الخرطوم – يلقي الصراع المسلح الذي اندلع منذ منتصف الشهر الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان، بآثاره القوية على مجمل الأوضاع في هذا البلد الذي يرزح منذ سنوات تحت أزمة اقتصادية خانقة.
وتمتد تأثيرات الصراع إلى صادرات السودان مع تراجع الإنتاج الزراعي بشكل عام جراء سياسات الحكومة غير المحفزة، وارتفاع تكلفة الإنتاج جراء الزيادات المضطردة في أسعار الوقود.
ومع تمدد رقعة الاشتباكات المسلحة إلى ولايات كردفان ودارفور ومناطق أخرى، تتزايد المخاوف من الأثر السيئ على محصول الصمغ العربي البالغ الأهمية للعديد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية تعتمد عليه بشكل أساسي في صناعات المشروبات الغازية والأدوية والحلويات.
وينتج السودان 80% من إجمالي الإنتاج العالمي من الصمغ العربي، ويعمل في هذا القطاع أكثر من 5 ملايين نسمة في 13 ولاية مختلفة، ويحتل حزامه في السودان مساحة تبلغ 500 ألف كيلومتر.
وعلى الرغم من كون الصمغ العربي ثروة مهمة، فإن الحكومات المتعاقبة في السودان تجاهلت تطوير إنتاجه، في حين تم تهريب القسم الأكبر من الإنتاج إلى دول الجوار المتاخمة للحدود الغربية، وسط شكاوى المنتجين من تدني العائد مقارنة بالجهد المبذول في الحصاد، الذي يتم في العادة خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام وسط ظروف قاسية.
وفي مقابل تجاهل الحكومات السودانية لتطوير صناعة الصمغ، تظهر الولايات المتحدة وشركات غربية عديدة اهتمامها بهذا المنتج، حيث أعفته واشنطن من العقوبات التي فرضت على السودان لنحو 20 عاما في سياق خلافات الإدارة الأميركية مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وسمحت بتصديره بتسهيلات كبيرة لأنه مادة أساسية لصناعة المشروبات الغازية ويدخل في تركيب أنواع عديدة من العقاقير الطبية، علاوة على صناعة الحلويات.
مشاكل التعبئة والتصنيع
ويعاني منتجو الصمغ -وغالبيتهم من النساء- من صعوبات في تسويق أطنان منه بعد موسم حصاد شاق، حيث تغطي قيمة المبيع منه بالكاد تكلفة الإنتاج دون ربح تقريبا. ويباع القنطار (100 كيلوغرام) من الصمغ العربي بما يتراوح بين 35 و40 ألف جنيه سوداني (حوالي 80 دولارا)، ويباع الطن منه في المزرعة بقيمة 700 دولار، لكن المصدرين يبيعونه بحوالي 2600 دولار بعد تجهيزه ودفع الرسوم.
وبسبب تهريب كميات ضخمة من الصمغ إلى دول أفريقيا الوسطى وتشاد ومصر، يعتبر العائد من الصمغ زهيدا للغاية في الموازنة العامة، حيث لا يتعدى 3.4% من الناتج المحلي.
ولم تتجاوز عائدات تصدير الصمغ العربي، وفق إحصائيات بنك السودان المركزي منذ 2009، أكثر من 350 مليون دولار سنويا.
ويؤكد أستاذ الدراسات التجارية والمحلل الاقتصادي الدكتور عبد العظيم المهل، في حديث للجزيرة نت، أن الصمغ العربي -الذي يحتكر السودان إنتاجه- له أهمية كبيرة في 100 صناعة مختلفة.
ويشير إلى أن العائد منه يبلغ ما بين 150 و300 مليون دولار سنويا، معتبرا أن هذا الرقم لا يتناسب مع حجم الصمغ العربي وأهميته وتعدد استخداماته.
ويؤكد المهل أن كميات كبيرة من المحصول تهرب إلى دولة تشاد وبعض دول الجوار الأخرى، ثم تشحن إلى فرنسا التي تعيد تعبئته وتصديره للولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى بمليارات الدولارات.
وتابع “للأسف لا توجد في السودان مصانع تعبئة لمنح قيمة مضافة لصناعة الصمغ، حيث يصدر حاليا في أكياس مهترئة وبتعبئة سيئة للغاية، ولا توجد خطط لتطويره أو تسويقه، وتتم تعبئته بطريقة الأجداد نفسه منذ آلاف السنين”.
لا بديل للصمغ العربي
ويؤكد الخبير الاقتصادي أنه لا بديل للصمغ العربي في العالم، لذلك تم استثناؤه من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على السودان في التسعينيات لكونه سلعة إستراتيجية لأميركا، حيث يدخل في صناعة المشروبات الغازية، بالإضافة إلى حوالي 100 صناعة أخرى.
ويؤكد المهل أن الصمغ العربي قادر لوحده على النهوض باقتصاد السودان، إذا تم تطويره ومنحت له قيمة مضافة عن طريق الصناعة والتغليف والتعبئة.
وأشار إلى إمكانية استفادة السودان من مبادرة المملكة العربية السعودية بزراعة 50 مليار شجرة، وتبني زراعة 10 مليارات شجرة صمغ عن طريق نثر البذور بالطائرات في بداية فصل الخريف بتكلفة متدنية جدا.
بدوره قال المحلل والمتخصص في شؤون الاقتصاد السوداني الدكتور هيثم محمد فتحي، في حديث للجزيرة نت، إن الولايات المتحدة الأميركية تستورد 70% من الكميات التي ينتجها السودان، مضيفا أن جزءا منها يصل مباشرة من السودان والباقي يتم استيراده بعد إعادة إنتاجه في دول أوروبية.
ورغم وقوع حزام الصمغ العربي في دائرة الاشتباكات العنيفة التي تدور حاليا بين الجيش وقوات الدعم السريع في ولايات دارفور وشمال كردفان، التي تعد الأكبر في الإنتاج، يستبعد فتحي تأثير الصراع المسلح على التصدير لسهولة استمرار الحصول على كميات إضافية منه من المناطق الريفية، وتصديره عبر الميناء والمناطق غير المتأثرة بالصراع.
يذكر أن الصراع المسلح حاليا بعيد عن مناطق الإنتاج، كما أن ميناء بورتسودان ومطارها لا يزالان يعملان، بالإضافة إلى عدد من المنافذ البرية بينها معبر أرقين الرابط بين السودان ومصر.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.