فيرنون واين هاول ولد لأم مراهقة عام 1959، ونشأ وهو يعاني من صعوبات في التعلم عرضته للتنمر، ثم بعد عدة رحلات وانتقالات أصبح زعيم فرع الطائفة الداودية بعد أن غيّر اسمه إلى ديفيد كوريش.
ادعى النبوة وتولى الزعامة في مجمع جبل الكرمل في واكو بولاية تكساس الأميركية، وواجه عدة تهم بالاعتداء الجنسي على الأطفال، وحيازة الأسلحة غير المرخصة، ومات بعد اشتباك مع مكتب التحقيقات الفدرالي وحصار دام لمدة 51 يوما.
المولد والنشأة
ولد ديفيد كوريش في 17 أغسطس/آب 1959 بمدينة هيوستن التابعة لولاية تكساس، وكان اسمه عند الولادة فيرنون واين هاول (Vernon Wayne Howell).
وكانت أمه بوني كلارك مراهقة حين أنجبته، فتركت تربيته في سنينه الأولى لوالديها.
كافح كوريش في مراحل دراسته الأولى، وعانى من مرض الـ”دييسلكسيا” (اضطراب في التعلم يشمل صعوبة القراءة) وضعف البصر، فألحق بالصفوف الخاصة وتعرض للسخرية والتنمر.
وكان لقب “فيرني” الذي يكرهه كثيرا رمزا لسخرية زملائه منه، فأمضى معظم طفولته وحيدا يعزف الآلات الموسيقية، ومهتما بدراسة الكتاب المقدس، ثم تحول ذلك الاهتمام فيما بعد إلى هوس.
وادعى أنه في سن الـ18 كان قد حفظ وفسر سِفر العهد الجديد كاملا، وانضم إلى كنيسة الأدفنست بعد ادعائه أنه مسيحي ولد من جديد، لكنه اختلف مع تعاليمها فانضم إلى كنيسة “السبتيين”.
وكان المصلون يرون أنه “متعجرف لا يتورع عن إطلاق الأحكام على الآخرين”. وطلب من القس تزويجه ابنته المراهقة لكنه رفض، ثم طرد كوريش من الكنيسة بعد أن قال للقس إن الله أمره باتخاذ ابنته البالغة من العمر 12 عاما زوجة له.
وترك كوريش مدرسة غارلاند الثانوية للعمل في النجارة، وأمضى بعد ذلك فترة قصيرة في لوس أنجلوس، محاولا أن يكون أحد نجوم موسيقى الروك.
الانتقال إلى واكو
في مطالع ثمانينيات القرن الماضي انتقل كوريش إلى مدينة واكو بتكساس، وكان حينها ما يزال يدعى باسم فيرنون هاول.
والتحق بجماعة الداوديين المنشقة عن كنيسة “السبتيين” في مجمع “Mount Carmel Center” (مركز جبل الكرمل) بواكو، وهناك توطدت علاقته بزعيمة الجماعة لويس رودن التي ادعت النبوة، وكانت أرملة مؤسس الفرع داود بنيامين رودن، الذي توفي عام 1978.
وشجعته السيدة رودن على عزف الغيتار والغناء، فكان قائد جوقة الغناء خلال جلسات مدارسة الكتاب المقدس اليومية لمجموعتهم.
وقال الكاتب الإنجليزي كولين ويلسون في كتابه “حزب الشيطان” إن كوريش أغوى الزعيمة رودن، وكان على علاقة معها، وادعى أن الله أمرهما بإنجاب طفل سيكون ابن الرب و”المختار”، كما ذكر ذلك أيضا في وثائقيات حوله والطائفة.
وفي عام 1984 تزوج كوريش من إحدى فتيات الطائفة في مركز جبل الكرمل، تدعى راشيل جونز وتبلغ من العمر 14 عاما، وأنجبا طفليهما سايروس وستار.
الصراع على القيادة
بدأ ديفيد كوريش بتدريس “شروحاته” التوراتية في محاضرات معنونة بـ”جذر الثعبان”، وتسببت تلك المحاضرات في اضطرابات بين أفراد المجموعة.
ثم بدأ نزاع على القيادة بين جورج رودن -ابن المؤسس- وكوريش. واشتبك جورج وكوريش وبلغ الخلاف بينهما أوجه، فاتهم رودن كوريش بإشعال حريق في المبنى، وأتلف مبنى إداريا ومطبعة، بينما ادعى كوريش أن “الحريق حساب من الله للطائفة”.
وانتهى ذلك النزاع بفوز رودن بالزعامة، وطرد كوريش و25 فردا من أتباعه من المجمع تحت تهديد السلاح، فانتقلوا إلى شرق تكساس وعاشوا في ظل ظروف صعبة لفترة.
وفي تلك الفترة بدأ كوريش في تجنيد أنصار آخرين، وعاود الاتصال مع جماعة الداوديين في المجمع، وقال إنه رأى رؤيا تثبت أنه تجسيد حديث للنبي كوريش، الذي حرر اليهود من بابل.
وفي 1985 زار فيرنون إسرائيل مع زوجته راشيل، وقيل إن هذا أصل هويته الجديدة ديفيد كوريش. وفي العام نفسه سافر إلى كاليفورنيا وهاواي للتبشير، وروج فرقته الموسيقية في لوس أنجلوس.
ثم عاد كوريش في 1986 إلى واكو مع أنصاره، ومنهم من أتى من أستراليا بعد نشره لرسالته، وكان ذلك عام وفاة لويس رودن.
هاجم كوريش مع ستة من أنصاره مسلحين مركز جبل الكرمل، وتبادلوا إطلاق النار مع من في المجمع، نتج عنه إصابة جورج رودن بالرصاص لكنه نجا.
وحوكم كوريش وأنصاره بتهمة الشروع في القتل، وتمت تبرئتهم بعد أن قال كوريش إنه وأتباعه كانوا هناك لإثبات ما يفعله جورج من انتهاكات للموتى، وإطلاقهم النار كان دفاعا عن النفس، ولقي تأييدا لذلك.
وقبض على رودن في عام 1989 بتهمة قتل وايمان ديل أدير، والذي ادعى رودن أن كوريش أرسله لقتله، فخلا بذلك الجو لكوريش بعد سجن رودن.
زعامة الطائفة
في عام 1990 غير فيرنون هاول اسمه قانونيا إلى ديفيد كوريش، وكان الاسم الجديد إشارة إلى الملك الفارسي كوريش الكبير، الذي احتل بابل وحرر اليهود من السبي.
وادعى أنه كان طفلا حين تحدث الله إليه، وقال له إنه المختار والمسيح، فبدأ بعد زعامته الطائفة في مجمع مركز جبل الكرمل نشر تعاليمه الدينية الجديدة “النور الجديد”، التي تضمنت “الأعراس الروحية”.
وكانت “الأعراس الروحية” تقتضي شرعنة معاشرة ديفيد لمن يختار من نساء طائفته العازبات من جميع الأعمار، وتطورت بعد ذلك لتأمر الأزواج من أتباعه بالتخلي عن زوجاتهم، وبدأ كوريش يستخلص كل نساء الطائفة لنفسه.
وكانت له عدة زوجات بين قاصرات وبالغات، وأنجب منهن أطفالا لا يقل عددهم عن 12، كما كان يدعي أن الله منحه 140 زوجة بين شرعيات و”محظيات”.
وجيّش أتباعه استعدادا لـ”نهاية العالم” وتلبية لما ادعى أنها أوامر الله، وأخبرهم أن الله أمرهم ببناء “جيش الله”، كاسرا بذلك شفرة الأختام السبعة التي تنبأت بنهاية العالم في سفر الرؤيا.
وفي سبتمبر/أيلول 1990 تعرف كوريش على هنري مكماهون، تاجر أسلحة مرخصة، فعلمه المتاجرة بالأسلحة النارية.
وبدأ أتباعه بعد ذلك بتخزين الأسلحة، ونشطوا في المتاجرة بها في المعارض، وادعوا فيما بعد أنها لم تكن مخصصة للدفاع فقط، بل للبيع في معارض الأسلحة أيضا، لإيجاد مداخيل للطائفة.
تهم بالاستغلال الجنسي
وفي 1992 أدلت كيري جيويل بشهادة ضد ديفيد كوريش حول إقامته علاقات جنسية مع القاصرات، وكانت كيري ابنة شيري جيويل إحدى عضوات الطائفة الداودية في مجمع مركز جبل الكرمل، إلا أن والدها لم يكن عضوا في الجماعة.
وقالت كيري إن ديفيد تحرش بها، وهي في سن العاشرة، بعد أن تركتها والدتها في غرفة أحد الفنادق، ففقدت والدتها الوصاية عليها وعادت إلى جبل الكرمل.
وبينما لم توجه كيري اتهامات إلى ديفيد كوريش، قدم والدها شكوى إلى خدمات حماية الطفل في تكساس.
وواجه كوريش اتهامات متعددة بالاعتداء الجنسي على القُصّر، وفتح تحقيق مطول من قبل خدمات حماية الطفل، لكنه لم يدن بذلك لعدم توفر الأدلة الكافية.
حصار واكو
في أواخر عام 1992 علم فرع الطائفة الداودية بمركز جبل الكرمل أنهم مراقبون، من خلال ملاحظتهم لتحليق المروحيات، ورجلين استأجرا منزلا على الطريق القريب من المجمع.
وفي عام 1993 حصل عملاء مكتب مكافحة الكحول والتبغ والأسلحة والمتفجرات “إيه تي إف” (ATF) على مذكرة تفتيش للمجمع، وأمر باعتقال ديفيد كوريش.
وكان ذلك بتهمة حيازة الجماعة لأسلحة غير مسجلة أو مرخصة قانونيا، وبتهم الاعتداء على الأطفال، وترويج الخطابات التحريضية الطائفية.
وفي صباح 28 فبراير/شباط 1993 حاصر مكتب “إيه تي إف” مقر الجماعة في واكو، وكان ديفيد وجماعته على علم بقدوم الشرطة.
اقتحم أفراد مكتب المكافحة النوافذ، وتبادل الطرفان إطلاق نار، أصيب فيه ديفيد وقتل 4 عملاء فدراليين، وأصيب 20 عميلا، فانسحب أفراد المكافحة واكتفوا بالحصار والمفاوضة مع كوريش لإخراج الرهائن، وبالفعل استطاعوا إخراج مجموعة من الأطفال.
وفي 1 مارس/آذار تولى مكتب التحقيقات الفدرالي مسؤولية قضية مركز جبل الكرمل، وفي الأيام الستة الأولى للحصار؛ أرسل 21 طفلا إلى خارج المركز، ثم خرج 23 من البالغين في أوقات مختلفة.
وعاقب الفرع التكتيكي لمكتب التحقيقات الفدرالي كوريش وأتباعه بقطع الكهرباء، وسحق سيارة ديفيد نفسه بالدبابات.
الوفاة
كان ديفيد كوريش يتراجع عن بعض قراراته التي يعد بها المفاوض، مدعيا أنه يفعل ذلك اتباعا لأوامر الله، ورفض الخروج.
وفي يوم 19 أبريل/نيسان 1993 شن مكتب التحقيقات هجوما بالدبابات والقنابل المسيلة للدموع على مبنى جبل الكرمل، بعد حصار دام لمدة 51 يوما.
وبعد ساعات انتشرت الحرائق في المبنى، وعثر على جثة كوريش بين الضحايا، وكان قد أصيب بطلق ناري في رأسه.
قيل إن المكتب التحقيقات الفدرالي هو من أشعل النار في جبل الكرمل، لكن لجنة خاصة أظهرت لاحقا تسجيلات لكوريش وجماعته يناقشون خطة لإشعال الحرائق بأنفسهم عمدا.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.