المركبات المسيرة الروسية.. هكذا تحولت حرب أوكرانيا إلى مختبر لأسلحة الذكاء الاصطناعي


الروبوتات القاتلة أو “روبوتات الذبح” هي أنظمة روبوتية مستقلة قادرة على تحديد الأهداف ومهاجمتها دون تدخل من العامل البشري. في بعض هذه الأنظمة، يُعطى الأمر الأولي للهجوم بشريا، لكن بعد هذا الأمر الأولي يتمتع الروبوت بدرجة من “الاختيار” المستقل للعمل، وتُختبر حاليا بعض الأنظمة الأخرى التي يُمكنها العمل دون الاحتياج إلى التدخل البشري مُطلقا في العديد من البلدان.

في عام 2022، عقدت الأمم المتحدة اجتماعا، على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، تناقش خلاله استخدام أنظمة الأسلحة المستقلة، أو ما يُعرف عادة باسم “الروبوتات القاتلة”، وهي أسلحة مبرمجة للعثور بدقة على فئة مُحددة من الأهداف، ويُمكنها بكفاءة تحديد ومهاجمة الهدف سواء كان بشرا أو غيره، مع سيطرة بشرية قليلة على القرارات التي يتخذها الروبوت القاتل. لكن روسيا عملت على إبطاء هذه المناقشات، التي كانت من الأساس بطيئة بالفعل، نظرا لقدراتها المُحتملة في هذا المجال.

يقول برانكا ماريجان، وهو باحث متخصص في الآثار العسكرية والأمنية للتكنولوجيات الناشئة، عبر مقال نشره في مجلة “ساينتفيك أميركان” (Scientific American): “لقد كنت أتتبع خطوات تطوير الأسلحة المستقلة، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وحضرت مناقشات الأمم المتحدة حول هذه القضية لأكثر من سبع سنوات. يمكن القول هنا إن “الغزو الروسي أصبح حالة اختبار مؤسفة” للكيفية التي ستكون عليها الحروب إذا استمر استخدام ودمج الذكاء الاصطناعي (AI) في الأسلحة، وهو الأمر الذي من المرجح أن يستمر بالفعل”.

يُشير ماريجان إلى أن التكنولوجيا الكامنة وراء بعض أنظمة الأسلحة المستقلة هذه لا تزال غير ناضجة وعُرضة للخطأ، وهناك القليل من الوضوح حول كيفية عمل هذه الأنظمة وكيفية اتخاذها للقرارات. قد تضرب بعض هذه الأسلحة أهدافا خاطئة، وقد تؤدي الضغوط التنافسية إلى دفع المزيد من الأنظمة “غير الجاهزة” للمشاركة في ساحات المعارك.(1)

تهديد غير مسبوق للبشرية

التقدم التكنولوجي أدى إلى ظهور آلات لديها القدرة على إزهاق أرواح البشر دون سيطرة الإنسان، وهذا يُمثل تهديدا “غير مسبوق” للبشرية. (رويترز)

حتى وقت قريب، كان استخدام الذكاء الاصطناعي مقصورا على الحرب الإلكترونية، التي تشمل هجمات البرامج الضارة أو انتحال هويات المسؤولين في الحكومات من أجل الوصول إلى البنية التحتية الحيوية، مثل الشبكات الكهربائية أو الأنظمة المالية والبنكية. لكن القوى العظمى لم تكتفِ بهذا، وهي تستخدم الذكاء الاصطناعي اليوم لتطوير أسلحة مدمرة جسديا.(1)

تُخبرنا ورقة بحثية نُشرت العام الجاري تحت عنوان “تسليح الذكاء الاصطناعي.. ما يحتاج الناس لمعرفته” أن التقدم التكنولوجي أدى إلى ظهور آلات لديها القدرة على إزهاق أرواح البشر دون سيطرة الإنسان. تصف الورقة هذا الأمر بأنه يُمثل تهديدا “غير مسبوق” للبشرية، وهي تبدأ بذكر مثال الأسلحة الكيميائية، المحظورة الآن في جميع أنحاء العالم بموجب بروتوكول جنيف، لتوضح كيف أن التطور التكنولوجي الذي كان يهدف في البداية إلى مصلحة البشرية قد أنتج، في نهاية المطاف، ما يسمى الآن “تسليح الذكاء الاصطناعي” (AI).

أحد أشكال تسليح الذكاء الاصطناعي هو “بنادق الاستشعار الثابتة المستقلة” (Autonomous stationary sentry guns)، ويمكن تعريف هذه البنادق بأنها سلاح بعيد يتم توجيهه وإطلاقه تلقائيا على الأهداف التي تكتشفها أجهزة الاستشعار، وهو نوع من الأسلحة الدفاعية يُستخدم لاكتشاف وتدمير الصواريخ قصيرة المدى وطائرات العدو. وتُعرف بندقية الاستشعار الأولى من نوعها التي تحتوي على نظام متكامل من الذكاء الاصطناعي يتضمن المراقبة والتتبع وإطلاق النار والتعرف على الصوت باسم “SGR-A1″، وقد طورتها كوريا الجنوبية بهدف مساعدة القوات المسلحة في البلاد في معاركها.

أيضا من أشكال تسليح الذكاء الاصطناعي الأخرى الروبوتات القاتلة، وهي أنظمة روبوتية مستقلة قادرة على تحديد الأهداف ومهاجمتها دون تدخل بشري. في بعض هذه الأنظمة، يُعطى الأمر الأولي للهجوم بشريا، لكن بعد هذا الأمر الأولي يتمتع الروبوت بدرجة من “الاختيار” المستقل للعمل، وتُختبر حاليا بعض الأنظمة الأخرى التي يُمكنها العمل دون الاحتياج للتدخل البشري مُطلقا في العديد من البلدان. خلال هذه الأنظمة، يتم تفويض قرار نشر القوة العسكرية وبدء القتال إلى “آلة”، وهو تطور من شأنه أن يغير شكل الحرب في المستقبل تغييرا جذريا. (2) (3)

“روبوت” يتخذ قرار الحرب النووية

لكن هناك ما هو أهم من السلاح وقدراته في الحقيقة، وهو القرار باستخدام السلاح، يمكن للبرامج التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أن تقود القوى الكبرى إلى تقليص فترة اتخاذ القرار إلى دقائق بدلا من ساعات أو أيام. في المستقبل، قد تعتمد هذه الدول كثيرا على التقييمات الإستراتيجية والتكتيكية للذكاء الاصطناعي، حتى عندما يتعلق الأمر بالحرب النووية.

يوضح هربرت لين، خبير الأمن السيبراني الذي يعمل في مجلس العلوم والأمن في الولايات المتحدة، أن الخطر هنا يكمن في أن صانعي القرار يمكن أن يعتمدوا تدريجيا على الذكاء الاصطناعي الجديد جزءا من القيادة العسكرية والسيطرة على الأسلحة، لأنه يعمل بسرعة أكبر بكثير مما يستطيع البشر القيام به.(4)

كتاب “الذكاء الاصطناعي والقنبلة” للكاتب جيمس جونسون (مواقع التواصل)

خلال كتاب نُشر هذا العام بعنوان: “الذكاء الاصطناعي والقنبلة”، حاول الكاتب جيمس جونسون من جامعة أبردين في بريطانيا تقديم صورة تخيلية عن نشأة حرب نووية عرضية في بحر الصين الشرقي في عام 2025، هذه الحرب قائمة بالكامل على المعلومات الاستخبارية المدعومة بالذكاء الاصطناعي بين الجانبين الأميركي والصيني، بالإضافة إلى كونها مُدارة بواسطة الروبوتات المزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي وعمليات التزييف العميق. هذا التصور قد لا يكون خياليا أو بعيدا عن الواقع بعد النظر في جهود الدول لدعم وتعزيز دمج الذكاء الاصطناعي في تسليحها.(5)

هنا يلفت لين إلى أنه عندما يبدأ الناس في الاعتقاد بأن الآلات تفكر بشكل صحيح ودقيق ويثقون بها تماما، فمن المرجح، في هذه الحالة، أن تفعل الآلات أشياء مجنونة. توضح رابطة الحدّ من الأسلحة أن الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجديدة الأخرى، مثل الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، قد تؤدي إلى “عدم وضوح التمييز بين الهجوم التقليدي والنووي”، هذا بخلاف أن التدافع على استغلال التقنيات الناشئة وتوجيهها للاستخدام العسكري قد تسارع بوتيرة أسرع بكثير من الجهود المبذولة لتقييم المخاطر التي تُشكِّلها ووضع قيود على استخدامها.

مثلا، في الوقت الذي تقوم فيه وزارة الدفاع الأميركية بتحديث توجيهاتها بشأن أنظمة الأسلحة التي تنطوي على استخدام الذكاء الاصطناعي، قائلة إنه يجب استخدام بعض الأحكام البشرية على الأقل في تطوير ونشر أنظمة الأسلحة المستقلة، يقوم البنتاغون في الآن نفسه بتجربة دمج الذكاء الاصطناعي في عملية صنع القرار في جميع فروع الخدمة العسكرية وأوامر القتال المتعددة. هذا بالإضافة إلى قيام إدارة بايدن بقمع وتقليل صادرات التكنولوجيا الفائقة إلى الصين، وخاصة أشباه الموصلات المتقدمة، من أجل الحفاظ على الريادة الأميركية الحالية في الذكاء الاصطناعي.(4)

الذكاء الاصطناعي والمسيرات

لا شيء في عالم الحرب يظهر فيه التأثير المتزايد للذكاء الاصطناعي أكثر من الطائرات المسيرة. “المسيرات” أو “الدرونز” هي طائرات يتم تسييرها دون طيار، تأتي بأحجام وأشكال مختلفة، تتراوح من الأجهزة المحمولة الصغيرة إلى الطائرات الكبيرة ذات الأجنحة الثابتة.(6) (7) وحاليا، أدى دمج الذكاء الاصطناعي في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار إلى فتح الباب لزيادة إمكانيات هذه الطائرات بصورة غير مسبوقة.

يعتمد الذكاء الاصطناعي على ما يُعرف باسم “التعلم الآلي” الذي يستخدم خوارزميات معقدة للتعرف على أنماط البيانات تلقائيا، ثم يقوم بتطبيق ما تعلمه لاتخاذ قرارات أفضل وأكثر موثوقية. يعمل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بشكل متوازٍ، ويعالجان كميات هائلة من البيانات، ويجريان حسابات معقدة.(8)

حتى وقت قريب، كانت الطائرات بدون طيار قادرة فقط على عرض ما التقطته كاميراتها. الآن، بفضل الذكاء الاصطناعي، يمكنها إدراك ما يحيط بها، ما يُمكِّنها من تحديد المناطق وتتبع الكائنات وتقديم ملاحظات تحليلية في الوقت الفعلي.(9) توضح مجلة “Analytics Insight” أنه يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تمكين الطائرات بدون طيار من الطيران بشكل مستقل دون الحاجة إلى تدخل بشري. تُمكِّن هذه الاستقلالية المسيرات من تغطية مناطق أكبر وأداء المهام بشكل أكثر كفاءة. يمكن أيضا استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات التي تجمعها الطائرات بدون طيار، وتمكينها من اتخاذ قرارات أكثر استنارة.

الولايات المتحدة وحلفاءها يستخدمون الطائرات بدون طيار لضرب أهداف “استباقية”، يُنظر إليهم على أنهم قد يُشكلون تهديدا محتملا في وقت ما في المستقبل. (غيتي)

لا تقف الأمور عند هذا الحد. خلال تقرير نُشرته مجلة “نيوزويك” عام 2016، يوضح الكاتب كيفن ماني أن الدمج بين الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار يمكن أن يجعل الدرونز تحكم العالم. (10) بعد نحو 7 أعوام من مقال ماني، تحديدا في شهر فبراير/شباط من العام الجاري، نشرت المجلة نفسها تقريرا يشير إلى أن الولايات المتحدة تقوم بتطوير مسيرات تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكنها استخدام تقنية التعرف على الوجه للكشف عن وجوه الأهداف بدقة. (11)

يقول مايك رايدر، محاضر التسويق والروبوتات والذكاء الاصطناعي والحرب والأخلاق وباحث الدرونز في جامعة لانكستر في المملكة المتحدة، لـ”نيوزويك”: “المعضلة الأخلاقية الرئيسية هنا هي أن الولايات المتحدة وحلفاءها يستخدمون الطائرات بدون طيار لضرب أهداف “استباقية”، أي اغتيال أو قتل أشخاص مُحددين، يُنظر إليهم على أنهم قد يُشكلون تهديدا محتملا في وقت ما في المستقبل. تعمل هذه الضربات على افتراض أن الشخص المُراقَب لديه القدرة على تنفيذ جرم ما في المستقبل، رغم أنه ربما لم يفعل أي شيء لحظة استهدافه بالدرونز المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي”.

الدبابة الروبوت

ومن الطائرات إلى المركبات، حيث حققت روسيا بالفعل تطورات مهمة في صناعة المركبات المستقلة، المُزودة بالذكاء الاصطناعي، وهي آلات يمكن أن تعمل بدون مشغلين بشريين. في عام 2021، أثارت هذه المركبات الروبوتية الروسية الإعجاب في مناورات زاباد الحربية، وهي واحدة من أكبر المناورات العسكرية الروسية منذ الحرب الباردة. خلال المناورة، انطلقت مركبات “Uran-9” التي يراها الخبراء خطوة مهمة في سعي روسيا لتطوير وحدة عسكرية فعالة من الروبوتات بالكامل.(12)

سابقا، كانت الدبابات تُعَدُّ سيدة المعارك البرية، تتميز الدبابات أو المركبات المدرعة في المعارك البرية بخفة الحركة، وقوة الدروع، وقوة النيران الموجهة، وقدرة أعلى على المناورة. يُعَدُّ المدفع ذو العيار الكبير سلاح الدبابة الأساسي، إضافة إلى بعض الأسلحة الفرعية مثل الرشاشات وقنابل الدخان.(13) فماذا بعد إضافة الذكاء الاصطناعي إلى هذه الساحة؟

عموما، تأتي جاذبية الروبوتات القتالية من كونها غير مأهولة، ولا تحتاج إلى العنصر البشري مباشرة لإدارتها وتوجيهها، لأنه يمكن التحكم فيها عن بُعد. توضح مؤسسة “راند” (RAND)، وهي هيئة بحثية ممولة من الجيش الأميركي، أن استخدام القادة البشريين للمركبات القتالية الروبوتية أو “RCVs” في المعركة سيكون من خلال واحد من طريقين؛ أحد هذين الطريقين هو المركبات الروبوتية التي يُتحكَّم فيها عن بُعد بواسطة مشغلين بشريين، أما الطريق الآخر، الذي توقعت المؤسسة بدء استخدامه في 2030، فيتمثل في إنشاء وحدات “RCVs” ذاتية التحكم بالكامل، يشغلها الذكاء الاصطناعي.(14)

تحاول الحكومات التي تُصنِّع هذا النوع من المركبات خفض تكلفة إنتاجها، لكن النجاحات في هذا الأمر لا تزال محدودة. ورغم ارتفاع تكلفة المركبات الروبوتية، فإن روسيا قامت في فبراير/شباط الماضي بنشر مركبات روبوتية جديدة في شرق أوكرانيا في محاولة لمواجهة تهديد دبابات “ليوبارد 2” ألمانية الصنع. المركبات التي نشرتها روسيا هي أنظمة المركبات الروبوتية “ماركر” (Marker) غير المأهولة والمسلحة بمدافع رشاشة 7.62 ملم وصواريخ مضادة للدبابات، كما يمكن استخدامها لحمل الطائرات العسكرية بدون طيار والتحكم فيها.

خلال تصريحات صحفية، قال دميتري روغوزين، رئيس الفرقة الخاصة من المستشارين العسكريين الروسيين المعروفة باسم “ذئاب القيصر”، إن مركبات “ماركر” ستكون بمنزلة “صائدي دبابات ليوبارد”. ويوضح الأمر قائلا: “ماركر يُمكنها تحديد معدات العدو تلقائيا، مثلا، بمجرد استخدام القوات الأوكرانية لدبابات أبرامز ودبابات ليوبارد، ستتمكن ماركر، من خلال البيانات المزودة بها، من تحديد واكتشاف وضرب هذه الدبابات تلقائيا باستخدام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات”.(15)

في النهاية، يمكن اعتبار أن الحرب الروسية الأوكرانية قد قدّمت تطبيقا عمليا على بعض استخدامات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحروب، فبخلاف استخدام المركبات الروبوتية، أفادت بعض الأخبار بأن أوكرانيا تستخدم برامج “التعرّف على الوجه” للكشف عن المهاجمين الروس والتعرّف على الأوكرانيين الذين قُتلوا في الحرب الجارية. استخدام هذه التقنية في الحرب هو أمر جدير بلفت الانتباه إلى حدٍّ كبير، لأنها أحد الاستخدامات القليلة الموثقة للذكاء الاصطناعي في الصراع حتى الآن.

________________________________________

المصادر:




اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post يكثف البحث قبل نفاد إمدادات الأكسجين
Next post النظام المالي العالمي أصبح غير عادل وفشل في حماية الدول الأكثر فقراً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading