القدس المحتلة- شهدت معدلات هجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة تراجعا غير مسبوق في النصف الأول من عام 2023، وذلك في ظل التوتر الأمني وتصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية، والأزمات الداخلية التي تعصف بإسرائيل.
وحسب بيانات وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية، والوكالة اليهودية؛ فقد انخفضت الهجرة إلى فلسطين بشكل حاد في النصف الأول من العام الجاري، حيث تراجعت نسبة استقدام اليهود بنحو 20% من أميركا وأوروبا.
ووفقا لتقديرات المحللين، فإن ذلك يعود إلى تصاعد التوتر الأمني والمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، الذي تسبب في مقتل 29 إسرائيليا، أغلبهم من المستوطنين وجنود الاحتلال، بالإضافة إلى خطة حكومة بنيامين نتنياهو تجاه التعديلات في الجهاز القضائي؛ وهو ما جعل إسرائيل وجهة غير مرغوبة للهجرة.
وأظهرت الأرقام انخفاضا حادا في عدد المهاجرين من البلدان التي يأتي منها عادة عدد كبير من المهاجرين، خاصة أوكرانيا والولايات المتحدة وفرنسا، وكذلك تم تسجيل التراجع بين المهاجرين من بريطانيا وإيطاليا وجنوب أفريقيا، فضلا عن دول أميركا اللاتينية.
معدلات الهجرة عام 2023
ووفقا للمعطيات الرسمية الصادرة عن الوكالة اليهودية، وصل في النصف الأول من العام الحالي 29 ألفا و293 مهاجرا إلى إسرائيل، بانخفاض قدره 20% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.
وحسب الوكالة، فإن 78% من المهاجرين الجدد تم استقدامهم من روسيا، حيث كان التغيير في عدد المهاجرين على مر السنين مرتبطا بالوضع الاقتصادي لإسرائيل، مقارنة ببلد المنشأ للمهاجرين اليهود.
وارتفعت الهجرة من روسيا إلى إسرائيل بنسبة الثلث تقريبا، حيث وصل 22 ألفا و851 مهاجرا من روسيا إلى إسرائيل، وتزايدت الهجرة من روسيا منذ الحرب بأوكرانيا.
في المقابل، هاجر 1463 أوكرانيا إلى إسرائيل في الفترة ذاتها، بانخفاض قدره 88% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.
وتشير تقديرات الوكالة اليهودية إلى أن إمكانية الهجرة من أوكرانيا ربما تكون قد استنفدت، وأن السكان اليهود في أوكرانيا قد يكونون أقل مما كان يُعتقد في إسرائيل.
وانخفضت الهجرة واستقدام اليهود من الولايات المتحدة بنحو الثلث، مع وصول 785 يهوديا أميركيا إلى فلسطين منذ مطلع العام الحالي، بينما انخفضت الهجرة من فرنسا بنسبة 59%، مع استقدام أقل من 400 فرنسي إلى البلاد في الأشهر الستة الماضية.
سلسلة إخفاقات
وعزا المحلل السياسي بلال ضاهر تراجع معدل هجرة اليهود إلى عدة عوامل؛ أبرزها التوتر الأمني وتصاعد المقاومة، وكذلك الأزمات الداخلية في إسرائيل، خاصة أزمة قانون الجهاز القضائي.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار ضاهر إلى أن التجارب أظهرت أنه خلال الانتفاضة الثانية في فلسطين والحرب الثانية على لبنان تراجعت هجرة اليهود بشكل ملفت، ووصلت إلى تعليقها في بعض الفترات، مبينا أنه في عام 2022 كانت هناك سلسلة من الفشل في استيعاب المهاجرين من أوكرانيا، حيث تم توطين بعضهم في المستوطنات بالضفة، و”الإتجار ببعض النساء وتشغيلهن في الدعارة”، حسب وصفه.
وعن أسباب ارتفاع معدلات الهجرة من روسيا، رجح ضاهر أن المهاجرين من روسيا يهربون من التجنيد في الجيش الروسي، أو بسبب ما وصفته الوكالة اليهودية بأنه “انتهاك حقوق الإنسان في البلاد في ظل نظام فلاديمير بوتين”، كما أن الاقتصاد الروسي المتدهور يشجع أيضا على الهجرة.
عدم جاهزية
بدوره، يعتقد أوري كرمل رئيس جمعية “إرتس-عير” التي تشرف على مشروع توفير فرص العمل للمهاجرين والتوظيف في النقب أن إسرائيل غير مهيأة لاستيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين، مشيرا إلى عدم جاهزيتها لذلك، إلى جانب تصاعد التوتر الأمني وتفاقم الأزمات الداخلية بإسرائيل على خلفية التعديلات في الجهاز القضائي.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال كرمل إنه رغم ذلك، فقد توقع مؤخرا مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي وصول موجة كبيرة من الهجرة لما لا يقل عن 40 ألف شخص من روسيا، في أعقاب زعزعة الاستقرار في موسكو.
وأكد أن هذه التقديرات مأساوية بالنسبة لإسرائيل كونها غير مهيئة وغير مستعدة لاستقدام واستيعاب هذا الكم الهائل من المهاجرين، حيث لا توجد أي ضمانات لتأمين مستقبلهم في البلاد.
هجرة عكسية
وأشار إلى أن الهجرة من روسيا ودول أوروبا الشرقية إستراتيجية مهمة لتوفير الحلول لسوق العمل الإسرائيلي، ولضمان مستقبل إسرائيل التي تعاني من نقص حاد في العمالة في مختلف المجالات، خاصة في الصناعات الأساسية والتكنولوجيا، وهو ما يشير إلى وجود هجرة عكسية في صفوف الشباب وأصحاب الاختصاص.
ولفت إلى بوادر هجرة عكسية من شأنها أن تتوسع مستقبلا في حال تمت المصادقة النهائية على التعديلات في الجهاز القضائي، مضيفا أن “الاستيعاب والاستقدام الناجح للهجرة من روسيا في النقب باتا أكثر أهمية من أي وقت مضى بسبب النقص في المهن التكنولوجية والهندسية”.
وعزا ذلك إلى النقص الحاد في سوق العمل الإسرائيلي في النقب والجليل، حيث ينقص الصناعات الإسرائيلية نحو 15 ألف مهندس في كافة الاختصاصات والمجالات، كما أظهرت استنتاجات لجنة رأس المال البشري في التكنولوجيا أنه خلال 5 سنوات سيكون هناك نقص بنحو 100 ألف عامل في هذا المجال.
معدلات الهجرة عام 2022
وسجل العام الماضي معدلات قياسية في كل ما يتعلق باستقدام اليهود إلى فلسطين، حيث تم استقدام نحو 70 ألف مهاجر من 95 دولة.
ويمثل هذا رقما قياسيا يسجل زيادة في استقدام المهاجرين اليهود لأول مرة منذ 23 عاما، وقفزة حادة مقارنة بعام 2021، حيث وصل خلالها ما يقرب من 28 ألفا و600 مهاجر جديد إلى فلسطين، بمساعدة الوكالة اليهودية وبالتعاون مع وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية.
وحسب معطيات الوكالة اليهودية، فإنه خلال العام 2022 تم استقدام 37 ألفا و364 يهوديا من روسيا، و14 ألفا و680 من أوكرانيا، و3500 من أميركا وكندا، و2049 من فرنسا، و1993 من بيلاروسيا، و1498 من إثيوبيا، و985 من الأرجنتين، و526 من بريطانيا، و426 من جنوب أفريقيا، و356 من البرازيل.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.