واشنطن- دافع الرئيس الأميركي جو بايدن عن “قراره الصعب للغاية” -كما وُصف- بإعطاء أوكرانيا قنابل عنقودية، بينما أشار خبراء عسكريون إلى أن هذه القنابل ستتيح للقوات الأوكرانية إمكانية تدمير شبكات الخنادق التي حفرتها روسيا على مدار الأشهر الماضية، وهو ما فشلت فيه كييف خلال هجوم الربيع، وسبب ذلك انزعاجا كبيرا في العواصم الغربية.
وقال بايدن -في حديث لشبكة “سي إن إن” (CNN)- إن اتخاذ القرار “استغرق بعض الوقت لإقناعه بالقيام بذلك” لكنه تصرف لأن “ذخيرة الأوكرانيين تنفد”. وأضاف أنه تحدث مع الحلفاء بشأن القرار الذي يأتي قبل قمة الناتو في ليتوانيا الأسبوع المقبل.
في الوقت ذاته، أشار مستشار الأمن القومي جيك سوليفان -في إفادة صحفية بالبيت الأبيض، أمس الجمعة- أن المسؤولين الأميركيين “يدركون أن الذخائر العنقودية تخلق خطرا على المدنيين، وهذا السبب في أننا أجلنا القرار لأطول فترة ممكنة”.
وأضاف سوليفان أن المدفعية الأوكرانية تحتاج إلى “إمدادات ضخمة” بينما تكثّف الولايات المتحدة الإنتاج المحلي، وقال “لن نترك أوكرانيا بلا حماية في أي مرحلة من الصراع الجاري”.
روسيا وأوكرانيا تستخدمانها
وأثارت الذخائر العنقودية جدلا حول معدل فشلها وتأثيراتها على المدنيين في المدى الطويل، مما يعني أن القنابل الصغيرة غير المنفجرة يمكن أن تبقى على الأرض لسنوات وتنفجر بشكل عشوائي في وقت لاحق.
وقال سوليفان إن القنابل العنقودية الأميركية التي سيتم إرسالها إلى أوكرانيا أكثر أمانا بكثير من تلك التي تستخدمها روسيا في الصراع، وإن معدل الإخفاقات في الذخائر العنقودية الأميركية أقل من 2.5% مقابل معدل إخفاق يتراوح بين 30-40% في الذخائر العنقودية الروسية.
وقال المسؤول السابق بالبنتاغون والمحاضر بكلية الدفاع الوطني بواشنطن ديفيد دي روش “روسيا وأوكرانيا تستخدمان بالفعل الذخائر العنقودية في الحرب. والمشكلة مع الولايات المتحدة أن الكثير من الديمقراطيين يريدون حظر هذه القنابل كليا، ولكن الآن بعد أن أصبح لدينا دولة صديقة في مواجهة صراع وجودي، يبدو أنه لا بدائل كثيرة متوفرة”.
ويعتقد دي روش، في حديث للجزيرة نت، أن هذه الخطوة تمثل تطورا طبيعيا في دعم واشنطن لأوكرانيا “فنحن نوفر لهم إلى حد كبير كل سلاح تقليدي لدينا”.
ويدعم ستيف بايفر خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد “بروكينغز” خطوة الرئيس بايدن، ويقول للجزيرة نت إن القرار “لم يكن سهلا، لكنه كان صحيحا” مبينا أن أوكرانيا طلبت الحصول على ذخائر عنقودية وستتحمل خطر الذخائر الفاشلة التي لا تنفجر. كما وافقت على عدم استخدامها في المناطق الحضرية، وعلى الاحتفاظ بسجلات عن أماكن استخدامها (لتحديد مكان الذخائر الفاشلة ونزعها لاحقا).
خطوة ضرورية متأخرة
وبرأي روبرت بيرسون، أستاذ العلاقات الدولية بأكاديمية “ويست بوينت” العسكرية، وقد تحدث بصفته الشخصية، فإن “قرار الإدارة توفير هذه الأسلحة ضروري.. ومن الواضح أن أوكرانيا لا تزال تخوض معركة وجودية من أجل بقائها ضد خصم قوي للغاية. وبالنظر إلى القيود المعروفة في الإمدادات المتاحة من ذخائر المدفعية التقليدية، فإن الذخائر التي خزنتها الولايات المتحدة هي وسيلة لمساعدة أوكرانيا على تحقيق تكافؤ الفرص على المدى القريب”.
وفصّل كان كاسابوغلو (الخبير العسكري والمتخصص في الشؤون الروسية بمعهد “هادسون” بواشنطن) أهمية قرار بايدن من الناحية العملياتية.
وقال إنه يُعد “قرارا صائبا خاصة للتغلب على الخنادق الروسية من خلال القذائف من فئة “155 ملليمترا” وسيثبت مكوّن الذخائر المعروف بـ “دي بي آي سي إم” (DPICM) فعالية أكثر من القذائف العادية شديدة الانفجار. ولم يتمكن الهجوم المضاد الأوكراني حتى من الوصول إلى الخطوط الأولى للدفاعات الرئيسية حتى الآن، وستقدم الذخائر الأميركية مساعدة كبيرة لهذا الغرض”.
وأضاف كاسابوغلو “ستوفر الذخائر العنقودية نسبة قتل أعلى لكل قذيفة، مقارنة بالقذائف التقليدية، مما يعني طلقات أقل لإنجاز نفس المهمة، وباختصار. وكان ينبغي على الإدارة الأميركية تسليمها قبل أشهر للاستعداد للهجوم المضاد. وقد رأينا نفس النمط في التردد الألماني لمدة عام حتى تم تقديم الدبابة “ليوبارد 2”.
ما أنواع القنابل العنقودية وتأثيراتها؟#الأخبار pic.twitter.com/A3hGVx9Lv3
— قناة الجزيرة (@AJArabic) July 1, 2023
لعدة أغراض
من جانبه، قال ماثيو والين، رئيس مشروع “الأمن الأميركي” وهو مركز بحثي متخصص بالشؤون العسكرية، إن الأوكرانيين يريدون على الأرجح الذخائر العنقودية لعدة أغراض:
- إحداها نوع من الذخائر التي يتم إسقاطها جوا لتدمير الدبابات بطريقة دقيقة.
- كما يرغبون في تلقي قذائف مدفعية تنشر الذخائر العنقودية، وستكون هذه مفيدة في تطهير شبكات الخنادق الروسية، خاصة وأن هذه الخنادق يمكن تثبت أنها مقاومة للنيران غير المباشرة، بينما يمكن للذخائر العنقودية أن تغطي الخنادق بالمتفجرات التي تسقط مباشرة في شبكاتها المحكمة.
وتجنب الخبراء الأميركيون -ممن تحدثت إليهم الجزيرة نت- الإشارة لقانونية قرار بايدن إذا تجاوز قراره القانون الأميركي الذي يحظر إنتاج أو استخدام أو نقل الذخائر العنقودية التي يزيد معدل فشلها عن 1%.
في وقت مبكر من الحرب، عندما سُئل البيت الأبيض عن مزاعم بأن روسيا تستخدم القنابل العنقودية والفراغية، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنذاك إنها ستكون “جريمة حرب” إذا كانت صحيحة.
“بادرة يأس”
وإزاء القرار الأميركي بحزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا تتضمن لأول مرة قذائف عنقودية، ردّت روسيا سريعا على لسان سفيرها لدى واشنطن أناتولي أنتونوف الذي قال إن تزويد كييف بالذخائر العنقودية يمثل “بادرة يأس من قبل الولايات المتحدة (التي) تقرّب البشرية من حرب عالمية جديدة”.
وقال السفير الروسي “القسوة والسخرية التي تعاملت بها واشنطن مع مسألة نقل الأسلحة الفتاكة إلى كييف لافتة للنظر. والآن وبخطأ منها، سيكون هناك خطر لسنوات عديدة من أن يتم تفجير المدنيين الأبرياء بذخائر صغيرة فشلت مبكرا في الانفجار”.
ولم يسفر الهجوم المضاد الأوكراني، الذي بدأ في مايو/أيار الماضي، في منطقتي دونيتسك الشرقية وجنوب شرق زاباروجيا، عن تحقيق نتائج ترضي الغرب بعد أن مدّ كييف بالكثير من الأسلحة والمساعدات العسكرية والمالية.
وفي الوقت الذي قوبل فيه الهجوم المضاد الأوكراني بدفاعات روسية أكثر صرامة من المتوقع، أشار المسؤولون الأميركيون مؤخرا إلى حدوث تحول باتجاه تأييد تزويد كييف بالقنابل العنقودية.
روسيا لا تملك إلا الاحتجاج الخطابي
وعن رد الفعل الروسي أيضا، قال المسؤول الأمني السابق ديفيد دي روش “روسيا ستقول إن هذا تصعيد خطير وتهدد بأنه سيؤدي إلى حرب نووية أو توسيع الصراع الجاري. وهو ما قالته هذا منذ أشهر لردع الدعم الغربي لأوكرانيا. فإستراتيجية روسيا هي إنهاك الغرب من خلال إطالة أمد الحرب والتهديد بالتصعيد.. لا جديد”.
واتفق الخبير بمعهد “بروكينغز” ستيف بايف على أن قرار بايدن لن يروق للحكومة الروسية، ولكن لا يمكنها الاعتراض بجدية نظرا لاستخدامها للذخائر العنقودية في أوكرانيا.
من جانبه، رجّح البروفيسور روبرت بيرسون أن رد فعل روسيا المتوقع لن يخرج عن نطاق “الاحتجاج الخطابي”. وأشار إلى أنه لن يكون هناك الكثير من التحول الملحوظ في إستراتيجيتهم.
وقال إن الروس “يستخدمون بالفعل هذه الذخائر ضد الأوكرانيين، لذلك لا يمكن وصف هذه الخطوة بأنها تصعيدية” مع توقع أن ترد موسكو بزيادة وابل الصواريخ التي تستهدف المدن الأوكرانية، وأن تستمر في الهجوم بشكل عشوائي “سواء أعطت الولايات المتحدة أوكرانيا هذه الأسلحة أم لا”.
وتلتزم 123 باتفاقية حظر الذخائر العنقودية بعد انضمامها إليها، وتمنع استخدامها أو إنتاجها أو نقلها أو تخزينها، لكن الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا ليست أطرافا في الاتفاقية، إلى جانب 71 دولة أخرى.
ويُعد استخدام هذه الذخائر لمهاجمة قوات العدو أو مركباته عملا غير قانوني بموجب القانون الدولي، كما أن ضرب المدنيين بهذه الأسلحة قد يرقى إلى اعتباره “جريمة حرب” وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.