تونس- يجد التونسيون أنفسهم اليوم أمام تحديات معيشية صعبة في ظل النقص الحاد ببعض المواد الأساسية كالخبز، وبينما شدد الرئيس التونسي قيس سعيد خلال لقائه وزير الفلاحة على إنهاء أزمة نقص الخبز خلال الساعات القادمة لا تزال الأزمة مستمرة إلى الآن.
وأصبحت هناك مشقة عند شراء الخبز (القوت اليومي للمواطنين) جراء النقص الكبير في مادتي السميد والفرينة، مما أدى إلى تراجع إنتاج الخبز بمختلف أصنافه.
في المقابل، تظهر باستمرار طوابير طويلة أمام أغلب المخابز التي أصبحت تغلق أبوابها بشكل مبكر.
يشق المواطن سمير القماطي طريقه نحو قلب العاصمة -حيث يعرض باعة متجولون على الأرصفة بضاعتهم- إلى السوق المركزي بحثا عن الخبز، لكن الازدحام الشديد للناس أمام بعض باعة الخبز وأمام قلة المعروض دفعه ليعود أدراجه فارغ اليدين.
ويقول القماطي للجزيرة نت إن المسؤولين تعهدوا بحل أزمة الخبز، مقدمين تطمينات بأن هناك مواد أساسية مستوردة ستصل قريبا إلى موانئ تونس، لكن على أرض الواقع لا تزال أغلب المواد الأساسية كالسميد والفرينة والسكر والزيت النباتي وحتى الدواء مفقودة في السوق.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد زار يوم الاثنين الماضي وزارة الفلاحة المسؤولة عبر ديوان الحبوب عن توريد القمح من أجل المطالبة بحل أزمة الخبز في الساعات القادمة، متهما “شبكات إجرامية بالعمل على تجويع الشعب في إطار ترتيبات لتأجيج الأوضاع”.
ودعا سعيد المسؤولين في ديوان الحبوب (الجهة الرسمية المحتكرة لتوريد القمح الصلب واللين في الداخل) إلى تحمل المسؤولية في هذا الظرف، متوعدا بمحاسبة وتطهير الإدارة من موظفين قال إنهم يعملون لمصلحة أطراف سياسية بهدف تجويع الشعب والتنكيل به.
عجز مالي
وتأتي أزمة الخبز في سياق اقتصادي متدهور تعمق منذ ثورة 2011 وطال القدرة الشرائية للمواطنين وزاد نسب البطالة التي بلغت خلال الربع الأول من العام الجاري 16.1%، فيما قفز معدل التضخم إلى 10.1%، حسب المعهد الوطني للإحصائيات.
ولم تتمكن تونس من حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العميقة في البلاد كالبطالة وتدهور البنى التحتية والتضخم، في حين زادت معضلة نقص السلع الاستهلاكية الأساسية -التي يعتمدها التونسيون في حياتهم اليومية- حالة الاستياء لديهم، وسط ضبابية محيرة.
وكانت السلطات التونسية قد أطلقت منذ أشهر حملة كبيرة لمحاربة الاحتكار والمسيطرين على مسالك التوزيع، واحتجزت أطنانا من السلع الاستهلاكية لإعادة ضخها في الأسواق، لكن تكرار فقدان المواد الأساسية جعل البعض يعتقد أن هذا النقص يعود إلى أزمات بنيوية ومالية.
واعتبرت جمعية “أليرت تونس” أن السبب وراء الأزمة في الخبز هو عجز الدولة التونسية على استيراد حاجياتها من القمح، وأرجعت أزمة الخبز في تونس إلى أزمة هيكلية شاملة يشكو منها قطاع الحبوب.
أزمة مستمرة
وعكس التطمينات التي تروج إلى استعادة النسق العادي لتوريد القمح وتجميع محصول هذا العام من القمح لتغطية حاجيات الاستهلاك الوطني من الخبز والعجين فإن الجمعية ترى أن أزمة العرض ستتواصل خلال الأشهر القادمة حين تنتهي خطوط تمويل استيراد القمح اللين.
وطالما عولت تونس خلال الفترات الماضية في ظل أزمة المالية العمومية التي تشكو منها على خطوط تمويل من الاتحاد الأوروبي والبنك الأفريقي للتنمية لشراء وتوريد جزء من حاجياتها من القمح اللين، وتتوقع الجمعية أن تتعقد الأوضاع أكثر إذا توقف هذا التمويل.
كما حذرت من تفاقم الأزمة بسبب ما سمته تغولا لمستثمرين من القطاع الخاص على المطاحن التي تشتري من ديوان الحبوب مادتي القمح الصلب والقمح اللين لتحويلها إلى إنتاج المواد الأولية من فرينة وسميد، لكن المطاحن توجه تلك المواد إلى إنتاج المعكرونة لأنها مربحة أكثر.
وكانت الجمعية قد اتهمت خلال سنة 2022 وزارة التجارة بالتغاضي عن ملف تقسيم حصص القمح الصلب بين المطاحن من قبل ديوان الحبوب، مؤكدة وجود تقسيم غير عادل لا يحترم معايير المنافسة النزيهة ويسمح بهيمنة بعض العائلات التونسية على السوق.
وبخصوص أزمة النقص في بعض المواد الأساسية، يقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي للجزيرة نت إن السبب الرئيسي يتعلق بصعوبات مالية تعاني منها الدولة جراء تراجع الاحتياطي من العملة الصعبة التي تستعملها لإتمام عمليات الشراء من المزودين بالخارج.
وضعية معقدة
ويتوقع الشكندالي أن تستمر أزمة نقص المواد الأساسية مع تراجع احتياطي العملة الصعبة، خاصة في ظل غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي وغلق أبواب التمويل الخارجي.
وكان البنك المركزي التونسي قد كشف عن تراجع احتياطي العملة الأجنبية إلى ما يعادل 95 يوم توريد بتاريخ 20 أبريل/نيسان الماضي مقابل 125 يوما خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
ويقول الشكندالي إن “غياب تونس عن جدول أعمال مجلس إدارة صندوق النقد الدولي لهذا الشهر والغموض المتواصل حول هذا الملف يجعلان الأمور تتعقد أكثر”.
وكان مسؤولون أوروبيون وأميركيون تحدثوا عن حاجة تونس بشكل طارئ لاتفاق مع صندوق النقد الدولي لتفادي انهيار اقتصادي محتمل، لكن الرئيس قيس سعيد أعلن صراحة رفضه إبرام اتفاق مع الصندوق مقابل إلغاء الدعم الحكومي على المواد الأساسية.
ويعتقد خبراء اقتصاد أن حصول تونس على القرض المتفق عليه مع الصندوق بقيمة 1.9 مليار دولار على 4 سنوات لن يفي بمتطلبات الدولة، لكنه سيتيح الفرصة أمام تونس للاقتراض الخارجي وإبرام اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف مع مؤسسات مانحة أخرى.
وتحتاج تونس العام الجاري -وفق تقديرات موازنة 2023- إلى قروض إضافية تقدر بنحو 25 مليار دينار (8 مليارات دولار)، منها نحو 15 مليار دينار (4.8 مليارات دولار) قروض خارجية بالعملة الصعبة، لتمويل نفقاتها ووارداتها وتسديد ديونها بالعملة الأجنبية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.