تجارة بمليارات الدولارات.. لماذا يُعدّ العلاج بالأعشاب مجرد خرافة؟


|

علاج آلام الظهر والمفاصل وخشونة الركبة، فقدان الوزن الزائد بلا جهد يُذكر وخلال فترة زمنية قصيرة، محاربة أمراض الضغط والسكر والتهاب الكبد والتخلص منها، ما سبق هو بعض الوعود التي يُطلقها مروّجو العلاج بالأعشاب ومسوقوه. سواء أكنت تشاهد التلفاز أو تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، فمؤكد أنك تعرضت لهذا النوع من الإعلانات الذي يَعِد بحل “مختلف” لجميع مشكلاتك الصحية من خلال تناول حبة واحدة من نوع ما من الأعشاب الدوائية. فهل الأعشاب الدوائية فعالة في علاج الأمراض حقا، أم أن هذا النوع من العلاج هو مجرد خرافة طبية أخرى؟

تجارة بمليارات الدولارات

(شترستوك)

في السنوات الأخيرة، تحوّل العلاج بالأعشاب أو المكملات التي تحتوي عليها إلى تجارة كبيرة ومزدهرة. في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، تشكل هذه المكملات، سواء أكانت على شكل حبوب أو كبسولات أو مساحيق، 5% من جميع مبيعات البقالة، مع هوامش ربح أعلى بنحو 10 أضعاف من المنتجات الغذائية الأخرى(1). وفقا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في عام 2013، ينفق الأميركيون فقط ما يُقدّر بنحو 5 مليارات دولار سنويا على المكملات العشبية غير المثبتة علميا بدرجة كافية، والتي تَعِد بكل شيء، بدءا من محاربة نزلات البرد، مرورا بمعالجة الأمراض المزمنة، ووصولا إلى الوعد بتقوية الذاكرة وتعزيز القدرات الذهنية(2).

يوضح المركز الوطني الأميركي لمعلومات التكنولوجيا الحيوية أن السنوات الأخيرة شهدت اهتماما متزايدا بالنباتات الطبية، بالإضافة إلى الاستخدام العلاجي للمواد الكيميائية النباتية. (بيكسابي)

يشير تقرير الصحيفة الأميركية أيضا إلى أن صناعة الأعشاب والمكملات الطبية أصبحت نطاقا سريع النمو ضمن ما يعرف بـ”الطب البديل”، شملت هذه الصناعة في عام 2013 ما يُقدّر بنحو 29 ألف نوع من المنتجات والمواد العشبية التي تباع في مختلف أنحاء أميركا الشمالية(2). ووفقا لجيمس جونسون، كبير محللي السوق في “Nutrition Business Journal”، فإن معظم الأميركيين، الذين يأملون في تحسين صحتهم، يتوقعون من هذه المنتجات أن تمكنهم من تحقيق هذا الهدف، ولذلك فهم يخصصون جزءا من دخلهم لشرائها(1).

في السياق ذاته، يوضح المركز الوطني الأميركي لمعلومات التكنولوجيا الحيوية أن السنوات الأخيرة شهدت اهتماما متزايدا بالنباتات الطبية، بالإضافة إلى الاستخدام العلاجي للمواد الكيميائية النباتية. وفقا لبيانات التصدير العالمية لسنة 2014، بلغ حجم تجارة مواد النباتات الطبية ومنتجاتها المشتقة ذات الصلة، بما في ذلك المستخلصات والزيوت الأساسية والمستحضرات الصيدلانية النباتية والصمغ والتوابل المستخدمة في الطب ومكونات مستحضرات التجميل، نحو 33 مليار دولار أميركي(3)(4).

تشير هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة إلى أن الأدلة على فعالية الأدوية العشبية بشكل عام محدودة للغاية. (شترستوك)

يستخدم الناس الأدوية العشبية منذ آلاف السنين. تشمل مزايا هذا النوع من العلاجات التوافر الجيد، والملاءمة للجوانب الثقافية المحلية، والتوافق مع التفضيلات الفردية(5). لكن المشكلة الأساسية تكمن في أنه، على الرغم من شعبية الأدوية التقليدية بشكل عام والأعشاب بشكل خاص، لا يزال هناك الكثير من الالتباس وعدم اليقين حول مدى فاعليتها(6).

هل المكملات العشبية فعالة حقا؟

تشير هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة إلى أن الأدلة على فعالية الأدوية العشبية بشكل عام محدودة للغاية، تضيف الهيئة أن استخدام المستهلكين لمثل هذه الأدوية في كثير من الحالات يستند إلى المعتقدات الشعبية أكثر من الاعتماد على الأدلة والبحث العلمي.

خلال كتابه “101 أسطورة حول طب الأعشاب”، يوضح المؤلف “روبرت ديل روجرز” أنه من المُلاحَظ، رغم كون العلاج بالأعشاب قد حظي مؤخرا بالكثير من الانتشار والشعبية، تكرار الأساطير والمغالطات وأنصاف الحقائق التي يرددها كثيرون حول فوائد الأعشاب. يشرح “روجرز” أن وسائل التواصل الاجتماعي أساءت تقديم وشرح الكيفية التي تعمل بها المنتجات الطبيعية، مضيفا أنه غالبا ما ينقل المعلنون والأشخاص غير المختصين أنصاف الحقائق دون فهم الصورة كاملة(7)(8).

كتاب “101 أسطورة حول طب الأعشاب”، للمؤلف “روبرت ديل روجرز”. (مواقع التواصل)

تؤكد توصيات معاهد الصحة الوطنية الأميركية الأمر نفسه، قائلة إن هناك العديد من الأساطير التي نُسجت حول المنتجات الطبيعية الشعبية. تُسوَّق العديد من المنتجات الطبيعية التي تُباع بوصفها مكملات غذائية على أساس أنها تعزز الصحة والرفاهية وتقي من الأمراض، غير أن الأدلة والإثباتات العلمية التي تدعم هذه الادعاءات غالبا ما تكون قليلة وغير كافية(9).

في الواقع، قد يكون من الصعب اختبار مدى فعالية المكملات العشبية. على سبيل المثال، يُروَّج حاليا بشكل واسع لنبتة “سانت جون” بأنها تتمكن من علاج الاكتئاب، لكن نتائج الأبحاث التي أُجريت حولها ومدى فاعليتها في علاج الاكتئاب كانت مختلطة، والأهم، ثبت أن نبتة “سانت جون” يمكن أن تتفاعل بطرق خطيرة، وأحيانا مهددة للحياة، مع مجموعة متنوعة من الأدوية(10).

نبتة “سانت جون” (بيكسابي)

بخلاف نبتة “سانت جون”، توضح معاهد الصحة الوطنية الأميركية أن هناك أساطير منتشرة على نطاق عالمي حول كون بعض الأعشاب، مثل الناردين والبابونج والكافا، فعالة في علاج الأرق، والحقيقة أن هذه الأعشاب قد تُستخدم أحيانا بوصفها أدوات مساعِدة على النوم، لكن لم تثبت فعاليتها في علاج الأرق بشكل علمي دقيق ومؤكد. وفي الوقت نفسه، أثيرت مخاوف مهمة تتعلق بالسلامة حول بعض هذه الأعشاب، على سبيل المثال، رُبطت مكملات الكافا بخطر الإصابة بأمراض الكبد الحادة(9).

هناك خرافة أيضا متعلقة بزهرة يُطلق عليها اسم زهرة الآلام أو زهرة العاطفة، حيث يُعتقد أن هذه الزهرة يمكنها تقليل التوتر وتحسين الصحة العامة. الحقيقة هي أن هناك عددا قليلا جدا من الدراسات التي أُجريت على زهرة العاطفة، ومن ثم لا توجد أدلة كافية لتحديد ما إن كانت هذه الزهرة فعّالة فعلا في كل الحالات أم لا.

رغم وجود بعض الأدلة التي قدّمتها الدراسات المخبرية على أن الكركمين قد يؤثر على وظائف المخ وتطور الخرف، لم تثبت بعدُ في التجارب السريرية. (شترستوك)

الكركم أو الكركمين ومكملات الجنكة بيلوبا من الأعشاب التي نُسجت حولها الكثير من الخرافات أيضا، لعل أبرزها أنه يمكن لهذه الأعشاب أن تمنع ظهور الخرف ومرض ألزهايمر. الحقيقة هنا هي أن هذه النتائج، رغم وجود بعض الأدلة التي قدّمتها الدراسات المخبرية على أن الكركمين قد يؤثر على وظائف المخ وتطور الخرف، لم تثبت بعدُ في التجارب السريرية. أيضا، في العديد من التجارب السريرية الكبيرة لم تثبت فعالية الجنكة بيلوبا في تقليل معدل الإصابة بالخرف أو الإصابة بمرض ألزهايمر(9).

الخديعة الكبرى

أما حينما توضع الأعشاب في كبسولات، فالمشكلة تكون أكبر. عام 2015، اتهم مكتب المدعي العام لولاية نيويورك 4 من كبار تجار التجزئة ببيع المكملات العشبية “الاحتيالية” التي يُحتمل أن تشكل خطورة على صحة المستهلكين، وطالبهم بإزالة المنتجات من أرففهم. أوضحت السلطات أنها أجرت اختبارات على العلامات التجارية الأكثر مبيعا للمكملات العشبية في 4 متاجر تجزئة شهيرة، ووجدت أن 4 من أصل 5 من المنتجات لا تحتوي من الأساس على أي من الأعشاب المدونة على ملصقاتها.

أظهرت الاختبارات أن الحبوب التي توصف بكونها من “الأعشاب الطبية” كانت غالبا ما تحتوي على مواد حشو رخيصة مثل مسحوق الأرز والهليون والنباتات المنزلية، وفي بعض الحالات عُثر على بعض المواد التي يمكن أن تكون خطرة على الأشخاص المصابين بالحساسية.

(شترستوك)

خلال هذه الحملة، وجدت السلطات في متاجر “وولمارت (Walmart)” الشهيرة أن بعض المكملات الدوائية التي كان من المفترض أن تحتوي على نبات الجنكة بيلوبا، وهو نبات صيني رُوِّج له على أنه مُحسِّن للذاكرة، كانت في الواقع تحتوي على مسحوق الفجل وبعض النباتات المنزلية والقمح، على الرغم من أن هناك ادعاء مُدوَّنا على الملصق بأن المنتج خالٍ من القمح والغلوتين.

عثرت الحملة أيضا على العديد من الأعشاب الدوائية الأخرى، التي وجد أنها تحتوي على مساحيق الأرز والفاصوليا والبازلاء والجزر البري. كانت بعض المنتجات أيضا تحتوي على مساحيق البقوليات، والتي تشمل الفول السوداني وفول الصويا، ما يشكل خطرا على الأشخاص الذين يعانون من الحساسية(11).

عندما تشاهد إعلانا يغريك بشراء تلك المكملات التي تعدك بإنقاص وزنك واستعادة حيويتك والتغلب على مشكلاتك الصحية، فكر مليّا، وتذكّر أن الأمور لا تسير بهذه البساطة. (شترستوك)

أثار التحقيق، الذي أجراه المدعي العام مدفوعا بمقال نُشر في صحيفة نيويورك تايمز في عام 2013، التساؤلات حول وجود احتيال واسع النطاق في صناعة المكملات العشبية. أشار المقال إلى بحث أجرته جامعة “غويلف (Guelph)” في كندا توصل إلى أن ما يصل إلى ثلث المكملات العشبية المُختبَرة لا تحتوي على النباتات المدونة على ملصقاتها، وهي تحتوي فقط على مواد حشو رخيصة(11).

لذلك، في المرة القادمة التي تشاهد فيها إعلانا يغريك بشراء تلك المكملات التي تعدك بإنقاص وزنك واستعادة حيويتك والتغلب على مشكلاتك الصحية، فكر مليّا، وتذكّر أن الأمور لا تسير بهذه البساطة، هناك رحلة طويلة ينبغي أن يقطعها أي مكمل غذائي قبل أن تثبت فعاليته، والأهم أمانه للاستخدام على المدى الطويل، ناهيك بأن هناك احتمالا لا يستهان به بأن تكون هذه المكملات مغشوشة ولا تحتوي على المادة المقصودة أصلا. إن كنت تعاني من مشكلة صحية تحتاج إلى حل، استشر طبيبا أو متخصصا، ولا تبحث عن حل سحري، لأن الحلول السحرية الموعودة ليست إلا خُدعا لاستنزاف أموالك، وربما تدمير صحتك أيضا.

____________________________

المصادر:

  1. Americans Spend Billions on Vitamins and Herbs That Don’t Work
  2. Herbal Supplements Are Often Not What They Seem
  3. Current Perspective in the International Trade of Medicinal Plants Material
  4. The global herbal medicine market 
  5. Herbal medicines: Old and new concepts, truths and misunderstandings
  6. the Common Myths About Herbal Medicine
  7. Herbal medicines
  8. 101 Myths about Herbal Medicin
  9. 5 Myths About Popular Natural Products Marketed for Disease Prevention and Wellness
  10. St. John’s Wort
  11. New York Attorney General Targets Supplements at Major Retailers

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post أوكرانيا تحسب التكلفة البيئية “الكارثية” بعد انفجار السد
Next post الجهاز الفنى للزمالك يتأكد من جاهزية “روقا” لمواجهة فاركو.. ويمنح شلبى راحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading