لاحظ العلماء موجات زلزالية تنتقل عبر قلب المريخ لأول مرة، وأكدوا تنبؤات نموذجية سابقة بشأن تكوين اللب. واستخدم فريق دولي من العلماء البيانات الزلزالية التي حصل عليها المسبار “إنسايت” التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) لقياس خصائص قلب المريخ مباشرة، وتم إيجاد نواة من الحديد السائل تماما مع نسب عالية من الكبريت والأكسجين.
وقد نشرت هذه النتائج في دورية “بروسيدينغز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس” (The Proceedings of the National Academy of Sciences) (PNAS) في 24 أبريل/نيسان الجاري، وتكشف عن رؤى جديدة حول كيفية تشكل المريخ والاختلافات الجيولوجية بين الأرض وبينه، التي قد تلعب في النهاية دورا في الحفاظ على قابلية الحياة للكوكب.
وتشير قياسات هذه الطاقة الصوتية المكتشفة المسماة بالموجات الزلزالية، إلى أن اللبّ السائل أكثر كثافة وأصغر مما كان يعتقد سابقا، ويتألف من مزيج من الحديد والعديد من العناصر الأخرى، ويبلغ حجم قلب المريخ نفس حجم القمر وهو ضعف كثافته تقريبا.
أول موجة زلزالية
وكان مسبار “إنسايت” قد هبط على سطح المريخ عام 2018 بهدف دراسة الموجات الزلزالية التي تنتقل عبر سطح الكوكب ومن أعماق باطنه، من أجل فهم البنية الجيولوجية للمريخ بشكل أفضل، من خلال التحقيق في سرعة الموجات الزلزالية وتواترها.
وعلى مدى 4 سنوات، رصد المسبار نبضات لأكثر من ألف زلزال على المريخ. ولكن في كل ذلك الوقت، اكتشف موجتين فقط على الجانب البعيد من الكوكب، وهو ما يعني مرور هذه النبضات من خلال قلب الكوكب الأحمر.
تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة “جيسيكا إيرفينغ”، أستاذة علم الزلازل والجيوفيزياء في جامعة بريستول البريطانية، إن المهمة البحثية كان من المقرر لها في البداية أن تستمر نحو سنتين.
وعلى الرغم من تسريع العواصف المريخية في تراكم الغبار وتقليل طاقة مركبة “إنسايت”، فقد مددت وكالة ناسا إقامتها، لذلك استمرت البيانات الجيوفيزيائية، بما في ذلك إشارات الزلازل، في التراكم حتى نهاية العام الماضي.
ويشير الباحثون في الدراسة إلى تسجيل أول موجة رصدت من زلزال على المريخ واصطدام نيزك لعبور قلب الكوكب الأحمر. تقول إيرفينغ في تصريح للجزيرة نت إنه “لم يسبق لأحد أن رأى من قبل موجة زلزالية تمر عبر نواة المريخ، لقد انتظرنا أكثر من 900 يوم لرصد حدوث زلزال واحد على الجانب البعيد من المريخ، ثم بعد 24 يوما، كان هناك اصطدام نيزكي”.
وعند تحليل الموجة الزلزالية العابرة للنواة من الحدثين المرصودين، وجد الفريق أن نصف قطر قلب المريخ يتراوح بين 1780 إلى 1810 كيلومترات، بكثافة تبلغ حوالي 6200 كيلوغرام لكل متر مكعب.
واستنتج الباحثون أن لب المريخ يتكون في الغالب من حديد سائل، ويشكل الكبريت حوالي 15% من كتلته، كما تشكل كمية قليلة من الهيدروجين والأكسجين والكربون معا حوالي 5%، وفقا للبيان الصحفي الصادر عن جامعة “ميريلاند” الأميركية المشاركة في الدراسة.
أحداث بعيدة المدى
وأوضحت المؤلفة الرئيسية للدراسة أن ما يسمى بالأحداث “البعيدة المدى”، أي تلك الواقعة على الجانب الآخر من الكوكب في الجهة المعاكسة لموقع المسبار، يصعب اكتشافها بدقة لأن قدرا كبيرا من الطاقة يتم فقده أو تحويله بعيدا في أثناء انتقال الموجات عبر الكوكب. لذلك، كان الفريق بحاجة إلى مزيج من الحظ والمهارة للتمكن من رصد هذه الأحداث ثم استخدامها كمؤشرات على زلزالية الكوكب الأحمر.
تقول إيرفينغ إن زلزال “سول 976” كان هو الحدث الأبعد الذي تم رصده من خلال المهمة، وتضيف أن “الحدث البعيد الثاني هو إس 1000 إيه (S1000a)، وهو الحدث الأول الذي تم رصده في اليوم الألف من العمليات، والذي كان مفيدا بشكل خاص لأنه تبين بالفحص أنه لاصطدام نيزكي، لذلك عرفنا من أين جاءت الإشارات الزلزالية”.
واستخدم المؤلفون القياسات التي توصلوا إليها لبناء نماذج تصف الخصائص الفيزيائية لنواة المريخ، بما في ذلك حجمها وسرعة الموجة المرنة عبرها. وأشارت النتائج إلى أن قلب المريخ أكثر كثافة وأصغر من التقديرات السابقة.
إضافة إلى ذلك، استنتج الفريق تفاصيل حول التركيب الكيميائي للنواة، مثل الكمية الكبيرة من العناصر الضوئية (العناصر ذات الأعداد الذرية المنخفضة) الموجودة في الطبقة الداخلية للمريخ التي تمثل خمس وزن النواة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.