شمال سوريا- بات العمل المتنقل في إدلب شمال غربي سوريا ظاهرة رائجة بشكل واسع للباحثين عن مصادر الرزق من أصحاب المشاريع الصغيرة، وأسلوب حياة جديد للعديد من أصحاب المهن والحرف الذين أجبرتهم ظروف الحياة على التكيف مع الوضع المعيشي الصعب.
بسبب غلاء أسعار إيجارات المحال التجارية في شمال غربي سوريا، وعدم قدرة السكان على إطلاق مشاريعهم التجارية الخاصة، جعل الكثيرون سياراتهم وعرباتهم المتنقلة مركزا لممارسة مهنتهم التي تؤمن مصاريف الحياة اليومية.
حلويات فرنسية في سيارة إسعاف
بعد جهد وتعب كبيرين، نجح النازح السوري ستيف السقا في افتتاح مشروعه الخاص في مدينة إدلب بتحويل سيارة إسعاف قديمة إلى متجر لبيع الحلويات والمعجنات الفرنسية، في منطقة يبحث فيها الأهالي عن رغيف الخبز قبل الحلوى.
وستيف السقا (37 عاماً) القادم من دمشق إلى شمال سوريا يمتلك خبرة واسعة في صناعة الحلويات الغربية، حملها معه إلى مكان النزوح، ليقدم أصنافاً غير مألوفة من المعجنات لسكان المنطقة.
يقول السقا -في حديث للجزيرة نت- إن فكرة المشروع تولدت لديه بعد أن شاهد تسجيلات مصورة على تطبيق يوتيوب، لمشاريع ناجحة عن عمل متنقل في مجال تقديم الحلويات ووجبات الطعام عبر السيارات والعربات المتنقلة.
وما دفع السقا إلى اتخاذ سيارة الإسعاف مركزاً للعمل هو ارتفاع إيجارات المحال التجارية إلى أرقام “خيالية” كما يصفها، إذ يبلغ الإيجار الشهري للمحل ما بين 400 إلى 500 دولار، وهو رقم لا طاقة له على تأمينه.
ويشير صانع الحلويات الثلاثيني إلى أنه واجه صعوبات أثناء بناء مشروعه المتواضعة تتعلق بتجهيز السيارة وإضافة الفرن وأدوات عمل المعجنات والحلويات ضمن حيز مكاني ضيق للغاية، فضلاً عن إمكانية عرض المنتجات للزبائن.
وعن الإقبال على الحلويات الغربية التي يقدمها السقا، أكد أن الأهالي كانوا حذرين في البداية من شراء هذه الأصناف غير المتداولة في المنطقة، لكن تجارب البعض شجعتهم على الإقبال والشراء مجدداً.
ووفق السقا، فإن عمله يؤمن له مصدر دخل لمصاريف الحياة اليومية من الطعام والشراب، ويجد فيه متعة خاصة، رغم العقبات التي تقف أمامه، من أبرزها التمويل والتنقل بالسيارة المثقلة بالتجهيزات من مكان إلى آخر.
مطعم متنقل
ومثل السقا، يجتهد أحمد السعيد، في صناعة سندويش الكبة المقلية لأحد الزبائن عبر عربة صغيرة أصبحت أشبه بالمطعم الصغير المتنقل الذي يقدم الوجبات الساخنة من الأكلة الحلبية الشهيرة.
في إحدى زاويا الطرقات يقبل السكان على شراء سندويشات الكبة معتدلة الثمن قياساً بغيرها من الوجبات السريعة، حيث يقدم الشاب القادم من حلب هذه الشطيرة التي يضيف إليها الطماطم والتوابل الخاصة، مع كأس بارد من العيران.
يقول السعيد إن من شبه المستحيل الحصول على دكان صغيرة في شمال غرب سوريا، لأن الأسعار واكبت التضخم الهائل، وبات استئجار محل يتطلب رأس مال كبير ومشروع تجاري شبه مضمون تفادياً للخسارة المادية.
ويشير السعيد -في حديث للجزيرة نت- إلى أن العمل المتنقل يوفر عليه مصاريف كبيرة متعلقة بالإيجار والضرائب وتجهيزات المطعم من طاولات وكراسي وأوان وغيرها.
الأسماك الجوالة
وخلافا للاستثمار في مشاريع الطعام والشراب، فإن عبد العزيز العلي، اختار مهنة بيع سمك الزينة والعصافير على عربة خشبية صغيرة وسط إدلب، جاذبا الأنظار إلى أحواضه الزجاجية التي تسبح فيها أسماكه الملونة.
وحول عربة العلي يتحلق العديد من الأطفال والفتية وهم يراقبون بشغف وحب الأسماك الصغيرة التي تشق طريقها في الماء، في حين يقطع هدوء المكان هدير الطيران الحربي الذي يهدد البشر والأسماك بالموت.
ويقول العلي -في حديث للجزيرة نت- إن عمله يعتمد على رأس مال ضئيل من المال مقابل أرباح ضئيلة أيضا بالكاد تسد الرمق، في ظل غلاء المعيشة ومكافحة السكان في إدلب للبقاء على قيد الحياة.
لكن العمل قد لا يحتاج حتى العربة أو الأدوات الثقيلة، إذ يلجأ العشرات من الشبان والأطفال في سن التعليم الأساسي إلى حمل سطل وقطع قماش، لأجل العمل في غسل السيارات، متنقلين بين حواري وأزقة المدينة، بحثا عن الزبائن مقابل مبلغ بسيط يُجلب به الخبز والخضار.
في إدلب تبدو الأعمال المتنقلة أسلوب حياة مرتبطا بالنزوح والتنقل، إذ يتشابه الأمران في الحركة والارتحال نحو الأمان والرزق الذي بات عزيزا على سكان سوريا التي أنهكتها الحرب.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.