نيو دلهي – أسفرت الانتخابات الإقليمية التي جرت بولاية كرناتكا جنوبي الهند، الأربعاء الماضي، عن فوز ساحق لحزب المؤتمر الهندي على حساب حزب بهاراتيا جاناتا، الذي كان يحكم الولاية منذ عام 2019.
وأعلنت اليوم السبت نتائج انتخابات المجلس التشريعي للولاية، حيث فاز حزب المؤتمر بـ136 مقعدا في المجلس المكوّن من 224 مقعدا، وكان يحتاج 113 مقعدا على الأقل لكسب الغالبية التي تؤهله لتشكيل الحكومة القادمة في الولاية. في حين حصل بهاراتيا جاناتا على 64 مقعدا فقط، بعدما كان زعماؤه يتوقعون فوزه بأكثرية المقاعد.
وكانت الاستطلاعات التي أجرتها قنوات وصحف ومراكز بحثية، عقب الاقتراع الأربعاء الماضي، قد أجمعت على أن حزب المؤتمر سيفوز بأكثرية واضحة في هذه الانتخابات، ولكن زعماء بهاراتيا جاناتا سخروا من هذه التوقعات.
مجهود ضخم
جاءت هذه النتائج رغم جهود كبيرة بذلها حزب بهاراتيا جاناتا لكسب هذه الانتخابات في الولاية التي يبلغ تعداد سكانها نحو 61 مليونا. وقد أقام رئيس وزراء الهند نانيدرا مودي بنفسه في الولاية عدة أسابيع قبل التصويت، حيث خاطب 19 اجتماعا عاما وقاد 6 مسيرات انتخابية.
وكلفت هذه الدعاية الانتخابية خزينة الدولة نحو 25 مليون دولار. وكان مودي يعلن في كل اجتماع أن حزبه سيعود إلى السلطة بمقاعد أكثر من ذي قبل.
وتعدّ نتائج هذه الانتخابات الإقليمية مؤشرا لما قد يحدث في الانتخابات الهندية العامة التي ستجرى في مايو/أيار 2024.
رفض سياسة الكراهية
وتعكس نتائج الانتخابات الأخيرة -حسب مراقبين ومحللين- رفضا واضحا لسياسة كراهية المسلمين التي انتهجها حزب بهاراتيا جاناتا وعلى رأسه مودي نفسه.
وعلّق زعيم حزب المؤتمر راهول غاندي قائلا إن النتائج “تؤكد أن شعب كرناتكا يكره سياسة الحقد والكراهية التي يتبعها بهاراتيا جاناتا”. وقال الناطق باسم حزب المؤتمر باوان كهيرا إن “شعب كرناتكا رفض السياسات السلبية التي ينتهجها بهاراتيا جاناتا”.
وكانت هذه الانتخابات أصلا بين 3 أحزاب هي: بهاراتيا جاناتا الحاكم منذ أغسطس/آب 2019، وحزب المؤتمر، وحزب “جاناتا دال” العلماني، وهو حزب محلي يتمتع بالتأييد في جنوب الولاية.
بهاراتيا جاناتا يخسر ولايات الجنوب
تعني خسارة حزب الشعب الهندي فى كرناتكا الكثير، لأنه لم يستطع حتى الآن إحراز موطئ قدم له في ولايات جنوبي الهند بما فيها ولاية كرناتكا، التي اتهم بأنه حكمها بعد الانتخابات السابقة عام 2019 “بشراء ذمم بعض النواب أو بالتحالف مع أحزاب صغيرة” لتكوين حكومته.
واتهمت هذه الحكومة أيضا بأنها أكثر الحكومات الهندية فسادا، وخاصة بعد بيان رسمي لاتحاد مقاولي كرناتكا قبل عام من الآن، جاء فيه أن الحكومة “تتقاضى رشوة بمعدل 40% عن المقاولات الحكومية”.
حيل لاستقطاب الناخبين الهندوس
حاول بهاراتيا جاناتا استقطاب الناخبين الهندوس بمختلف الطرق، ومنها إعلان إلغاء نسبة 4% المخصصة للمسلمين في الوظائف الحكومية والمقاعد الدراسية بالولاية منذ عام 1994، كما أعلن أنه لو أعيد انتخابه فسوف ينفذ القانون الموحد للأحوال الشخصية (أي إلغاء قانون الأحوال الشخصية للمسلمين)، وذكر أيضا أنه سينفذ في الولاية قانون الجنسية لإخراج “الدخلاء”، في إشارة للمسلمين.
وقد سبق لحكومة بهاراتيا جاناتا في ولاية كرناتكا أن أثارت قضية الحجاب لمنع الطالبات المحجبات من الدراسة وأداء الامتحانات وهن مرتديات الحجاب، مما أدى إلى حرمان نحو 100 ألف طالبة مسلمة في الولاية من أداء الامتحانات العام الماضي.
كما شن زعماء الحزب حملات على اللحم الحلال، داعين إلى حظره لأنه -على حد قولهم- يجبر الهندوس على تناول لحم معين مما يفيد التجار المسلمين. وكذلك ظل غلاة الهندوس يثيرون المزاعم بأن المسلمين يمارسون خطة بتمويل أجنبي (خليجي) لاستقطاب الهندوسيات للزواج لزيادة أعداد المسلمين بين السكان، وبالتالي إنشاء حكومة إسلامية في الهند مستقبلا.
كما ظل الحزب يشن الحرب على ذكرى مجاهد الحرية الهندي العظيم تيبو سلطان، الذي كان أول حاكم مسلم جاهد المستعمر الإنجليزي واستشهد وهو يقاتلهم عام 1799، وبعدها فقط استتب الحكم في الهند.
وقد دأب بهاراتيا جاناتا على محو ذكرى هذا الملك باختلاق الأكاذيب بأنه كان عدوا للهندوس، وأنه قد أجبر الهندوس على اعتناق الإسلام بالسيف وهدم معابدهم، حتى إنهم أخذوا يروجون مؤخرا لمقولة أن تيبو سلطان قتل الهندوس وليس الإنجليز، رغم أن وقائع قتله مسجلة بالوثائق والتاريخ.
وقام بهاراتيا جاناتا أيضا بسن قانون لمنع ذبح البقرة في الولاية بحجة أن البقرة مقدسة لدى الهندوس، في حين يسمح بذبحها في ولاية غوا المتاخمة، وهي الأخرى يحكمها بهاراتيا جاناتا.
كما تحاول منظمات هندوسية محسوبة على الحزب الاستيلاء على المساجد والمزارات بادعاء أنها أقيمت على أنقاض معابد هندوسية هدمها المسلمون خلال حكمهم الطويل للمنطقة، وهي دعاوى لا صحة لها، ولكن ترديدها آلاف المرات يسبغ عليها القبول.
ويرى المراقبون أن حكومة بهاراتيا جاناتا في الولاية كانت فاشلة وفاسدة، فلم يكن أمامها إلا اللجوء للاستقطاب على أساس طائفي.
حزب المؤتمر يخرج عن صمته
ولأول مرة منذ سنوات، خرج حزب المؤتمر عن صمته إزاء المنظمات الهندوسية المتطرفة، فأعلن خلال حملته الانتخابية الأخيرة أنه لو فاز وتمكن من الحكم في الولاية فسوف يحظر المليشيا الهندوسية “باجرانغ دال” (أي جيش باجرانغ، وهو الإله القرد الأسطوري)، مما جعل مودي يكرر في خطبه أن حزب المؤتمر يريد سجن الإله القرد باجرانغ!
وقد استفاد حزب المؤتمر هذه المرة من عامليْن مهمين، أحدهما كثرة الحديث عن فساد حكومة بهاراتيا جاناتا.
كما استفاد حزب المؤتمر أيضا من الرحلة الطويلة التي قام بها زعيمه راهول غاندي مشيا من جنوبي الهند إلى شماليها نهاية السنة الماضية، فأحيا اتصال حزبه بالجماهير، وأعاد نوعا من الثقة بينه وبين الشعب.
أثر انتخابات كرناتكا على الانتخابات القادمة
ستجرى قريبا انتخابات في عدة ولايات منها مادهيا براديش، وتشاتيس كره، ونتائجها مع نتائج انتخابات ولاية كرناتكا سوف تكون بوصلة للانتخابات العامة التي ستجرى في مايو/أيار 2024، وهي مهمة جدا واختبار لبهاراتيا جاناتا على مستوى الحكومة المركزية.
فلو اتحدت أحزاب المعارضة وقررت ترشيح مرشح موحد في كل دائرة، فلن يستطيع بهاراتيا جاناتا الفوز. ويرى مراقبون أن فوز حزب المؤتمر في ولاية كرناتكا سيشجع أحزاب المعارضة على التكتل لإلحاق الهزيمة ببهاراتيا جاناتا.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.