القدس المحتلة- أجمع باحثون بالشأن الإسرائيلي أن تسريب حكومة بنيامين نتنياهو خبر اللقاء -الذي جمع وزير الخارجية إيلي كوهين بنظيرته الليبية نجلاء المنقوش- هدف إلى تحقيق مكاسب سياسية وتصدير الأزمات الداخلية التي تعصف بإسرائيل في ظل تصاعد الاحتجاجات الرافضة للتعديلات القضائية.
واتفقوا على أن تسريب اللقاءات -التي تجمع وفود إسرائيلية بمسؤولين عرب ومسلمين- تضر بمسار التطبيع مع الدول العربية الذي تقوده إدارة الرئيس الأميركي جو بادين، كما أنه لا يخدم سوى مصلحة شخصية وسياسية لنتنياهو.
ووفقا للمحللين، فإن لقاءات من هذا القبيل -لوفود دبلوماسية إسرائيلية مع شخصيات من دول عربية لا تربطها علاقات دبلوماسية بتل أبيب- جرت تحت مظلة من الكتمان والسرية، وبشكل عام تم الإشراف عليها من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وتحديدا الموساد، والخارجية كانت إطارا ليس إلا.
وعن أسباب ودوافع مثل هذه اللقاءات، تجمع التقديرات الإسرائيلية على أن الدول والأنظمة والحكومات العربية تعتقد أن البوابة إلى واشنطن تبدأ من تل أبيب، حتى وإن شهدت العلاقات بين البيت الأبيض ورئيس الوزراء الإسرائيلي فتورا.
وعزت التقديرات الإسرائيلية صحة هذا الاعتقاد إلى نهج الإدارات الأميركية المتعاقبة، التي رحبت وشجعت التقارب العربي الإسرائيلي، وذلك لتعزيز حلف ونفوذ واشنطن بالمنطقة، بمعزل عما ما يحدث على المسار الفلسطيني.
صراعات وتوترات
في تقدير موقف بعنوان “هرول كوهين ليخبر الأصدقاء ودمر عقودا من العمل الدبلوماسي” للباحث المختص بشؤون الأمن والاستخبارات، يوسي ميلمان، يشير إلى أنه منذ أكثر من عقد من الزمن، منذ سقوط نظام معمر القذافي، يجري ممثلون رسميون لإسرائيل من الموساد والاستخبارات والمهام الخاصة والخارجية اتصالات سرية مع الحكومتين الموجودتين في ليبيا.
والآن، يقول ميلمان في صحيفة هآرتس “مع الكلام الفارغ وانبعاث لوحة المفاتيح لوزير الخارجية كوهين، والمدير العام لمكتبه رونان ليفي، بهذا التسريب، فإن كل هذا الاستثمار الكبير يمكن أن يذهب هباء الرياح”.
وأوضح أن هذه التسريب يعكس التوترات بين جهاز المخابرات (الموساد) والخارجية، مشيرا إلى أنه منذ تولي نتنياهو الحكم قبل 8 أشهر وتنصيب كوهين في الخارجية، ظهرت ملامح التوتر بين الأخير والأجهزة الأمنية في كل ما يتعلق بكواليس الاتصالات مع دول عربية وإسلامية.
وأضاف الباحث الإسرائيلي أن هذه التوتر انعكس بإقدام كوهين على إدارة سير الاتصالات الدبلوماسية والسياسية مع الدول العربية والإسلامية، بعيدا عن دور الموساد وسير الاتصالات الاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية، وهو التوجه الذي لم يعجب رئيس الموساد دافيد برنياع.
“وفي مكتب وزير الخارجية” -يقول ميلمان- إنه تم “وضع قائمة بأسماء الدول العربية والإسلامية ودول في آسيا وأفريقيا كان من المفترض أن تكون هدفا لسياسة كوهين، بما في ذلك السودان والصومال والنيجر ومالي وجزر القمر وجزر المالديف والسعودية وليبيا. وحتى الآن، لم تقم أي منها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل”.
تداعيات وإسقاطات
في قراءة للمعاني والدلالات للتسريب بشأن اللقاء الذي جمع كوهين والمنقوش، أوضح الإعلامي الإسرائيلي يواف شطيرن، المتخصص بالشؤون العربية والفلسطينية، أن “هذا التسريب الدبلوماسي يعكس نهج حكومات نتنياهو لتحقيق مكاسب سياسية داخلية”.
وأشار شطيرن -في حديث للجزيرة نت- إلى أن حكومة نتنياهو تعمدت نشر لقاء إيطاليا بغض النظر عن قيمة وأهمية الفحوى والمضامين والمواضيع التي نوقشت، بحيث إن أهمية الموضوع بالنسبة لنتنياهو هي النشر، دون الأخذ بعين الاعتبار التداعيات الإسقاطات على الطرف الليبي.
ويعتقد أن حكومة نتنياهو -التي تواجه تحديات وأزمات داخلية- وظفت هذا اللقاء، وكل حديث عن إمكانية التطبيع مع دول عربية وإسلامية ومن ضمنها السعودية، كطوق نجاه لتحقيق مكاسب توظف بالحملات الانتخابية والخطاب السياسي الإسرائيلي العام، حتى وإن لم يكن لمثل هذه اللقاءات أو الاتصالات أي أثر إيجابي لمسار التطبيع في المستقبل.
بلبلة وإرباك
ورأى شطيرن أن “النشر في الحالة الليبية بمثابة خطأ دبلوماسي فادح، فهذا التسريب خلق حالة بلبلة وأربك الحكومة الليبية التي تعلمت درسا قاسيا، مفاده أن أي لقاء مستقبلي مع أي مسؤول إسرائيلي بمثابة سيف ذي حدين”.
ورجح الصحافي الإسرائيلي أن “ما حدث في الحالة الليبية سيكون رادعا للأنظمة العربية وللمسؤولين العرب، حيث سيكون عليهم التفكير جيدا قبل أي لقاء بمسؤول بحكومة نتنياهو من أجل التطبيع” مشيرا إلى أن دعم البيت الأبيض للتقارب العربي الإسرائيلي يؤكد أن “التطبيع مصلحة أميركية قبل أن تكون إسرائيلية”.
ورغم أن لقاء كوهين المنقوش اقتصر على ساعة فقط دون الكشف عن مضمونه وتفاصيله، بيد أن شطيرن يعتقد أنه لم يكن عفويا، مستذكرا ما تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن زيارات لوفود أمنية وعسكرية ليبية إلى تل أبيب عقب سقوط نظام القذافي.
تشكيك وتقليل
ومن جانب آخر، يرى الباحث بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن الخارجية الإسرائيلية وديوان رئيس الوزراء تعمدا تسريب هذا اللقاء ليكون رافعة لحكومة نتنياهو للهروب إلى الأمام.
وأكد الباحث أن هدف النشر والترويج لهذا اللقاء يهدف إلى تخطي الأزمات الداخلية للحكومة، والتقليل من تداعيات الاحتجاجات التي وضعت إسرائيل قبالة أزمة دستورية غير مسبوقة.
وشكك -في حديثه للجزيرة نت- بالرواية الإسرائيلية، وقلل من احتمالات أن يكون لقاء كوهين المنقوش مخططا له، ويعتقد أنه كان عفويا أسوة بالكثير من اللقاءات التي تجرى على هامش المؤتمرات، مستذكرا أن حكومات إسرائيل دائما ما كانت توظف مثل هذه اللقاءات العفوية والترويج لها، والزعم بتحقيق إنجازات دبلوماسية أو أمنية.
أهداف ومكاسب
ويعتقد الباحث أن هذا التسريب ترك أبعادا سلبية على الدبلوماسية الإسرائيلية، مشيرا إلى أن التحليلات والتقديرات الإسرائيلية حملت كوهين مسؤولية ما حدث، ووجهت له انتقادات شديدة اللهجة، وأجمعت على أن التسريب هدفه تحقيق مكاسب سياسية داخلية حتى وإن كان على حساب الدبلوماسية الإسرائيلية والتطبيع.
وأوضح شلحت أن هذا التسريب وما تسبب من تداعيات في ليبيا خلف حالة من الردع لدى المسؤولين بالحكومات العربية الذين سيفكرون مليا، وسيعيدون النظر بأي مقترح للقاء سري وعابر قد يجمعهم مع أي مسؤول إسرائيلي مستقبلا.
وقد تكشف للجميع، وفق الباحث بالشأن الإسرائيلي أن “حكومة نتنياهو سخرت تسريب اللقاء بين كوهين والمنقوش لأهداف داخلية، وهو ما سيترك تداعيات سلبية على قطار التطبيع الذي تقوده إدارة الرئيس الأميركي” بايدن.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.