عند الحديث عن تلوث الهواء يتبادر إلى الذهن عوادم السيارات، في حين أن منتجات تنظيف زجاج السيارات تضيف نسبة لا يستهان بها من الملوثات إلى الهواء.
عكفت مجموعة بحثية من جامعتي يورك ومانشستر لدراسة سجل يصدر في المملكة المتحدة مختص بتقدير كمية المواد العضوية الطيارة التي تستخدم كمذيبات وتساهم في تلويث الهواء. ويستمد هذا السجل معلوماته من نسب مبيعات المنتجات التي تحتوي على هذه المواد، والتي تعكس كمية الملوثات التي ستطلقها.
الباحثون في هذا السجل لاحظوا وجود مجموعة من المنتجات تندرج تحت بند “منتجات العناية بالسيارات” تتسبب في انبعاثات للمواد العضوية الطيارة أكثر مما يفعل تبخر وقود وسائل النقل، بل وأكثر من العوادم نفسها، فقاموا بإجراء دراسة لتحديد كمية هذه المواد في الهواء فعليا وليس بمجرد الاستناد إلى أرقام المبيعات. نُشرت نتائج الدراسة في دورية “إنفيرومينتال ساينس أند تكنولوجي” (Environmental Science and Technology).
وقد وجد الباحثون أن انبعاثات الكحول الميثيلي والكحول الإيثيلي الموجودين في منظفات زجاج السيارات تبلغ ضعف انبعاثات كل المركبات العضوية الطيارة الناتجة من العوادم، حسب ما نشر موقع “أميركان كيميكال سوسايتي” (ACS).
اعتبارات صحية
وفق منظمة الصحة العالمية، فإن 99% من سكان الأرض يتنفسون هواء ملوثا، يُعزى إليه 4.2 ملايين حالة وفاة سنويا. ووفق المنظمة التابعة للأمم المتحدة، فإن ملوثات الهواء ذات التأثير الضار على الصحة هي الجسيمات العالقة في الهواء (ذات قطر 2.5 ميكروميتر و10 ميكروميترات) والأوزون وثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت وأول أكسيد الكربون والرصاص والهيدروكربونات متعددة الحلقات والفورمالديهايد والرادون. ومعظم هذه الملوثات ينتج من احتراق الوقود الأحفوري.
بالإضافة إلى ما سبق، توجد مجموعة أخرى من المركبات تسمى المواد العضوية الطيارة تساهم في تركيب غاز الأوزون المتواجد في طبقة الغلاف الجوي الملاصقة لسطح الأرض (التروبوسفير). وعلى عكس طبقة الأوزون الموجودة في طبقة الستراتوسفير، فإن الأوزون المتكون على سطح الأرض يساهم في الاحتباس الحراري ويعتبر المكون الأساسي في الضباب الدخاني الذي يلوث هواء المدن وله تأثيرات صحية سلبية.
اعتبارات بيئية
ومع تزايد الوعي بخطورة تلوث الهواء على الكوكب ككل بدأ الاتجاه لاستخدام وسائل نقل أقل إضرارا بالبيئة، كما زادت الجهود الموجهة لدراسة الانبعاثات التي تتسبب فيها وسائل النقل وكذلك التشريعات المنظمة للنسب المسموح بها من كل مادة موجودة في هذه الانبعاثات. وكان الانتقال لاستخدام سيارات تعمل بالكهرباء بدلا من الوقود الأحفوري خطوة مهمة.
لكن لم تكن العوادم هي المصدر الوحيد للتلوث؛ إذ تتسبب أجسام وسائل النقل نفسها في إنتاج كمية لا بأس بها من المواد الضارة مثل الجسيمات الصلبة الناتجة من تآكل الإطارات والمكابح -والتي قد حظت باهتمام كبير وتمحورت حولها دراسات كثيرة- وكذلك المواد العضوية الطيارة، وإن لم تنل نفس الاهتمام. وتتمثل خطورة هذه المصادر في أنها ستظل موجودة حتى مع استخدام السيارات الكهربائية.
وتحتوي المواد العضوية الطيارة على عنصر الكربون وتتسم بأنها سريعة التبخر. وتعتبر مكونا مهما في الآلاف من المنتجات كالدهانات والورنيش ومزيلات الدهانات ومستحضرات التنظيف والتعقيم ومعطرات الجو ومبيدات الآفات ومواد البناء والزخرفة ومستلزمات المكاتب ومستحضرات التجميل وغيرها. وكثير من هذه المركبات تؤثر سلبا على الصحة وتلوث المياه الجوفية.
كيف أجريت الدراسة؟
قاس العلماء كميات مجموعة من المواد العضوية الطيارة في هواء موقع ذي كثافة مرورية عالية وقارنوها بكميات نفس المواد في حديقة داخل حرم جامعة مانشستر حيث الكثافة المرورية لا تذكر.
أظهرت النتائج أن من بين كل المواد العضوية الطيارة التي تم قياسها، كانت كمية الكحول الميثيلي والكحول الإيثيلي الأعلى دائما، وهما موجودان بكثرة في منظفات زجاج السيارات، بل وبلغت كميتهما ضعف كمية كل المواد العضوية الطيارة المنبعثة من العوادم.
ومن شأن هذه النتائج أن تلفت انتباه المختصين إلى أهمية التعامل السريع مع مصدر آخر لتلوث الهواء غير العوادم وبخار الوقود، ووجوب البحث عن وسائل بديلة للعناية بالسيارات لأن هذه الملوثات ستظل موجودة بغض النظر عن نوع الوقود الذي تستخدمه السيارة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.