جوان كاثلين رولينغ روائية ومنتجة أفلام بريطانية، اشتهرت بسلسلة رواية “هاري بوتر” التي عُدت أكثر السلاسل مبيعا عبر التاريخ، واختارت لنفسها اسم “جي كي رولينغ” ليشابه اسمها الأوسط أول حرف من اسم جدتها، بعد اقتراح من دار النشر ليشتهر بسرعة.
تحولت رولينغ من سيدة مطلقة تعيش على إعانة بطالة من الحكومة البريطانية إلى أثرى كُتّاب العالم، وتعيش في قلعة أسكتلندية فاخرة بُنيت في القرن 19، وتزيد مبيعات كتبها على 500 مليون دولار، وتترجم لأكثر من 80 لغة، بما فيها العربية، وتحصّل مكاسب سنوية بمتوسط 100 مليون دولار.
تميل رولينغ في أفكارها السياسية نحو اليسار، حتى أنها تبرعت بمليون جنيه إسترليني لصالح حملة حزب العمال عام 2008، ولها عدة توجهات عرّضتها لحملات انتقادات ضخمة، ومنها عدم دعمها “للمتحولين جنسيا” وآراؤها حول “الهوية الجنسية” والسماح للمتحولين من الرجال بدخول الأماكن المخصصة للنساء.
المولد والنشأة
ولدت جوان كاثلين رولينغ في 31 يوليو/تموز 1965 في المملكة المتحدة لأسرة متوسطة الحال، والدها عمل مهندسا لطائرات “رولز رويس”، واسمه بيتر جيمس رولينغ وأمها آن، ولها شقيقة ولدت بعدها بـ23 شهرا.
قررت أسرتها الانتقال للعيش في وينتربورن، وهناك تلقت تعليمها الابتدائي في مدرسة سانت ميشيل، ثم الثانوية في مدرسة وايديدين.
عاشت طفولتها بين الأرانب وخيالها الواسع، وكانت تقضي يومها في القراءة وتربية الأرانب، ومن شدة تعلقها بها كتبت قصتها الأولى “الأرنب” وهي في السادسة من عمرها.
جدها لأمها يكون لويس فولان الحاصل على وسام صليب الحرب الفرنسي. وتوفيت أمها بعد معاناة طويلة مع المرض استمرت 10 سنوات، ولم تسنح الفرصة لرولينغ بإخبار أمها عن سلسلة روايتها مما ترك أثرا عميقا في نفسها جسدته في سلسلة هاري بوتر بالتفصيل.
الدراسة والتكوين العلمي
بدأت رولينغ الكتابة منذ سن السادسة بقصتها “الأرنب”، ثم كتبت أول رواية لها عندما بلغت 14 عاما بعنوان “الألماسات السبع الملعونة وأصحابها”. وعرفت طوال مرحلة دراستها بمستواها الضعيف وعدم تركيزها لشدة هوسها بالقصص الخيالية.
درست رولينغ الأدب الفرنسي في جامعة إكستر، وقضت عاما من دراستها في باريس، وحتى بعد دخولها الجامعة بقي مستواها الدراسي متدنيا، وكانت تحاول الهرب من أسلوب حياتها الرتيب في القراءة للكتب والقصص الخيالية، مع محاولات بسيطة في الكتابة، لكن كتاباتها بقيت حبيسة الأدراج وكانت قارئها الوحيد.
التجربة الأدبية
عملت رولينغ سكرتيرة مترجمة في “أمنستي إنترناشونال” في لندن عام 1990، فكثرة قراءتها جعلتها تتقن الإنجليزية الأصلية بالإضافة إلى الفرنسية، مع أسلوب كتابتها المميز واهتمامها البليغ بالتراكيب اللغوية والمصطلحات والتعابير.
وفي إحدى رحلاتها من مانشستر بالقطار إلى لندن ارتسمت في ذهنها القصة الخيالية لسلسلة هاري بوتر عن فتى ساحر في مدرسة للسحرة، وقضت رحلتها في تخيل أبعاد تلك القصة لعدم وجود قلم بين يديها.
وفي العام نفسه، انتقلت إلى البرتغال لتعليم اللغة الإنجليزية، وهناك تزوجت من الصحفي البرتغالي خورخي أرانتيس عام 1992، وأنجبت منه ابنة أسمتها جيسيكا، قبل أن تطلق منه عام 1995، لتنتقل للعيش في إدنبرة بأسكتلندا وتعيش قريبة من أختها دايان، ووقتها كانت تكافح لتأمين قوت يومها.
من البداية علمت رولينغ أنها ستكتب الرواية في 7 أجزاء، وأخذ منها العمل على الجزء الأول وحده 5 سنين، خلال ذلك الوقت توفيت والدتها مما ترك في نفسها أثرا بالغا.
عادت رولينغ مجددا للكتابة كي تتجاوز حزنها على فقدان والدتها، ورغم كتابتها الغزيرة كانت تتخلص مما كتبته في درج المكتب أو ينتهي في القمامة.
قضت رولينغ نهارها في العمل صباحا للتدرب لتكون معلمة للغة الفرنسية، وكانت تتفرغ للكتابة ليلا أثناء استماعها لمقطوعات تشايكوفسكي، وتبحث عن الأماكن التي تستطيع ابنتها النوم فيها وقت كتابتها، وبالنسبة لها تلك الفترة التي كانت بها “فاشلة” -على حد قولها- في حياتها سمحت لها بتفريغ طاقتها للتركيز على الكتابة.
كانت جوان حينها في 30 من عمرها وبلا وظيفة وتعيش على إعالات الحكومة، وتقضي كل دقيقة في يومها في كتابة سلسلة هاري بوتر؛ في المنزل وفي المقهى وفي كل مكان.
خلال تلك الفترة الصعبة من حياتها أكملت 3 أجزاء الأولى من الرواية، فحاولت بيعها في دور النشر، لكنها تعرضت للرفض مرارا، ووصفت الرواية “بالسخيفة التي لن يهتم بها أحد”.
وافقت على نشر روايتها إحدى دور النشر، والسبب أن ابنة مالك الدار ذات 8 سنوات قرأت قصة رولينغ وأعجبتها للغاية، فألحّت على والدها بأن يتبناها، حتى وافق على مضض.
كانت هذه القصة التي ألفتها جي كي رولينغ في القطار أول جزء من سلسلة “هاري بوتر” بعنوان “هاري بوتر وحجر الفيلسوف” عام 1997، ونشر منها فقط 1000 نسخة مقابل أجر زهيد لم يتجاوز 1500 جنيه إسترليني حصلت عليه المؤلفة الشابة.
واضطرت لتغيير عنوان كتابها الأول من “حجر الفيلسوف” إلى “حجر الساحر” من أجل نشره في الولايات المتحدة.
تذكر رولينغ أن رد دار النشر التي وافقت على روايتها وطالبتها بإرسال بقية الأجزاء أنها أفضل رسالة تتلقاها في حياتها، وأنها نقطة التحول الكبرى في حياتها.
نقطة التحول
سرعان ما ذاع صيتها وحققت كتبها مبيعات ضخمة عام 1999 في المملكة المتحدة وأميركا، وأصبحت إثر ذلك رمزا عالميا للأدب، خاصة بعدما كسبت أول 3 أجزاء من سلسلتها الشهيرة “هاري بوتر” المراتب الثلاث الأول في قائمة مجلة “نيويورك تايمز” لأفضل الكتب مبيعا.
وفي يوليو/تموز 2000، أصبح الجزء الرابع “هاري بوتر وكأس النار” من سلسلتها أسرع الكتب مبيعا في التاريخ.
وفي التاريخ نفسه، وصلت عائدات أول 3 كتب من سلسلتها إلى 480 مليون دولار خلال 3 سنوات، وطبعت أكثر من 35 مليون نسخة بأكثر من 80 لغة مختلفة، وطبع من الكتاب الرابع 5.3 ملايين نسخة، زيدت بـ1.8 بعدما لم تكف الطبعة الأولى.
ثم تزوجت من طبيب التخدير البريطاني نيل موراي، وأنجبت منه ابنها ديفيد وابنتها ماكينزي.
في يونيو/حزيران 2003، أصدرت رولينغ الجزء الخامس “هاري بوتر وجماعة العنقاء”، ثم لحقته بالجزء السادس “هاري بوتر والأمير الهجين” عام 2005، الذي تجاوزت مبيعاته 6.9 ملايين نسخة في أميركا خلال أول 24 ساعة فقط، فعُدت أكبر افتتاحية كتاب في التاريخ.
تعرّضت كتبها للإحراق من قبل محتجين مسيحيين زاعمين أنها تروّج للسحر.
كان الكتاب السابع “هاري بوتر ومقدسات الموت” من سلسلتها أكثر كتاب حصل على طلبات مسبقة من “أمازون” و”نوبل” وبارنز”، ومع نهاية سلسلتها أنهت رولينغ 17 عاما من رحلة عاشتها مع “هاري بوتر”، من داخل فندق بالمورال في أدنبره.
حُوّلت سلسلة “هاري بوتر” إلى أفلام مع مطلع الألفية، وحققت جميعها عائدات أرباح ضخمة في السينما، وأنتج آخر فيلمين لآخر جزئين عامي 2010 و2011.
من الخيال للواقع
بعدما أنهت رولينغ سلسلة هاري بوتر بدأت العمل على كتب تحت تصنيف “أساطير-فانتازيا”، وأصدرت 5 قصص في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، تبرعت بعائداتها إلى جمعية خيرية.
عام 2012، قررت رولينغ تغيير نمط كتاباتها الذي كان موجها للمراهقين في العوالم الخيالية، وأصدرت كتابا واقعيا للكبار على نمط الكوميديا السوداء، لكنه لم يلق نجاحا كسابقيه.
عام 2013، نشرت رواية “نداء الوقواق” تحت اسم مستعار بهدف الحصول على نقد حقيقي وصادق، ولم تلق الرواية رواجا لكنها في المقابل حصلت على تعليقات إيجابية وتقييم جيد، وما لبثت أن تزايدت مبيعات الكتاب فور الإفصاح عن هوية الكاتب.
كاتبة سيناريوهات أفلام
في العام نفسه، أعلنت رولينغ عودتها “لعالم السحر” وكتابتها سلسلة أفلام “وحوش مذهلة”، وهي سلسلة من المغامرات التي حدثت قبل زمن هاري بوتر، بالتعاون مع شركة “ورنر بروس”، وصدر أول أجزائه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
وكتبت الفيلم الثاني “الوحوش الرائعة: جرائم غريندلفالد” عام 2018، ثم فيلم “الوحوش الرائعة: أسرار دمبلدور” عام 2022.
تهديدات بالقتل
تعرضت رولينغ لتهديدات بالقتل عقب تصريحاتها عن “المتحولين جنسيا”، فقد نشرت مقالا على موقعها الإلكتروني عام 2020 كتبت فيه “عندما تفتح أبواب الحمامات وغرف تغيير الملابس لأي رجل يعتقد أو يشعر بأنه امرأة… تفتح الباب لجميع الرجال الذين يرغبون في الدخول”. وكتبت بيانا مطولا حول أسباب “قلقها من نشاط المتحولين الجدد”.
تلت ذلك الإعلان حملات مقاطعة شرسة لأعمالها الأدبية والفنية من كتب وأفلام وحتى لعبة “هوغورتس ليغاسي”، وقيل عن موقفها إنه “رهاب من المتحولين جنسيا”، حتى أنها تعرضت لانتقاضات من ممثلي سلسلة هاري بوتر، أمثال دانيال رادكليف وروبرت غرينت وإيما واتسون.
وفي 14 سبتمبر/أيلول 2020، أثار كتابها “اضطراب الدم” ضجة عنيفة، لتمثيله محققا يبحث عن قاتل متسلسل متخف في زي امرأة، يهدف إلى مطاردة نساء وقتلهن، فعده بعضهم كتاب كراهية ضد “المتحولين الرجال”.
من جهة أخرى، تلقت رولينغ دعما من الممثل رالف فاينز الذي لعب دور فولدمورت ووصف الإساءة التي تلقتها بأنها “مقززة ومروعة”.
وقالت رولينغ إن تصريحاتها لا تعبّر عن رهاب، وإنها تحترم “حق كل شخص متحول في العيش بأي طريقة تشعره بالراحة”، وإنها تريد أن “يتحرر المتحولون من التمييز وسوء المعاملة”، لكنها لم تتوقف عن التعبير عن معتقداتها حول الموضوع. وقالت “كان هناك أشخاص يأتون إلى منزلي حيث يعيش أولادي بعد نشر عنواني عبر الإنترنت”.
المؤلفات
كتبت رولينغ عددا كبيرا من الكتب، أهمها سلسلة هاري بوتر على 7 أجزاء.
- “هاري بوتر وحجر الفيلسوف” عام 1997.
- “هاري بوتر وحجرة الأسرار” عام 1998.
- “هاري بوتر وسجين أزكابان” عام 1999.
- “هاري بوتر وكأس النار” عام 2000.
- “هاري بوتر وجماعة العنقاء” 2003.
- “هاري بوتر والأمير الهجين” 2005.
- “هاري بوتر ومقدسات الموت” 2007.
وكتبت كتبا أخرى تعلقت بشرح قصص شخصيات داخل سلسلة هاري بوتر من بينها:
- “كويدتش عبر العصور” عام 2001.
- “الوحوش المذهلة وأين تجدها” 2001.
- “حكايات بيدل الشاعر” 2008.
أخذت كتبها بعد ذلك منحنى الجريمة والغموض مستهدفة بذلك العالم الواقعي للكبار، ومنها:
- كتاب الكوميديا السوداء “منصب شاغر” عام 2012.
- “نداء الوقواق” أول رواية من سلسلة “إضراب كورمور” عام 2013.
- “دودة القز” ثاني رواية من سلسلة “إضراب كورمور” عام 2014.
- “مهنة الشر” ثالث رواية من سلسلة “إضراب كورمور” 2015.
- “بيضاء قاتلة” رابع رواية من سلسلة “إضراب كورمور” 2018.
- “الدم المضطرب” خامس رواية من سلسلة “إضراب كورمور” عام 2020.
- “قلب الحبر الأسود” سادس وأطول رواية من سلسلة “إضراب كورمور” عام 2022.
- “القبر الجاري” سابع رواية من سلسلة “إضراب كورمور” عام 2023.
كتب أخرى
- “الإيكابوج” أول قصة خرافية للأطفال بعد سلسلة هاري بوتر عام 2020، أطلقتها مجانا على الإنترنت للترفيه عن الأطفال المحتجزين في المنازل بسبب جائحة كوفيد-19.
الإنجازات
حققت سلسلة هاري بوتر لجي كي رولينغ ثورة كبيرة، وبسببها حصلت على عدة جوائز ومراتب من بينها:
- تجاوزت مبيعات كتابها السادس لسلسلة هاري بوتر 6.9 ملايين نسخة خلال أول 24 ساعة من طرحه في الأسواق.
- حقق كتابها السابع أعلى نسبة طلب مسبق في الأسواق.
- كتبت عنها مجلة “فوربس” بوصفها أول كاتبة تحقق ثروة وتصبح مليونيرة عن طريق كتابة الكتب، واحتلت المرتبة 1062 في قائمتها لأثرياء العالم.
- في نوفمبر/تشرين الثاني 2001، أخرج كريس كولومبس فيلما عن كتابها الأول في السلسلة، وعرض في الأسبوع الأول من توزيعه في 8200 صالة سينما، وحقق عائدات أرباح تجاوزت 93.5 مليون دولار أميركي، محطما الرقم القياسي لحامل اللقب الذي سبقه فيلم “العالم المفقود: الحديقة الجوراسية”.
- في فبراير/شباط 2013، أخذت رولينغ المرتبة 13 في قائمة النساء الأقوى لراديو “بي بي سي فور” في المملكة المتحدة.
- نالت جائزة الكتاب البريطانية.
- حصلت على جائزة أدنبره.
- سميت من بين أيقونات الثقافة البريطانية.
- أطلقت صندوقا خيريا أسمته “فولانت” لدعم المصابين بالتصلب المتعدد من خلال عيادة “آن رولينغ” (على اسم أمها) لطب الأعصاب في أدنبره.
- أسست ورأست جمعية “لوموس” الخيرية الدولية للأطفال التي تناضل من أجل حق كل طفل في الحصول على أسرة من خلال تغيير أنظمة الرعاية حول العالم.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.