بور تسودان – على غير العادة، تشهد مدينة بورتسودان شرق السودان انتعاشا اقتصاديا بعد أن باتت مقصدا للعابرين والفارين من حرب الجيش والدعم السريع التي اشتعلت في العاصمة الخرطوم منذ منتصف ابريل/نيسان الماضي، وتحولت المدينة إلى مركز إداري بديل للحكومة بانتقال عدد من الوزارات، كما يجري مستثمرين ورجال أعمال ترتيبات لنقل أنشطتهم الى المدينة الساحلية.
ولم تكن المدينة الساحلية مستعدة على مايبدو لمواجهة هذا الزحف الكبير لعشرات الآلاف من العابرين والراغبين في الاستقرار لحين هدوء الأحوال الأمنية في العاصمة، وبدا واضحا أثر الضغط السكاني الكبير على النواحي الاقتصادية والمعيشية اليومية، وانفتحت معه العشرات من فرص العمل الجديدة وهو ما شكل عاملا إيجابيا على الآلاف من ذوي الدخل المحدود.
وبحسب مصادر متطابقة فإن بورتسودان الواقعة على بعد 800 كيلو متر تقريبا من الخرطوم تستضيف حاليا أكثر من عدد سكانها الأصليين والمقدر بنحو مليوني نسمة، خلافا للذين مكثوا فيها لأيام قبل أن تتم عمليات الإجلاء للرعايا الأجانب وللعابرين إلى دول أخرى، حيث مثل الميناء الوحيد حلقة النجاة الوحيدة للراغبين في المغادرة إلى جدة كوجهة أساسية.
وتعد مدينة بورتسودان ثاني أكبر مدن السودان وأكثرها أهمية اقتصادية، حيث تعد البوابة البحرية الكبرى في البلاد.
ورصدت “الجزيرة نت” انتعاشا ملحوظا في الأسواق والمحلات التجارية والمطاعم التي ازدحمت بالرواد على نحو لم تألفه المدينة لأعوام طويلة، حيث كان معظم سكانها يضطرون في مثل هذا الوقت من كل عام لمغادرتها هربا من درجات الحرارة العالية والانقطاع المستمر في التيار الكهربائي مع تعذر الحصول على مياه الشرب.
فرص جديدة
وشهدت الأسعار ارتفاعا لافتا، وخاصة إيجار وشراء العقارات، وسط ندرة ملحوظة في المساكن الخالية وهو ما اضطر بعائلات كثيرة لفتح أبوابها لاستضافة الأهل والأقارب أو من تقطعت بهم السبل، وفي المقابل يتحدث السكان المحليون عن إسهام الضغط السكاني في ابتكار مهن جديدة لم تكن ممكنة في هذا التوقيت من العام كصالونات الحلاقة والغسيل الجاف والوجبات السريعة.
ويتحدث سالم أوهاج وهو صاحب محل تجاري متعدد الأغراض في السوق الكبير عن ارتفاع بائن في معدلات بيع الأطعمة والملبوسات والأدوات الكهربائية، كما يشير إلى أن حرب الخرطوم أنعشت أوضاع بورتسودان بنحو يماثل فصل الشتاء حين تكون وجهة آلاف السودانيين للتمتع بطقسها الممطر، ويضيف “تحول صيف بورتسودان الصعب لأول مرة إلى مكاسب كبيرة”.
وبعد قرار عدد من شركات الطيران السودانية استئناف العمل من مطار بورتسودان، باتت المدينة قبلة للمسافرين الذين أعجزهم إغلاق مطار الخرطوم منذ اندلاع الحرب وذلك رغم ارتفاع كلفة السفر حيث يتحتم عليهم المرور بمطار جدة قبل الانتقال للوجهة المقصودة.
تقول فتحية علي محمد صاحبة وكالة سفر، إن قطاع السفر بالطيران شهد ارتفاع كبيرا في أسعار التذاكر لخطوط الطيران المحددة على شركتي تاركو وبدر، واللتين تعملان على نقل الركاب إلى مدينة جدة السعودية.
وأضافت في حديثها للجزيرة نت أن سعر تذكرة الطيران تضاعف من 300 ألف جنيه (500 دولار) إلى 630 ألف جنيه (بما يتجاوز 1000 دولار)، ورغم الأسعار المرتفعة تقول صاحبة الوكالة أن الإقبال كبير على الحجز بالطيران إلى جدة ومن هناك إلى وجهات أخرى، حيث أن الطيران من مطار بور تسودان محدد حاليا إليها فقط.
استثمارات قادمة
على أمل الهروب من الحرب التي نشبت في الخرطوم، وصل بور تسودان عدد كبير من المستثمرين ورجال الأعمال بعد دمار كبير لحق باستثماراتهم من مصانع ومدخلات إنتاج، لكن غالبهم عدلوا عن المغادرة وقرروا نقل عدد من المصانع إلى بورتسودان لتدور عجلات إنتاجها من جديد.
ويؤكد رئيس شعبة المكاتب العقارية بولاية البحر الأحمر مالك العكام للجزيرة نت أنه استقبل العديد من طلبات المستثمرين بينهم سوريين وسودانيين لمباشرة العمل من بورتسودان التي قال إنها تفتقد للبنى الأساسية من مجمعات سكنية وفنادق وأبراج على الساحل، ويشير إلى أن وجود رجال الأعمال سيساهم في تبديل هذه الأوضاع وبناء مدينة سياحية بمواصفات عالية.
وأكد العكام أن 30% من المصانع ستتحول من الخرطوم إلى ولاية البحر الأحمر، بينها مصنع حافظات مياه وآخر للصابون ومصنع للمياه المعدنية، حيث يشكل عامل الميناء ميزة إضافية مشجعة للمستثمرين، وهو ما يعني -وفقا للعكام- زيادة كبيرة في فرص توظيف العمالة بما يشكل نقلة مهمة للسكان المحليين.
وقال إن البحر الأحمر من الولايات المشجعة على الاستثمار في الاستزراع السمكي والشعب البحرية ويمكن أن تقام بها مصانع لتجفيف وتعليب الأسماك.
وبشأن افتقار ولاية البحر الأحمر لروافع الاستثمار بسبب نقص الكهرباء والمياه، يشير العكام إلى اكتمال المدينة الصناعية جنوب بورتسودان من حيث الكهرباء والشوارع المسفلتة بفضل مجهودات كان بذلها الوالي السابق محمد طاهر ايلا بما يساعد في إقامة عديد من المصانع دون عقبات.
ارتفاع الإيجارات
ويقر العكام بتسجيل إيجارات الشقق أرقاما فلكية بزيادات تصل إلى 60% مقارنة بالسابق، ويعزو الارتفاع الكبير إلى توافد مسؤولي المنظمات والسفارات لبورتسودان ودفع أي مبلغ يطلبه المستأجر، لكن ذلك -كما يقول- أثر على الوافدين العاديين وعجز عدد كبير منهم عن دفع القيمة المطلوبة حيث تتم استضافتهم من جهات خيرية عديدة.
وتتراوح أسعار الإيجارات ما بين 40- 80 ألف جنيه لليوم الواحد (حوالي 80 – 120 دولار تقريبا).
بدوره يقول عمر محمد موسى عضو شعبة المكاتب العقارية إن الحرب في الخرطوم ألقت بآثارها الكبيرة على بورتسودان التي لم تكن مستعدة لاستقبال العدد الكبير من الوافدين والعابرين، وهو ما زاد أسعار الإيجارات لقلة الشقق السكنية مقابل الضغط السكاني العالي، ما اضطر بالجهات ذات الصلة لفتح النوادي والصالات لاستقبال الآلاف لاسيما الأجانب غير القادرين على الوفاء بالقيمة العالية للإيجارات.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.