مراسلو الجزيرة نت
طهران- تُطبق طهران سياسة تقييد استخدام خدمة الإنترنت تارة وقطعها تارة أخرى لمواجهة التحديات التي تقول إنها تستهدف أمنها القومي، ويتراجع معها الترتيب العالمي لإيران في مجال سرعة الإنترنت.
فبعد التحسّن النسبي الذي شهدته سرعة الإنترنت في إيران حتى العام الماضي، شكّلت الاحتجاجات التي اندلعت في أعقاب وفاة الشابة مهسا أميني بعد احتجازها من قبل شرطة الأخلاق في سبتمبر/أيلول الماضي منعطفا في حجب منصات التواصل وفرض القيود على الشبكة العالمية للمعلومات، الأمر الذي دفع نسبة كبيرة جدا من الإيرانيين إلى استخدام برامج فك التشفير “في بي إن” (VPN).
وتشير أحدث البيانات -التي نشرها موقع “سبيد تيست” (speedtest) العالمي في مايو/أيار 2023- إلى تراجع معدّل سرعة الإنترنت الثابت في إيران نقطة واحدة، وعبر الهواتف المحمولة بواقع نقطتين، مقارنة مع التقرير السابق، ليحل هذا البلد في المرتبة 146 عالميا من حيث سرعات الاتصال بالإنترنت الثابت، والمركز 46 في سرعة الإنترنت عبر الهاتف المحمول.
لغز الجدوى
وأثار التقرير الجديد تساؤلات بشأن جدوى سياسة تقييد الإنترنت في ضوء الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الإيراني، وعودة نسبة كبيرة من المتصفحين الإيرانيين إلى منصات التواصل العالمية عبر شراء برمجيات فك التشفير، وذلك رغم القرار القضائي بتجريم بائعي برامج تخطي الحجب.
من ناحيته، يرى الباحث الإيراني بالشؤون التقنية بوريا آستركي أن الهدف الأساس من تقييد الإنترنت هو إخماد الاحتجاجات التي تشهدها البلاد بين الفينة والأخرى، واصفا سياسة حجب المنصات الاجتماعية الأجنبية بأنها “فاشلة” لأنها لم تحقق أيا من الأهداف التي أعلنتها السلطات، ولم تمنع المستخدمين من الوصول إلى المحتوى غير المرغوب لديهم.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح آستركي أن بلاده قامت بفرض قيود على استخدام الإنترنت ومنصات التواصل العالمية لحثها على التعاون مع طهران والالتزام بقوانينها، مضيفا أنه بالرغم من مضي أكثر من عقد على حجب منصة فيسبوك إبان احتجاجات “الحركة الخضراء” على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 ثم حجب تطبيقي تليغرام وتويتر عام 2019 وواتساب وإنستغرام عام 2022، فإن هذه المنصات والشركات الأخرى لم تقبل حتى الآن بشروط السلطات الإيرانية.
نتائج طبيعية
واعتبر الباحث الإيراني تراجع السرعة ورداءة الجودة وارتفاع أسعار باقات الإنترنت، إلى جانب إقبال المواطنين على استخدام برامج تخطّي الحجب، نتائج طبيعية لتقييد الشبكة العالمية، مؤكدا أن هذه المشاكل ساهمت في تفاقم ظاهرة الهجرة من إيران.
وأضاف أن القانون الإيراني يغرّم بيع برامج فك التشفير أو الترويج لها على غرار عمليات قرصنة الإنترنت، مستدركا أن السلطات لم تقدم بشكل عملي على تغريم مستخدمي هذه البرامج بسبب أعدادهم الكبيرة جدا.
وكانت صحيفة “دنياي اقتصاد” الناطقة بالفارسية أفادت نقلا عن موقع “كلود فلير” أن 89.2% من المستخدمين الإيرانيين يستعملون برامج فك التشفير لفتح منصات التواصل الأجنبية والصفحات المحظورة.
ولعل أهم أسباب انقطاع الإنترنت وتراجع الجودة والسرعة بإيران، وفق آستركي، يعود لتطبيق السلطات مشروع “حماية حقوق المستخدمين في الفضاء الافتراضي” بشكل غير رسمي، بالرغم من عدم المصادقة عليه في البرلمان، موضحا أن النتائج المترتبة على مشروع القانون هذا لا تختلف عن سياسة تقييد الإنترنت.
تخطّي الحجب
كما أظهرت نتائج استطلاعات الرأي التي أجراها مركز إيسبا الإيراني أن 78.5% من المواطنين يستخدمون إحدى منصات التواصل على أقل تقدير، بينما تبلغ هذه النسبة لدى فئة الشباب (18-29 عاما) إلى 97%.
من جانبها، تقول الباحثة بالشؤون التقنية هدية سعيدي إن سياسة تقييد استخدام الإنترنت تأتي في سياق التطلعات لتدشين “شبكة المعلومات الوطنية” مضيفة “مشروع الإنترنت الوطني سيمكّن الأجهزة المعنية من مراقبة المستخدمين ومنع المجموعات التي تدعو إلى تجمعات مناوئة للسلطة”.
وفي حديثها للجزيرة نت، اعتبرت الباحثة أن إطلاق “شبكة المعلومات الوطنية” محفوف بالتحديات في ظل توجه المستخدمين إلى الإنترنت الفضائي وتفعيل أقمار “ستارلينك” التابعة لشركة “سبيس إكس” (SpaceX) فوق إيران.
واعتبرت أن القيود المفروضة على استخدام الإنترنت فشلت في الحيلولة دون وصول المجتمع الإيراني لمنصات التواصل الأجنبية، مشيرة إلى أن العديد من المسؤولين الإيرانيين أنفسهم يستخدمون برامج تخطي الحجب لتحديث حساباتهم على تويتر وإنستغرام، مما يؤكد فشل سياسة تقييد الإنترنت، مستغربة من إصرار طهران على مواصلة هذه السياسة.
تجارة رابحة
وتابعت سعيدي أن الحظر على منصات التواصل حوّل إنتاج وبيع برامج فك التشفير إلى تجارة تدر أرباحا تقدر بالمليارات على “المافيا” التي تقف وراءها، مستدركة أن استخدام هذه البرمجيات يعرقل سرعة الإنترنت وجودتها ناهيك عن أنه يتيح للأطفال واليافعين الوصول إلى المواقع غير المناسبة لهذه الشريحة.
وكان النائب معين الدين سعيدي قد قدّر، في حديث لوكالة أنباء “جماران” الإيرانية، أرباح تجارة برامج تخطي الحجب بنحو 500 تريليون ريال (الدولار يوازي 500 ألف ريال) واصفا المبلغ بأنه “كارثة” في ضوء تعطيل النشاطات الاقتصادية التي تعتمد على منصات التواصل في تقديم الخدمات وتسويق البضائع، مطالبا بإلغاء القيود على الإنترنت.
وينشر الإعلام الإيراني شائعات بين الفينة والأخرى عن “تورّط” بعض الجهات المحسوبة على الحكومة في تقديم خدمات فك التشفير والتحايل على القيود المفروضة على الشبكة العنكبوتية، إلا أن السلطات الرسمية دأبت على نفي صحة هذه الشائعات جملة وتفصيلا.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.