مراسلو الجزيرة نت
على نفس إيقاع الانقلابات العسكرية في القارة السمراء وعلى غرار نغمة البيان الأول لتلك الانقلابات، يبدو أن النيجر لم تكن فريدة وهي تشهد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد بازوم، وتنصيب قائد الحرس الرئاسي نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد، وسط حديث عن الفساد وسوء الإدارة وحماية أمن الوطن والمواطنين.
وفي هذا التقرير تحاول الجزيرة نت الإجابة عن أهم التساؤلات بشأن الانقلاب العسكري الذي تشهده النيجر.
كيف صعد بازوم للحكم؟
ينتمي بازوم إلى أقلية عرقية لا تعترف بمواطنتها الأغلبية، إذ ينتمي إلى العرب الذين لا يمثلون سوى 1% من مجموع السكان، فضلا عن حداثة وجودهم على أرض النيجر.
لكن انتماءه إلى الحزب الحاكم (حزب النيجر من أجل الديمقراطية والاشتراكية) أهّله للترشح لأعلى منصب في البلاد، فضلا عن كونه صاحب تجربة في عدد من الوزارات، حيث شغل وزارتي الخارجية والداخلية، إضافة إلى منصب نائب الرئيس، وما يصفه البعض باتفاق سري بينه وبين سلفه محمد إيسوفو على تطبيق نظرية (بوتين- ميدفيديف)، أي تبديل المناصب بين الرئيس ونائبه، التي حدثت في روسيا بين رئيس الوزراء وقتها فلاديمير بوتين والرئيس السابق ديمتري ميدفيديف.
كما أن فوز بازوم في الجولة الثانية كان محل نزاع مع المعارضة، أولا بسبب ضعف حاضنته الاجتماعية وتململ عدد من قادة الحزب الحاكم، من صعوده، الأمر الآخر هو الشكوك في التزوير وصعوده على أكتاف عرقية الهوسا التي تمثل ما يزيد على نصف سكان البلاد، وضعف تصويت سكان العاصمة له، ما واجه رفضا منذ البداية داخل مفاصل الدولة العميقة وحاولت الانقلاب على نتائج صناديق الاقتراع قبل تنصيبه رئيسا.
أسباب الانقلاب
غني عن القول أن فوز بازوم لم يكن مرحبا به سواء من المجموعات العرقية التي تشعر بأحقيتها في الحكم أو من بعض أركان الجيش، وكانت الإشارات واضحة من المحاولات التي جرت لتغيير الحكم، حيث يبدو أن بازوم لم يلتزم الخارطة التي اتفق عليها مع سلفه، والتي سمح له بموجبها أن يكون في موقع ميدفيديف مع بوتين، ومن أبرز المؤشرات على ذلك:
- محاولة بازوم بناء مراكز نفوذ جديدة في الأجهزة الرئيسية للدولة بعيدا عن النافذين في الحزب الحاكم.
- الخلافات مع سلفه وأركان الحزب حول الإقالات والتعيينات في الجيش والحرس الرئاسي.
- نية الرئيس بازوم إقالة قائد الحرس الرئاسي وهو المخضرم الذي خدم كل فترة الرئيس السابق.
- إقالة عدد من الموالين للرئيس السابق محمد إيسوفو من عدد من المواقع الحيوية.
- محاولة إضعاف وإنهاء هيمنة الرئيس السابق إيسوفو على المؤسسات الحزبية والحكومية.
- رغبة بازوم بالتخلص من صراعات الأجنحة من خلال تصفية الجناح المناوئ له.
- إعلان بازوم رفع عدد الجيش وتجنيد أعداد جديدة، ما ضاعف شكوك المناوئين من توسع نفوذه.
- كل ذلك يعكس حجم الصراعات الداخلية بين النخب الحاكمة، ونفاد صبر العسكريين على التجربة الديمقراطية الوليدة.
أما الأسباب التي تتعلق بعموم البلاد فهي كثيرة، ليس أقلها الفقر المدقع الذي تعيش فيه البلاد إذ تحتل النيجر المرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية (189 من 189 دولة) وأكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر، مع نسبة 50% من الأطفال في عمر التعليم غير مقيدين بالمدارس.
كما تؤثر الأبعاد الأمنية على المشهد السياسي في النيجر، حيث تقع البلاد في حزام المنطقة التي تنشط فيها الجماعات المسلحة، مثل بوكو حرام وأخواتها في تنظيم القاعدة، ومتفرعاتها في منطقة الساحل.
الموقف الراهن
الحرس الرئاسي هو الجهة التي نفذت الانقلاب وتلت البيان الأول، لكن بعد يوم واحد انحاز الجيش للحرس الرئاسي مؤيدا للانقلاب، وتم إعلان قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تياني رئيسا للمجلس الانتقالي، بصفته “رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن”، أي المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم.
لم يعترف الرئيس المعزول بالانقلاب ولم يوقع على قرار التنازل، بينما أضرم مؤيدو الانقلاب النار في مقر الحزب الحاكم.
وأعلن الانقلابيون عن عدد من الإجراءات:
- إغلاق كافة المنافذ البرية والجوية، إذ تعتبر النيجر دولة مغلقة لا منافذ بحرية لها.
- تعليق جميع أنشطة الأحزاب السياسية.
- إقالة كافة الوزراء ونوابهم وتكليف المديرين العامين بالقيام بإدارة المؤسسات إلى حين ترتيبات لاحقة.
- الحفاظ على الاتفاقيات المبرمة من قِبَل النظام السابق والتعهد بسلامة أعضاء النظام السابق.
ارتدادات الحدث دوليا
على الرغم من أن النيجر أصبحت قاعدة رئيسية للجيوش الغربية وأجهزة مخابراتها بعد التحولات التي شهدتها المنطقة بخروج فرنسا التاريخي من معاقلها في مالي وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، فإن التلويح بالبعبع الروسي ظل حاضرا، فضلا عن هشاشة الأوضاع الأمنية بسبب الانقلابات المتكررة وانتشار الحركات المسلحة، لذلك هرعت دول الجوار والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، ابتداء برفض الانقلاب ثم محاولة التوسط لتدارك ما يمكن تداركه في حماية أول تجربة انتقال ديمقراطي للسلطة في النيجر.
وتعرض انقلاب الحرس الرئاسي في النيجر إلى سيل من الانتقادات والرفض، أولا لكون الرئيس المعزول يعتبر من أقوى حلفاء الدول الغربية، ثانيا لكون النيجر أحد أهم المعاقل التي تتركز فيها القواعد الغربية، ففرنسا تحتفظ بـ4 قواعد، وأميركا بقاعدة واحدة ووجود أمني كبير، كما تعتبر النيجر مركزا لتدريبات قوات حلف الناتو مؤخرا، فضلا عما تذخر به البلاد من الموارد المعدنية خاصة اليورانيوم الذي تملك النيجر ثاني أكبر احتياطي منه، إضافة إلى الماس والذهب والفحم.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.