الصين شريك وروسيا أكبر مهدد.. هذه تفاصيل أول إستراتيجية ألمانية للأمن القومي | سياسة


برلين ـ في خطوة تهدف إلى إعطاء انطباع بوحدة أطراف الائتلاف الحكومي، سار المستشار الألماني أولاف شولتز برفقة وزراء الدفاع والخارجية والداخلية والمالية إلى “دار الصحافة” مشيا على الأقدام ليعلن عن إستراتيجية للأمن القومي هي الأولى من نوعها في ألمانيا.

ومع بداية المؤتمر الصحفي لخص المستشار الألماني هذه الإستراتيجية المنتظرة منذ أكثر من عام بالقول إن ألمانيا “قوية” وحكومتها تريد اليوم تقديم إستراتيجية أمنية تقوم على 3 أسس: “التكامل، والمرونة، والاستدامة”.

ويعدّ التكامل جوهر هذه الإستراتيجية المكونة من 80 صفحة ويهدف إلى حزم جميع الملفات والموارد المهمة من الناحية الأمنية في سلة واحدة، وذلك يعني توديع ألمانيا واحدة من أهم آليات اتخاذ القرارات التي تستند إلى تقاسم المهام والصلاحيات بين الوزارات المعنية بالشؤون الأمنية وتتعرض لانتقادات دائمة لأنها تؤخر اتخاذ القرارات تحديدا في هذه الأوقات المضطربة.

وتستهدف حكومة برلين من خلال استخدام مصطلح المرونة قدرة جميع الجهات الألمانية المتكاملة على حماية “النظام الديمقراطي من التأثيرات الخارجية”، بينما تؤكد من خلال استخدام مصطلح الاستدامة ضرورة محاربة التغيرات المناخية وتحييد جميع المخاطر الأمنية التي تشكلها هذه التغيرات على أمن المواطنين في ألمانيا.

German Chancellor Olaf Scholz (R) speaks during a press conference with German Foreign Minister Annalena Baerbock (C) and German Finance Minister Christian Lindner on June 14, 2023 to present the German government's national security strategy for the country (Photo by MICHELE TANTUSSI / AFP)
شولتز أكد أن الإستراتيجية الأمنية تقوم على 3 أسس رئيسية (الفرنسية)

إستراتيجية “غير ناضجة”

قال الخبير الأمني ومدير مؤسسة “تحالف الديمقراطيات” أولاف بونكه -للجزيرة نت- إن الحكومة الألمانية قامت بخطوة كبيرة على طريق اللحاق بركب البلدان الكبيرة، مضيفا أن ألمانيا اعتمدت حتى اليوم بخصوص الاستجابة للتحديات الأمنية على الشركاء الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، وبهذه الإستراتيجية تكون قد وضعت الأمن القومي على رأس سلم أولوياتها.

مدير مؤسسة بلان فور ريسك الأمنية (Plan4Risk) مالته روشينسكي لا يقلل من أهمية الإستراتيجية، ولكنه يقول -في حديث مع الجزيرة نت- إن مشكلتها الرئيسية تكمن في أنها “غير واضحة” ولا يريد القول إنها فاشلة، ولهذا يفضل وصفها “بغير الناضجة لأنها تبقي ألمانيا خلف أمم غربية أخرى لا سيما فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة”.

وأضاف أن الإستراتيجية تعكس مزاج المجتمع الألماني بخصوص المفاهيم الأمنية الحساسة، مشددا على ضرورة أن تتضمن الإستراتيجية محاربة جذور الحروب والأزمات.

ولفت إلى محاور مهمة تفتقدها الإستراتيجية، فضلا عن أن الحكومة لم تحدد مناطق الأزمات والحروب، مشيرا إلى أن آسيا مثلا لا تمثل أولوية لأمن ألمانيا، بالإضافة إلى ضرورة أن تراعي ألمانيا “القدرات المحدودة لجيشها” وتأمين الموارد المالية والبشرية لتطبيق الشق المتعلق بدور ألمانيا العسكري في مناطق الأزمات.

وعن دور أجهزة المخابرات الثلاثة في “الخارجية والداخلية والعسكرية” في مهمة تطبيق الإستراتيجية، يقول روشينسكي إن التطرق إلى ضرورة التعاون بين الأجهزة الثلاثة “أمر ضروري ومهم، ولكن الأهم من ذلك هو إقرار هذه الإستراتيجية بضرورة استحداث قسم تحليل معلومات يأخذ على عاتقه توفير الإطار النظري لأنشطة المخابرات الألمانية.

روسيا “أكبر تهديد”

وتؤكد هذه الإستراتيجية على جميع التزامات ألمانيا وجيشها سواء تعلق الموضوع بالمادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أي مادة الدفاع المشترك أو بالمادة رقم 42 في اتفاقية “ماستريخت” التي تنص أيضا على اشتراك جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على الدفاع عن بعضها بعضا، وكذلك بالمادة الرابعة من اتفاق “آخن” التي تؤكد مساندة ألمانيا للحليف الفرنسي.

ولكن اللافت هو النص المتعلق بروسيا والصين، ففي وقت تعتبر فيه هذه الإستراتيجية أن “روسيا تمثل على المدى المنظور أكبر تهديد مباشر للسلام والأمن في أوروبا” تعرف الصين بأنها “شريك” و”خصم منهجي” في آن واحد، علما بأنها لا تفصّل كثيرا في علاقة ألمانيا مع الصين لأن حكومة شولتز تحضر لإستراتيجية صينية منفصلة من المقرر تقديمها في الأشهر المقبلة.

ويرجح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة برلين الحرة كرِستيان توشهوف عدم تبنّي هذه الإستراتيجية لهجة تصعيدية تجاه الصين لأسباب تجارية ولحاجة المجتمع الدولي لبكين في حلحلة قضايا دولية عالقة مثل أزمة المناخ.

ويقول توشهوف -في حديث مع الجزيرة نت- إنه في وقت ردت فيه ألمانيا على “العدوان الروسي على أوكرانيا بأحقية اعتبار روسيا قوة إمبريالية تشكل أكبر تهديد للأمن الأوروبي و”دولة خارجة عن القانون الدولي”، جاء النص الخاص بالصين أكثر اعتدالا ويقر بالحاجة إلى الصين كشريك تجاري ولاعب دولي مهم لا غنى عنه من أجل التوصل إلى حلول لأزمات مختلفة.

استقرار في الشرق الأوسط

صحيح أن هذه الإستراتيجية لا تذكر إلا روسيا والصين بالاسم إلا أن إجراء قراءة بين سطورها يشير إلى أنها تعكس تحولا بدأ منذ مدة في أولويات السياسة الأمنية الألمانية، من محاربة الإرهاب والتدخلات العسكرية والمهام الخارجية للجيش الألماني نحو التركيز على محاربة الإرهاب وقائيا وعلى الصراعات بين الدول.

وحسب هانَا فايفر أستاذة العلوم السياسية المتخصصة في شؤون مكافحة الإرهاب في جامعة “غوته” بمدينة فرانكفورت، فإن نظرة ألمانيا الأمنية إلى العلاقة مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “متأثرة بمنظور ينطلق من ضرورة الحفاظ على استقرار هذه الدول.

وأضافت أن هذا المنظور يقوم على محورين أساسيين: الأول يركز على اعتبار هذه الدول شريكا يمكن الاعتماد عليه على المستويين القريب والمتوسط بخصوص تأمين بدائل لمواد الطاقة الروسية حتى إنجاز عملية الانتقال من الاعتماد على الطاقات الأحفورية إلى الطاقات البديلة، والثاني يتعلق بمراقبة وإدارة موجات اللجوء.

وتضيف الخبيرة أن هذا يعني فعليا أن استقرار دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “يمثل أولوية” للإستراتيجية الأمنية الجديدة.

أما بخصوص مكافحة الإرهاب، فإن الخبيرة ترى أن الإستراتيجية “تؤسس لعملية انزياح من استخدام السبل العسكرية لحساب السبل الوقائية التي تشمل الوسائل الاجتماعية والمدنية والشرطية والمخابراتية”.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post البث الكامل للأخبار الليلية (15 يونيو)
Next post بعمر 83.. آل باتشينو يرزق بطفل من صديقته الكويتية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading