بغداد– مضت 6 أشهر على تشكيل حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بعد مخاض عسير يعد الأكثر تعقيدا منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إضافة للمشكلات الاقتصادية الكبيرة التي رافقت تشكيل الحكومة وملفات الفساد التي كشف عنها، وكان آخرها ما عرف محليا بـ “سرقة القرن” التي تقدر قيمتها بـ 2.5 مليار دولار.
ويبدو أن السوداني بعد تجربة وزرائه لعدة أشهر عازم على إجراء تعديل وزاري قريب، لا سيما بعدما أعلن أنه حق دستوري لن يتنازل عنه، ملمحا إلى أنه سيذهب إلى البرلمان لأجل ذلك، وأن الكتل السياسية التي ترفض التغيير ستكون مسؤولة أمام الشعب، وفق قوله.
وقال السوداني خلال مقابلة بثتها القناة العراقية الرسمية، إنه تحدث مع الوزراء بشكل واضح وصريح بشأن تقييم عملهم، وإن الدستور يمنح رئيس الوزراء صلاحية إعفاء الوزير المقصر، مؤكدا تصميمه على إجراء تعديل وزاري وعلى أنه سيختار الوقت المناسب، ولن يتنازل عن صلاحياته الدستورية.
ووفق مصادر إعلامية وما تتناوله بعض وسائل الإعلام، فإن التعديلات الوزارية ستكون بعد إقرار الموازنة العامة للبلاد، وإن عدد الوزراء المرشحين للتغيير بين 3 إلى 4 وزراء في المرحلة الأولى من بينهم وزراء ينتمون لفصائل مسلحة، وأسباب تغييرهم قد تكون ناجمة عن ضغط أميركي.
من جهته، يرى الباحث السياسي غازي فيصل في حديثه للجزيرة نت “أن بعض الوزراء ممن ينضوون تحت لافتة محور المقاومة والذين صدرت بحقهم عقوبات من قبل الإدارة الأميركية، قد لا يشملهم التغيير بسبب اعتراض واشنطن، وإنما بسبب فشلهم في تحقيق الإنجازات المطلوبة على مستوى معطيات المنهاج الحكومي”.
توقيت التعديل
وعن موعد تنفيذ السوداني لتعهداته بالتعديل الوزاري، يقول المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي “إن توقيت إجراء التعديل الوزاري سيحدده رئيس الوزراء وفق ما يراه مناسبا، حين تتوفر الظروف الموضوعية التي تُحوّل التعديل إلى خطوة تضاعف نجاح الحكومة”.
وفي حين أكد العوادي للجزيرة نت أن إقرار الموازنة العامة للبلاد في المرحلة الراهنة مقدم كأولوية على غيره، أشار إلى أن رئيس الوزراء يمتلك رؤية وتصميما لتحقيق التعديل الوزاري وفق التوقيت الذي يراه رئيس الوزراء موافقا للمصلحة العامة، وفق قوله.
وعلى خلاف ما أعلنه السوداني نفى زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي -وهو أحد قيادات الإطار التنسيقي- في مقابلة تلفزيونية علمه بإجراء تعديل وزاري بعد عطلة عيد الفطر التي انتهت قبل أيام.
وقال المالكي خلال المقابلة “سمعت عن تغيير وزاري ولم أسمع من رئيس الحكومة أو من الإطار التنسيقي”، في حين أكد السوداني أن التعديل المرتقب حق دستوري لرئيس الحكومة وليس بمزاج القيادي أو الزعيم السياسي هذا أو ذاك.
تباين بالمواقف
وكانت صحيفة المدى العراقية -التي دائما ما تعرف بالتسريبات السياسية- قد كشفت قبل أيام أن تحالف الإطار التنسيقي -الذي يضم جميع القوى السياسية الشيعية باستثناء التيار الصدري- يحرص على عدم تسرب الخلافات الداخلية، ويروج لرواية أنه فوّض السوداني بالتعديل الوزاري خوفا من تحمل مسؤولية إخفاق الحكومة، وهو ما يذهب إليه العديد من الخبراء بالشأن العراقي.
رغم عدم الإعلان عن وفاته رسميا:
أئتلاف إدارة الدولة لن تنفع معه غرف الإنعاش السياسي ..— د.احسان الشمري (@Ihssan_Shmary) April 25, 2023
وتضيف الصحيفة أن المعلومات تفيد أن السوداني لديه أسماء 5 وزراء على الأقل لتغييرها، وهم وزراء الزارعة والتجارة والموارد المائية والتعليم والدفاع، ومن المرجح أن تصل قائمة التعديل إلى 10 وزراء من بينهم وزراء تابعين لائتلاف دولة القانون -بزعامة نوري المالكي- مثل وزير النفط.
غير أن هذه التسريبات تبدو متعارضة مع ما تذهب إليه قوى الإطار التنسيقي ذاتها، التي أكدت أنها متفقة في أن يمارس السوداني حقه الدستوري بالتعديل الوزاري، وهو ما يشير إليه النائب في البرلمان عن ائتلاف دولة القانون أحمد صلال البدري الذي أكد وجود اتفاق داخل ائتلاف إدارة الدولة على إطلاق يد رئيس الوزراء بمتابعة الوزراء وتقييم أدائهم، وفق قوله.
البدري في حديث للجزيرة نت شدد على ضرورة ألا تختلف الكتل السياسية مع السوداني إذا ما ذهب في هذا الاتجاه، مشيرا إلى أن أي خطوة للسوداني تجاه التعديل الوزاري لن تكون بهدف الاستهداف أو الاقصاء، مستدركا بالقول “إن ردود الفعل قد تحدث من الكتل الأخرى، وذلك مستبعد أيضا، لأن الجميع متفقون على دعم الحكومة وإعطاء رئيس الوزراء الحرية في ما يراه مناسبا، النجاح هو نجاح الجميع والكل يأمل من هذه الحكومة تصحيح المسار وتحقيق متطلبات الشعب”.
من جهته، يرى تحالف الفتح الذي يتزعمه هادي العامري (أحد أركان الإطار التنسيقي) أن التعديل المرتقب ليس استهدافا سياسيا، خاصة أن السوداني نوه في أكثر من مناسبة عن عزمه إجراء تعديل وزاري يسبقه تقييم الوزراء لمدة 6 أشهر، وهي المدة التي منحها السوداني لأعضاء حكومته عند التكليف، وفق النائب عن التحالف حسين العامري.
ويضيف البدري -في حديثه للجزيرة نت- أن التعديل الوزاري للسوداني يهدف لإيجاد وزراء قادرين على تنفيذ البرنامج الحكومي وإنجاحه، مبينا أن ائتلاف إدارة الدولة لن يعارض التعديل، وأنه سيدعمه من أجل نجاح البرنامج الوزاري المتعلق بتحسين الأوضاع وتوفير الخدمات ومكافحة الفساد.
لن يمرر بسهولة
في مقابل ذلك، يبدو أن قوى سياسية أخرى ترى أن التعديلات الوزارية المرتقبة للسوداني لن تمرر بسهولة، وهو ما يذهب إليه تحالف السيادة الذي يتزعمه خميس الخنجر وهو أكبر تحالف سياسي عراقي سُني عربي ضمن تحالف إدارة الدولة، إذ عبّر النائب عن التحالف يوسف السبعاوي عن ذلك صراحة، رافضا في حديثه للجزيرة نت الخوض بالتفاصيل.
ويشاطر السبعاوي في رأيه مديرُ مركز التفكير السياسي إحسان الشمري الذي يصف حكومة السوداني بحكومة “محاصصة” وأن عملية التغيير ستكون بمثابة إخلال بالأساس الذي بنيت عليه الحكومة، بما سيسهم في تعقيد مسار الحكومة والتحالفات السياسية، لا سيما مع وجود نوع من الاتفاقيات التي قد تمنع هذا التعديل، وفق قوله.
ويقول الشمري للجزيرة نت “إن التعديلات الوزارية قد تؤدي إلى ازدياد حدة الخلافات الموجودة أصلا داخل ائتلاف إدارة الدولة ما بين السوداني وبين بعض أطراف الإطار التنسيقي من جهة، وما بينه وبين القوى السنية من جهة أخرى، وقد يفجر ذلك خلافات كبيرة، وربما يؤدي إلى إعادة صياغة التحالفات السياسية من جديد”.
ولم يصرّح الشمري بأسماء الوزراء الذين قد يطالهم التغيير، لكنه أوضح أن ما نسبته 60% من الكابينة الحكومية بحاجة إلى إعادة تقييم وتغيير لأنها غير منتجة، مشيرا إلى أن العمل الحكومي مهدد بسبب هذه النسبة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.