ثمة مؤشرات وتقارير عديدة حول احتمالات تطبيع العلاقات بين مصر وإيران. ويبدو أن الطرفين يسعيان إلى إصلاح واستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما والتي عانت من الجمود والتوتر طيلة العقود الأربعة الماضية. وعلى ما يبدو فإن الاختراق الذي تحقق من خلال استئناف العلاقات بين السعودية وإيران في مارس/آذار الماضي قد شجع الطرفان المصري والإيراني على القيام بخطوة مشابهة قد تؤدي إلى تطبيع العلاقات بينهما قريبا.
وحقيقة الأمر فإن مسار تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران بدأ قبل حوالي عامين من خلال لقاءات وجولات متقطعة من اللقاءات والمحادثات بين الطرفين. وبحسب بعض التقارير الإخبارية فقد زار وفد استخباراتي إيراني القاهرة في يوليو/تموز 2021 ودخل في مباحثات مع نظرائه المصريين بجهاز المخابرات العامة.
وكان الهدف الأساسي من هذه المحادثات هو استكشاف إمكانيات تحسين العلاقات الثنائية ووضع إستراتيجيات تهدف إلى منع أي سوء تفاهم أو اشتباكات محتملة تتعلق بالقضايا الإقليمية. كما أعقب المحادثات بعض إجراءات بناء الثقة من كلا الجانبين، مثل الامتناع عن الانخراط في خطاب سياسي أو إعلامي “عدواني” وتجنب أي أعمال من شأنها أن تزعج أيا من الطرفين.
وعلاوة على ذلك، عقد اجتماع أمني خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى عمان في يونيو/حزيران 2022، حيث اجتمع مسؤولون مصريون وإيرانيون على هامش الزيارة. ولحق هذا الاجتماع اجتماع آخر غير مُعلن عنه بالقاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 شارك فيه مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، وعلي سلاجقة نائب الرئيس الإيراني الذي شارك في قمة المناخ “سي أو بي 27” (COP27) التي عقدت بشرم الشيخ في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 والتقى وزير الخارجية المصري سامح شكري.
استعادة العلاقات مع مصر وتطبيعها سيحبط جهود العزلة التي تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل فرضها على إيران، حيث تعمل تل أبيب بنشاط على إنشاء تحالف إقليمي لمواجهة طهران
ولكن الدَفعة الحقيقة للحوار بين مصر وإيران جاءت قبل عام تقريبا، وذلك من خلال وساطة عمانية مصحوبة بجهود عراقية من أجل تقريب العلاقة بين البلدين. وحسب بعض التقارير فإنه منذ مارس/آذار الماضي عُقدت عدة جلسات بين مسؤولين مصريين وإيرانيين في بغداد من أجل تعزيز العلاقات الثنائية بينهما. علاوة على ذلك فقد أعرب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، عن تفاؤله بشأن آفاق تحسين العلاقات مع مصر، وشدد على أهمية اتخاذ البلدين إجراءات متبادلة لتعزيز العلاقات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن ثمة أحاديث حول احتمال عقد اجتماع بين السيسي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وهو ما يؤشر على أن المناقشات بين القاهرة وطهران قد أحرزت تقدمًا كبيرًا. إضافة إلى هذه التطورات الإيجابية، فقد رحب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في 29 مايو/أيار بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر خلال لقائه مع سلطان عمان في طهران الأسبوع الماضي.
ولكل من مصر وإيران أسبابهما الخاصة في الرغبة في تحسين العلاقات الثنائية. بالنسبة للقاهرة، فإن السعي إلى تحسين العلاقات مع طهران له أهمية كبيرة، حيث يمكن أن يحقق العديد من المصالح الحيوية لمصر لعل أهمها حماية الممر المائي الحيوي لقناة السويس وضمان المرور الآمن للسفن عبر مضيق باب المندب، الذي تأثر بالصراع في اليمن.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى القاهرة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والإستراتيجي مع طهران في مختلف القضايا الملحة، بما في ذلك تلك المتعلقة بسوريا والعراق واليمن وفلسطين. وعلى سبيل المثال، فإن رغبة مصر في تخفيف حدة التوترات في قطاع غزة تمثل دافعاً مهما للسعي إلى علاقات أوثق مع طهران نظرًا لعلاقات إيران الوثيقة مع العديد من فصائل المقاومة الفلسطينية، ولا سيما حماس والجهاد الإسلامي. وتحرص القاهرة على الحفاظ على الاستقرار في القطاع وتجنب التصعيد العسكري مع إسرائيل. علاوة على ذلك، تلعب مصر دورًا حاسمًا في عملية المصالحة الفلسطينية، الأمر الذي يتطلب التواصل مع إيران التي تدعم بعض الفصائل الفلسطينية.
وكذلك يعد تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري بين مصر وإيران بعداً مهماً آخر فيما يخص تطبيع العلاقات بين البلدين خاصا وأن مصر تواجه أزمة اقتصادية حادة تتميز بارتفاع معدلات التضخم والدين الخارجي.
والأكثر من ذلك أن استعادة العلاقات بين القاهرة وطهران من شأنه أن يسهل تدفق السياح الإيرانيين إلى مصر، مما قد يسهم بالعملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها للبلاد. علاوة على ذلك، ستستفيد مصر بشكل كبير من توسيع صادراتها من البضائع إلى السوق الإيرانية.
في المقابل فإن لطهران عدة مصالح وفوائد كبيرة من تطبيع العلاقات مع القاهرة:
- من جهة أولى، فإن استعادة العلاقات مع مصر وتطبيعها سيحبط جهود العزلة التي تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل فرضها على إيران. حيث تعمل تل أبيب بنشاط على إنشاء تحالف إقليمي لمواجهة طهران، وربما شن ضربات عسكرية على منشآتها النووية. وبالتالي، فإن التقارب بين مصر وإيران يشكل تحديا كبيرا لهذه الجهود الإسرائيلية.
- من جهة ثانية، فإن تحسين العلاقات مع مصر سيعزز الوجود الإقليمي لإيران، ويصون مصالحها الإستراتيجية في المنطقة العربية، خاصة إذا تعمقت العلاقات بين القاهرة وطهران. كما ستساهم في الحد من التوترات الإيرانية مع دول الخليج العربي حيث تحتل مصر موقعًا مهماً كحليف لهذه الدول.
- علاوة على ذلك، فإن إقامة علاقة طبيعية مع مصر من شأنه أن يمهد الطريق لتعزيز التعاون الاقتصادي والوصول إلى السوق المصري الواسع، مما يوفر إمكانات كبيرة للمنتجات الإيرانية. وهذا بدوره سيؤدي إلى زيادة العائدات المالية لطهران ويساعد في التخفيف من أزمتها الاقتصادية.
ومع ذلك، فإن عملية تطبيع العلاقات بين مصر وإيران تواجه عدة تحديات:
- أولاً، تتخذ مصر موقفًا حذرًا تجاه دور إيران الإقليمي ونفوذها، معتبرة إياها تهديدًا محتملاً لمصالحها الإقليمية. وعلى الرغم من مشاكلها الاقتصادية وتراجع دورها الإستراتيجي، فإن مصر لا تزال تطمح إلى الحفاظ على وضعها كقوة إقليمية، مما قد يؤدي إلى توترات مع الجهات الإقليمية الفاعلة الأخرى، لا سيما إيران وتركيا.
- وعلاوة على ذلك، قد تعيق العلاقات الإستراتيجية لمصر، مع الولايات المتحدة، قدرتها على تطوير علاقات قوية مع إيران، بالنظر إلى أن طهران لا تزال خصمًا قويًا لواشنطن.
ولعل التغلب على هذه العقبات بنجاح يتطلب دبلوماسية دقيقة وإدارة حكيمة لمختلف المصالح المتنافسة، على الصعيدين الإقليمي والدولي.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.