نتائج الدراسة توفر رؤى أكثر دقة حول آليات وحجم تنفس التربة غيري التغذية عبر المناطق المناخية المختلفة، فالنموذج الرياضي الجديد يبسط عملية التقدير من خلال استخدام رطوبة ودرجة حرارة التربة
تنفس التربة من العمليات الأساسية في النظام البيئي والتي تحرر الكربون على هيئة ثاني أكسيد الكربون عند تنفس الكائنات الحية الموجودة في التربة، والذي يشمل كلا من جذور النبات والغلاف الجذري والميكروبات وحيوانات المنطقة (المعروف بتنفس التربة غَيْرِي التغذية).
ويقدر أن خُمس ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ينشأ من التربة، وحيث إن ارتفاع تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يعتبر حافزا أساسيا للاحترار العالمي، فإن دراسة عملية التنفس هذه مهمة للتنبؤ بمستقبل المناخ على كوكب الأرض.
ليست مجرد زيادة
وتشير نتائج دراسة جديدة نشرت في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications) في العاشر من يونيو/حزيران الماضي إلى وجود اقتران بين ارتفاع درجات الحرارة ونسبة ثاني أكسيد الكربون المنبعث من التربة، وبالتالي فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بواسطة ميكروبات التربة في الغلاف الجوي للأرض ليس من المتوقع أن تزداد فحسب، بل ستتسارع أيضا على نطاق عالمي بحلول نهاية هذا القرن.
ويذكر البيان الصحفي الذي نشر على موقع “يورك ألرت” (Eurek Alert) أن العلماء يتنبؤون أنه بحلول عام 2100 ستتصاعد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من ميكروبات التربة، ومن المحتمل أن تصل إلى زيادة بحوالي 40% على مستوى العالم -مقارنة بالمستويات الحالية- في ظل أسوأ سيناريو مناخي.
يقول ألون نيسان، المؤلف الرئيسي للدراسة وزميل المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا للهندسة البيئية في زيورخ إن “الزيادة المتوقعة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الميكروبية ستسهم بشكل أكبر في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، مما يؤكد الحاجة الملحة للحصول على تقديرات أكثر دقة لمعدلات التنفس غير المتجانسة”.
هذه النتائج لا تؤكد الدراسات السابقة فحسب، بل توفر أيضا رؤى أكثر دقة حول آليات وحجم تنفس التربة غيري التغذية عبر المناطق المناخية المختلفة، فعلى عكس النماذج الأخرى التي تعتمد على العديد من العوامل فإن النموذج الرياضي الجديد الذي طوره نيسان يبسط عملية التقدير من خلال استخدام عاملين بيئيين حاسمين فقط: رطوبة التربة ودرجة حرارة التربة.
تقديرات أكثر وضوحا
يمثل النموذج تقدما كبيرا لأنه يشمل جميع المستويات ذات الصلة من الناحية الفيزيائية الحيوية، بدءا من المقاييس الدقيقة لهيكل التربة وتوزيع مياه التربة إلى المجتمعات النباتية مثل الغابات والنظم الإيكولوجية (البيئية) بأكملها والمناطق المناخية وحتى النطاق العالمي.
ويسلط بيتر مولنار الأستاذ بالمعهد الفدرالي السويسري لتكنولوجيا الهندسة البيئية الضوء على أهمية هذا النموذج النظري الذي يكمل نماذج نظام الأرض الكبيرة، قائلا “يسمح النموذج بتقدير أكثر وضوحا لمعدلات التنفس الميكروبي بناء على رطوبة التربة ودرجة حرارة التربة. علاوة على ذلك، فهو يعزز فهمنا لكيفية مساهمة التنفس غيري التغذية في مناطق مناخية متنوعة في الاحتباس الحراري”.
وتتمثل إحدى النتائج الرئيسية للتعاون البحثي بقيادة نيسان ومولنار في اكتشاف أن الزيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الميكروبية تختلف باختلاف المناطق المناخية، ففي المناطق القطبية الباردة يكون المساهم الرئيسي في الزيادة هو انخفاض رطوبة التربة بدلا من الارتفاع الكبير في درجة الحرارة، على عكس المناطق الحارة والمعتدلة، ويسلط نيسان الضوء على حساسية المناطق الباردة، قائلا “حتى التغيير الطفيف في محتوى الماء يمكن أن يؤدي إلى تغيير جوهري في معدل التنفس في المناطق القطبية”.
تفاوت حسب المناطق المناخية
استنادا إلى حساباتهم في ظل أسوأ سيناريو مناخي، من المتوقع أن ترتفع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الميكروبية في المناطق القطبية بنسبة 10% كل عقد بحلول عام 2100، أي ضعف المعدل المتوقع لبقية العالم، ويمكن أن يُعزى هذا التفاوت إلى الظروف المثلى للتنفس غيرية التغذية، والتي تحدث عندما تكون التربة في حالة شبه مشبعة، أي ليست جافة جدا ولا رطبة جدا، وتسود هذه الظروف أثناء ذوبان التربة بالمناطق القطبية.
من ناحية أخرى، تُظهر التربة في المناطق المناخية الأخرى -والتي هي بالفعل أكثر جفافا نسبيا وعرضة لمزيد من الجفاف- زيادة صغرى نسبيا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الميكروبية، ومع ذلك -وبغض النظر عن المنطقة المناخية- يظل تأثير درجة الحرارة ثابتا؛ فمع ارتفاع درجة حرارة التربة، ترتفع انبعاث ثاني أكسيد الكربون الميكروبي.
ومنذ عام 2021، نشأت معظم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من ميكروبات التربة بشكل أساسي من المناطق الدافئة على الأرض. على وجه التحديد، يأتي 67% من هذه الانبعاثات من المناطق المدارية، و23% من المناطق شبه الاستوائية، و10% من المناطق المعتدلة، و0.1% فقط من المناطق القطبية الشمالية والجنوبية.
ويتوقع الباحثون نموا كبيرا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الميكروبية في جميع هذه المناطق مقارنة بالمستويات التي لوحظت في عام 2021، حيث تشير توقعاتهم إلى أنه بحلول عام 2100 ستحدث زيادة بنسبة 119% في المناطق القطبية، و38% في المناطق المدارية، و40% في المناطق شبه الاستوائية، و48% في المناطق المعتدلة.
مزيد من الدراسات
ويتوقف توازن الكربون في التربة وتحديد ما إذا كانت التربة تعمل كمصدر للكربون أو مصرف له، على التفاعل بين عمليتين أساسيتين وهما التمثيل الضوئي، حيث تمتص النباتات ثاني أكسيد الكربون، والتنفس الذي يطلق ثاني أكسيد الكربون، لذلك تعد دراسة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الميكروبية أمرا ضروريا لفهم ما إذا كانت التربة سوف تخزن أو تطلق ثاني أكسيد الكربون في المستقبل.
ويوضح نيسان “نظرا لتغير المناخ، فإن حجم تدفقات الكربون هذه -التدفق من خلال عملية التمثيل الضوئي والتدفق الخارج من خلال التنفس- لا يزال غير مؤكد. ومع ذلك، فإن هذا الحجم سيؤثر على الدور الحالي للتربة كمصارف للكربون”.
في دراستهم المستمرة، ركز الباحثون بشكل أساسي على التنفس غيري التغذية، ومع ذلك لم يتحققوا بعد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تطلقها النباتات من خلال التنفس الذاتي التغذية، وسوف يوفر المزيد من الاستكشاف لهذه العوامل فهما أكثر شمولا لديناميات الكربون داخل النظم البيئية للتربة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.