after their boat capsized in the open sea off Greece, onboard a Hellenic Coast Guard vessel at the port of Kalamata, Greece, June 15, 2023. REUTERS/Stelios Misinas
نقل جثث في كالاماتا لمهاجرين لقوا حتفهم بعد انقلاب قاربهم في عرض البحر قبالة اليونان (رويترز)

وحددت منظمة “هاتف الإنقاد” طرق البحث عن الأشخاص المفقودين في اليونان عبر التواصل مع الصليب الأحمر، والسفر للبحث عن الأقارب، ومراجعة سلطات الموانئ والأطباء المحليين، وحتى رفع الشكاوى.

ويطالب الناجون وأهالي الضحايا بإجابات، ليس فقط من السلطات اليونانية، ولكن أيضًا من الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس” (Frontex) والمفوضية الأوروبية.




اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post 10,7 % زيادة فى عدد مشتركي الانترنت عن طريق ADSL فى يونيو 2022
Next post كولر يستفسر من الأهلى عن تفاصيل بطولة دورى السوبر الأفريقى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading