مما لا شك فيه أن حركة الجهاد الإسلامي قدمت معركة عسكرية وسياسية وإعلامية كبيرة على مدار 5 أيام نالت إعجاب الشارع والمختصين والمتابعين، غير أن ثمة سؤالا يردده كثيرون وهو كيف تمكنت إسرائيل من اغتيال ستة من كبار قادة الجهاد وصناع قرارها العسكري قبل المعركة وخلالها؟!
جاء الاغتيال الأول الذي شمل ثلاثة من القادة الكبار مفاجئا وغادرا من العدو الصهيوني، حيث وجّه ضربة للقائد جهاد الغنام والقائد خليل البهتيني والقائد طارق عز الدين بعد أيام من اتفاق تهدئة رعته جهات دولية عقب تصعيد عسكري خاضته فصائل المقاومة في غزة ردا على استشهاد القيادي في الجهاد خضر عدنان في السجون الإسرائيلية، وكان هؤلاء القادة قد عادوا لممارسة حياتهم شبه الطبيعية بعد تفاهمات وقف إطلاق النار.
استغلت إسرائيل هذا الوضع لتوجيه ضربة عسكرية للقادة الثلاثة في منازلهم، ولا يمكن أن نعتبر هذا نجاحا أمنيا إذ لم تنجح إسرائيل أن تصل إليهم إلا غدرا بعد أن عادوا إلى بيوتهم وفق تفاهمات التهدئة، وهذا يؤكد أن الإجراءات الأمنية التي كان القادة المستهدفون يتخذونها حالت دون الوصول إليهم أثناء تنفيذ عملية الرد على اغتيال الشهيد خضر عدنان، فانتظرت إسرائيل عودتهم إلى بيوتهم إثر التوصل إلى اتفاق تهدئة ثم دكتها عليهم وعلى عائلاتهم لتضمن اغتيالهم، ولا إنجاز أمنيا في استهداف رجل في بيته عن طريق الغدر، بل الإنجاز أن تصل إليه وقت المعركة.
نجحت “سرايا القدس” نجاحا أمنيا كبيرا في حماية مقدراتها العسكرية والصاروخية والبشرية، رغم الاغتيالات، وبرهنت فعليا على ذلك بضربة صاروخية على “تل أبيب”
أما عمليات الاغتيال الثلاث التي طالت القادة إياد الحسني وعلي غالي وأحمد أبو دقة خلال معركة “ثأر الأحرار”، فجاءت وهم يمارسون عملا ميدانيا متحركا يحتّم عليهم البقاء على اتصال بمختلف الطرق مع القادة الميدانيين. وفي كل حرب يكون أمثال هؤلاء من القادة الميدانيين عرضة لخطر الاغتيال لاضطرارهم أن يكونوا على الأرض وسط النيران، وقد سبق أن نجحت إسرائيل في اغتيال بعضهم خلال معركة “سيف القدس” وحربي 2012- 2014.
وبذلك فإن اغتيال هؤلاء القادة الثلاثة يؤكد أنهم كانوا بمواقعهم في قلب المعركة رغم المخاطر الكبيرة، ولا يتخلون عن مسؤولياتهم الميدانية للاحتماء بمأوى يخفيهم، وهذا في حد ذاته شيء مبشر.
الجميع كان يأمل ألا تنجح إسرائيل في أي اغتيال أو تحقيق أي إنجاز، بيد أن لكل حرب ثمنا يدفع أمام عدو يمتلك يدا عليا في مجال التكنولوجيا وتطبيقاتها الأمنية والاستخباراتية، ولا ريب أن مجريات تلك المعركة ستكون محل دراسة المسؤولين الأمنيين والعسكريين في الجهاد الإسلامي لتفادي منح إسرائيل أي فرصة لتحقيق إنجاز أمني أو عسكري ضد قادة المقاومة في المستقبل.
ورغم ذلك، فقد أخفقت إسرائيل أمنيا في توجيه ضربات للقدرات العسكرية لـ”سرايا القدس” الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، وفشلت في اغتيال أو ضرب عشرات المجموعات في مختلف مناطق قطاع غزة، رغم أن هدف إسرائيل على مدار الحروب السابقة كان تدمير الصواريخ التي تطلقها تلك المجموعات فتصل إلى “تل أبيب”.
وقد كان نجاحها في ترصد واستهداف تلك المجموعات يقترب من الصفر حسب البيانات المعلنة من قبل سرايا القدس وفصائل المقاومة، وهو نجاح للجهاز العسكري للحركة الذي استطاع بناء هذه القدرة الصاروخية التي تحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل بعيدا عن أي تعقب استخباراتي إسرائيلي رغم ما تمتلكه من تكنولوجيا.
بهذا نجحت سرايا القدس نجاحا أمنيا كبيرا في حماية مقدراتها العسكرية والصاروخية والبشرية التي كلفت بالإعداد للمعركة وبتنفيذ مهام الإطلاق، وبرهنت فعليا على هذا النجاح عندما قامت قبل سريان وقف إطلاق النار بدقائق قليلة بضربة صاروخية على “تل أبيب”.
لا يخفى على أحد أن لكل حرب ثمنا، وثمن هذه الحرب كان دماء قادة سرايا القدس وعائلاتهم دفاعا عن قضية عاشوا من أجلها.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.