تسارع الجزائر الخطى للتحول إلى خيار الطاقة النظيفة، معولةً على وفرة احتياطاتها من الغاز الطبيعي، عبر استخدام غاز النفط المسال “جي بي إل” (GPL) في المركبات التي تعمل بالديزل والبنزين.
وتتطلع البلاد إلى تحويل مليون سيارة سنويا للعمل بوقود غاز النفط المسال، المعروف محليا بـ”سير غاز”، بهدف تقليص فاتورة استهلاك الوقود الذي تدعم الدولة أسعاره من جهة، والحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون للتقليل من التلوث من جهة أخرى؛ تماشيا مع مخرجات قمة المناخ المنعقدة في باريس سنة 2015.
وأعلنت الوكالة الوطنية لتطوير استخدام الطاقة وترشيدها في بيان قبل أيام، عن تحقيقها رقما قياسيا عام 2022 بتحويل قرابة 120 ألف سيارة أجرة ومركبة خاصة إلى وقود غاز النفط المسال.
وتيرة متسارعة
وبعد عزوف استمر سنوات طويلة، يوضح المؤشر الوطني لاستهلاك وقود غاز النفط المسال التحول المطرد للجزائريين نحو استخدام هذا النوع من الوقود، حيث ارتفع حجم الاستهلاك بين 2018 و2020 إلى أكثر من نصف مليون طن، بحسب سلطة ضبط المحروقات.
وبحسب تقرير صادر عن شركة “نفطال” لتوزيع الوقود الحكومية، فقد ارتفعت نسبة تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي بنحو 40% على أساس سنوي، فيما فاق حجم غاز السيارات المستهلك أكثر من 1.1 مليون طن.
ويقول الدكتور رابح سلامي مدير الهيدروجين والطاقات البديلة في محافظة الطاقات المتجددة والفعالية الطاقية، في تصريح للجزيرة نت، إن “الجزائر من أوائل البلدان التي انطلقت في تطوير وتوسيع استخدام هذا الوقود في 1983، الذي يسمح بتخفيض الانبعاثات الكربونية في مجال النقل”.
ولفت سلامي إلى أن الدولة بذلت خلال العقود السابقة جهودا كبيرة من أجل توسيع حظيرة المركبات المحولة إلى غاز النفط المسال، وتطوير بنية تحتية مهمة، بالإضافة إلى دعم سعر هذا الوقود.
ويعتبر سلامي أن تحويل 120 ألف مركبة خلال سنة 2022 خطوة إضافية من أجل تخفيض بصمة الجزائر الكربونية في مجال النقل، والتخفيض من استهلاك البنزين وتأثيراته على الصحة العمومية خاصة في المدن.
طاقة نظيفة
وسمحت عملية تحويل 120 ألف مركبة خلال 2022 على توفير أكثر من 200 ألف طن من الوقود (البنزين)، وتجنب انبعاث 122 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون، بحسب الوكالة.
واعتبر البروفيسور علي شقنان الخبير في الطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي، في حديثه للجزيرة نت، أن الغاز الطبيعي طاقة انتقالية وفيرة ونظيفة نسبيا مقارنة بالنفط والفحم، ويمكنه دعم الطاقات الشمسية وطاقة الرياح.
ولفت شقنان إلى أن الغاز يعد بديلا مؤقتا في البلدان التي تشرع في الانتقال الطاقي، كالجزائر التي تملك احتياطيات تمثل 2.2% من الاحتياطي العالمي.
ويرى شقنان أن تحويل المركبات “شمل 850 ألف مركبة حتى الآن، بمعدل 100 ألف مركبة سنويا، خطوة واعدة في مجال الانتقال الطاقي”، معتبرا أن زيادة محطات الشحن على المستوى الوطني التي بلغ عددها 2580 محطة، يعني أن الدولة قد تبنت هذا المشروع الواعد.
الهيدروجين الأخضر
وإلى جانب الغاز الطبيعي، برز اهتمام الجزائر خلال الآونة الأخيرة بمشروعات إنتاج الهيدروجين، لتنضم إلى السباق العالمي نحو إنتاج ذلك الوقود النظيف، سواء لاستهلاكه في السوق المحلية أو تصديره للخارج.
وتتطلع الجزائر لاستثمار ما بين 20 و25 مليار دولار لتنفيذ مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر، في إطار توفير النفط والغاز لزيادة صادراتها من المحروقات أيضا.
وتؤكد البلاد أن سعيها لإنتاج نحو 15 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية بحلول 2035، رغم التحديات التي تواجه إطلاق مشروع الطاقة الشمسية الذي يحمل اسم “سولار 1000″؛ يدعم خطط إنتاج الهيدروجين الأخضر.
وتعتمد الجزائر في تحقيق ذلك على إستراتيجية وضعتها الحكومة في ديسمبر/كانون الأول 2022 لتطوير إنتاج الهيدروجين، وتستهدف خريطة الطريق تحويل البلاد إلى رائد إقليمي ودولي في إنتاج هذا الوقود النظيف وتسويقه.
ويقول سلامي إن الجزائر تراهن في ذلك على قربها الجغرافي من الأسواق الأوروبية، مع بنية تحتية مناسبة من خطوط الأنابيب وغيرها، لاستغلالها في تصدير الهيدروجين إلى الخارج، فضلا عن إمكانيات هائلة لإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة خاصة من الطاقة الشمسية.
من جانبه، كشف شقنان عن أن الدولة الجزائرية تقوم في السنوات الأخيرة بمجهودات حثيثة لتحقيق أمنها الطاقي كخيار إستراتيجي، والبحث عن سبل تتخلى بها عن الريع النفطي وتنويع مصادرها الطاقية المتجددة.
وختم أن الجزائر تسعى لتبني ما يسمى “الانتقال الطاقوي السلس”، عبر الاستثمار في مشاريع الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء بفضل ما تمتلكه من مكونات الطاقة المتجددة وعلى رأسها الطاقة الشمسية، والعمل على تصديره إلى أوروبا عبر بوابة إيطاليا.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.