اكتشف فريق بحثي دولي شبكة واسعة من الجدران الحجرية على طول نهر النيل في مصر والسودان وصفوها بأنها أشبه بـ”مصدات أمواج نهرية”، وتكشف عن شكل طويل العمر بشكل استثنائي للهندسة الهيدروليكية في وادي النيل، كما تسلط الضوء على الروابط بين النوبة القديمة ومصر.
ووفقا للدراسة المنشورة في دورية “جيوأركيولوجي” (Geoarchaeology)، فإنه عبر امتداد ألف كيلومتر من نهر النيل، من الجندل الأول في جنوب مصر إلى الشلال الرابع في السودان، توجد عدة مئات من تلك الهياكل الحجرية البلورية داخل القنوات النشطة، في السهول الفيضية التي تغمرها المياه موسميا. وتعمل تلك الجدران كهياكل للتحكم في الفيضانات والتدفق، وهي من النوع الذي يشيع استخدامه الآن في جميع أنحاء العالم.
هندسة مائية طويلة المدى
منذ أوائل القرن التاسع عشر، سجل الباحثون بناء بعض الهياكل الحجرية في وادي النيل بهدف التقاط طمي النيل الغني بالمخصبات، لاستخدامه في أغراض الزراعة، لكنّ الباحثين وجدوا أن بعض الهياكل قديمة جدا وتعود لعصور ما قبل إنشاء السدود والقناطر.
وباستخدام مزيج من بيانات الأقمار الصناعية والمسوحات التي قامت بها الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى تحليلات كيميائية، تأكد للباحثين أنهم بصدد الكشف عن نظم هندسية هيدروليكية غير مسبوقة تعود لآلاف السنين، وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع جامعة أستراليا الغربية (University of Western Australia) يوم 13 يونيو/حزيران الجاري.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة ماثيو دالتون -وهو باحث في جامعة أستراليا الغربية- إن مجاري نهر النيل في السودان كانت لها قنوات متعددة في وقت سابق من عصر الهولوسين، وجف كثير منها عندما انخفض تدفق الأنهار بسبب تغير المناخ.
وأضاف دالتون -في تصريح للجزيرة نت- أن الفريق البحثي تمكن من إثبات أن عديدا من تلك القنوات القديمة تم بناؤها منذ نحو 3 آلاف عام، وفقا لما تكشف عنه الخرائط التاريخية والأدلة على المجرى التاريخي لنهر النيل. وخلصوا إلى أن تلك الهياكل حاصرت الطمي الخصب خلال موسم فيضان النيل.
النوبيون فعلوها أولا
تشير الأدلة التي قدمتها الدراسة إلى أن النوبيين القدماء هم أول من أبدع تلك التصميمات الهندسية المائية، وبعد ذلك اختار المصريون القدماء أن يطبقوها.
يقول دالتون “من خلال التحدث مع المزارعين في النوبة السودانية، علمنا أيضا أن هذه الهياكل استمر بناؤها حتى سبعينيات القرن الماضي، وأن الأرض التي تكونت من تراكم الطمي بين بعض الجدران لا تزال مزروعة حتى اليوم. وقد لعبت تلك التقنية الهيدروليكية الطويلة العمر بشكل لا يُصدّق دورا مهما في تمكين المجتمعات من زراعة الغذاء والازدهار في المساحات الطبيعية الصعبة في النوبة لأكثر من 3 آلاف عام”.
ويوضح الباحث أن تلك الهياكل لم تكن بالشكل نفسه الذي انتهت إليه في سبعينيات القرن الماضي، حيث كانت الجدران الحجرية القديمة أكبر بكثير ووصل سمكها إلى 5 أمتار، وكانت وظيفتها الأساسية توجيه تدفق النهر وتسهيل الملاحة بالقوارب عبر منحدرات النيل، ولم تكن الحجران القديمة مصممة بالأساس لجمع الطمي.
ويضيف دالتون “إنه ليس مجرد جدار أو جدارين متناثرين، نحن نتحدث عن ألف كيلومتر، إذ تم مد هذا النظام المائي بعناية. في الواقع، يمكن أن تكون هذه الهياكل أحد الأبطال المجهولين الذين مكنوا الحضارات على طول وادي النيل من الازدهار، وربط الشعوب القديمة من المصريين والنوبيين معا”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.