الخرطوم- يبدو أن الصراع في العاصمة السودانية الخرطوم بدأ بإغراء “متحفّزين” آخرين، كما يصفهم مراقبون، لتحريك براكين خامدة في ولايات أخرى بالبلاد.
فقد سيطرت الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، على أربعة مواقع في ولاية جنوب كردفان جنوبي السودان. وهو ما بررته الحركة بالرد على مقتل ضابط من قواتها، بينما ذكرت مصادر حكومية أن الحادثة كانت فردية.
ويقول مراقبون إن خطوة الحركة الشعبية جاءت في ظروف بالغة التعقيد في السودان، وسط المعارك الدائرة في العاصمة الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كما أن الحركة موقعة على اتفاق وقف إطلاق نار مع الحكومة السودانية منذ نحو ثلاث سنوات.
استغلال أم “حماية للمواطنين”؟
ويقول مصدر بالحركة الشعبية إن خلافات نشبت بين عسكريين في المنطقة الشرقية لكادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان، وأدت إلى مقتل ضابط برتبة رائد يتبع لقوات الحركة.
ويذكر المصدر للجزيرة نت أن تلك الحادثة دفعت قوات الحركة لبسط سيطرتها على معسكر “كلوقي” التابع للجيش السوداني.
وبحسب المصدر ذاته، فإن إدارات أهلية وأعيانا قَبليين التقوا قادة الجيش السوداني ومسؤولين في الحركة الشعبية بالمنطقة، ونجح مسعاهم في نزع فتيل الأزمة قبل أن تتجدد بعد مقتل سبعة أشخاص من القبائل العربية وسرقة أبقارهم أثناء استعدادهم للعودة من سوق منطقة “كلولو” الأسبوعي.
وقال مصدر آخر طلب عدم ذكر اسمه -للجزيرة نت- إن مقتل الرعاة وسرقة أبقارهم تمّ تحت غطاء مدفعي ثقيل، مما اعتُبر اعتداء عرقيا نفذته قوات الحركة، “بالإشارة إلى تكوينها الذي يغلب عليه عنصر قبائل النوبة الأفريقية”.
وذكر مصدر في الحركة الشعبية أن قواتها استولت على معسكرات دلدكو والتيس وأم شورات واللحيمر. ووفق المصادر المحلية، جرى ذلك دون اشتباكات مع الجيش السوداني.
وفيما نفى مسؤول الحركة ما اعتبره المراقبون “استغلالا من قواته لانشغال الجيش السوداني بالقتال في الخرطوم لتحتل مواقع جديدة وتتمدد في شمال وشرق الولاية”، أكد أن الخطوة جاءت “لحماية المواطنين في المنطقة الملتهبة أصلا”.
ومن جانبه، أقرّ مصدر في الجيش السوداني بسيطرة قوات الحركة على ثلاث مناطق بالولاية، دون تسميتها، لكنه أشار إلى أن تواصلا تم على مستوى عالٍ مع رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، والذي “حث على ضرورة التزام الطرفين باتفاق وقف إطلاق النار الذي ترعاه جوبا”.
سيناريو “متشائم”
ويقول الكاتب والمحلل السياسي عبد الله الشيخ إن ما جرى في ولاية جنوب كردفان كان متوقعا؛ لانشغال الجيش السوداني بالمعارك في الخرطوم.
وبرأي الشيخ، فإن “هذا الانشغال شكّل فراغا كان لا بُد أن تتمدد فيه الحركة الشعبية، خاصة أن المنطقة مشمولة في اتفاق السلام الشامل عام 2005، قبل أن يضاف إليه اتفاقها مع حكومة عبد الله حمدوك على وقف لإطلاق النار يسبق الدخول في مفاوضات لاحقا لتحقيق السلام الشامل في البلاد”.
ويضيف أنه “من المتوقع في مثل هذه الظروف أن توحّد الحركة الولاية، وأن تكون تحت سيطرتها حتى حين”.
ولا يستبعد الشيخ تطور الحرب، وقال “رغم أنه منظور متشائم، فإننا لا ندري كيف يكون الحال في المستقبل القريب”.
ورأى المحلل أن “السيناريو المتشائم” بتقسيم البلاد غير مستبعد فعلا، حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه، و”في ظل التلكؤ الواضح بعدم الوصول إلى تسوية سريعة توقف الحرب من خلال منبر جدّة”.
ويوافق الكاتب الصحفي عز الدين أحمد رؤية الشيخ باعتقاده أن هناك جبهة ستتشكل، ولا يستبعد -في تعليقه للجزيرة نت- أن تتخذ حركات أخرى الاتجاه ذاته بالسيطرة على مناطق تشكو التهميش.
لا أخشى تمدد قوات الجنرال #عبد_العزيز_الحلو في مناطق #جنوب_كردفان العسكرية، ولكن أخشى ما أخشاه تقدم قوات الشفتة #الاثيوبية لإعادة احتلال أراضي #الفشقة خريف هذا العام، لذا ينبغي أن تنتهي هذه الحرب بأعجل ما تيسر ليتفرغ الجميع لحماية حدود وطنهم #السودان من الاقتطاع.#لا_للحرب pic.twitter.com/Gx9tpeWV1Q
— عروة الصادق (@orwaalsadig) June 9, 2023
جرس إنذار
وسبق أن وقّعت الحركة الشعبية بقيادة الحلو مع الحكومة السودانية الانتقالية في مارس/آذار 2020 إعلان مبادئ، قضى بالوقف الشامل لإطلاق النار مع القوات المسلحة السودانية، تم برعاية رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت.
وبرأي الخبير القانوني المعز حضرة -في حديثه للجزيرة نت- فإن الحركة الشعبية استغلت فراغ سحب عدد من القوات المسلحة من جنوب كردفان إلى الخرطوم، لتوسّع رقعة وجودها دون احترام لما وقّعته في السابق من تعهدات بوقف إطلاق النار بينها والجيش السوداني.
وتدقّ الحادثة الأخيرة -وفق مراقبين- جرس إنذار لكافة الأطراف السودانية، بأن مستقبلا غامضا بدأ يلوح حول مصير بلادهم بعد المعارك المدمرة التي تجري حاليا في العاصمة المثلثة (الخرطوم وأم درمان وبحري).
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.