القاهرة – تعوّل الحكومة المصرية على قرار نادر يتضمن إعفاء واردات الذهب من الضريبة الجمركية والرسوم، في خفض أسعار الذهب محليا بعد أن تجاوز السعر العالمي كثيرا، لكنها أثارت مخاوف بعض تجار ومصنّعي الذهب من تضرر صناعتهم.
ووافق مجلس الوزراء المصري، نهاية الأسبوع الماضي، على إعفاء واردات الذهب صحبة الركاب القادمين من خارج البلاد، من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى فيما عدا الضريبة على القيمة المضافة (على المصنعية)، وذلك لمدة 6 أشهر.
وبعد أيام من دخول القرار الحكومي حيز التنفيذ، تخلى الذهب عن جزء من مكاسبه التي حققها طوال الشهور الماضية، وبدأ يتراجع من أعلى مستوى تاريخي له، وسط توقعات باستمرار الانخفاض ولكن بما يوازي سعر الدولار في السوق الموازي وليس السعر الرسمي.
ووفق صحيفة الأهرام (حكومية) اتسعت الفجوة بين السعر المحلي والسعر العالمي لغرام الذهب الواحد أكثر من ألف جنيه (نحو 32 دولارا)، حيث وصل سعر غرام الذهب محليا إلى نحو 2800 جنيه، أي ما يعادل 90.5 دولارا، في حين كان السعر العالمي عند حدود 56.5 دولارا للغرام.
وطوال الشهور الماضية التي تلت أول خفض للجنيه المصري في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي، كانت أسعار الذهب تحطم في كل يوم رقما قياسيا جديدا، ورغم ذلك كان الإقبال على شراء الذهب من قبل المواطنين غير مسبوق، للتحوط من هبوط الجنيه إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة.
وأدى خفض الجنيه 3 مرات منذ مارس/آذار الماضي، ورفع أسعار الفائدة ألف نقطة، وارتفاع التضخم إلى أكثر من 40%، وانتعاش السوق السوداء للنقد الأجنبي وتجاوز الدولار حاجز 40 جنيها (في السوق الموازي)؛ إلى إرباك سوق الذهب والمغالاة في المصنعية على المشغولات والسبائك والجنيهات الذهبية.
قرار الإعفاء
قرار مجلس الوزراء المصري حدد شروطا وضوابط إعفاء واردات الذهب من الضريبة الجمركية للقادمين من الخارج، لكن لم يحدد كميات بعينها.
وتضمنت الضوابط الآتي:
- الذهب بأشكال نصف مشغولة.
- الذهب المُعد للتداول النقدي.
- الحلي والمجوهرات وأجزاؤها من معادن ثمينة، وإن كانت مكسورة أو ملبسة بقشرة من معادن ثمينة.
ووفقا للقرار، لا يشمل هذا الإعفاء الآتي:
- أصناف اللؤلؤ الطبيعي أو المزروع.
- الأحجار الكريمة، أو شبه الكريمة المركبة، أو المرصعة على الحلي والمجوهرات وأجزائها.
ورحب المعنيون بقرار الحكومة، وفي المقام الأول أعضاء شعبة الذهب والمجوهرات بالاتحاد العام للغرف التجارية التي تمثل قطاعا واسعا من تجار ومصنعي الذهب، بالقرار الذي سيكون له أثر مباشر وسريع على تراجع أسعار الذهب بالأسواق المحلية، كما سيوفر الخام اللازم للتوافق مع حجم الطلب الذي تضاعف مقارنة بنفس المدة من العام الماضي طبقا لتقديرات المجلس العالمي للذهب.
وأكد رئيس الشعبة العامة للذهب هاني ميلاد جيد، أن توفر الخام بالأسواق المحلية سيحقق التوازن المنشود بين الأسعار المحلية والأسعار العالمية كما سيكون له مردود مباشر على عودة تحويلات المصريين بالخارج في شكل مشغولات أو خام الذهب.
كيف انفصل الذهب المحلي عن السعر العالمي؟
أرجع رئيس غرفة المعادن الثمينة السابق باتحاد الصناعات المهندس رفيق عباس، التفاوت في سعر الذهب محليا وعالميا إلى عدم السماح باستيراد الذهب الخام نتيجة شح الدولار ورغبة الدولة في توفيره للسلع الإستراتيجية، بالتالي أصبحت دائرة تجارة الذهب في مصر مغلقة، ومع التهافت على الذهب بدأت ترتفع الأسعار محليا وتنفصل عن السعر العالمي.
وأوضح في تصريحات، للجزيرة نت، أن سوق الذهب شهد مضاربات ومزايدات أدت إلى ارتفاعه بأكثر من 30% عن السوق العالمي خرجت عن السيطرة وأصبحت الزيادة في سعر غرام الذهب يومية.
وتوقع عباس الذي شغل رئاسة شعبة الذهب باتحاد الغرف التجارية سابقا، أن يسهم القرار في تراجع سعر الذهب محليا، وسوف يشجع المصريين العائدين على جلب مجوهرات معهم بكميات غير محدودة، وبالتالي يحدث نوعا من التوازن بين العرض والطلب.
واعتبر أن من سلبيات القرار الحكومي؛ السماح بدخول المشغولات الذهبية بدون ضريبة جمركية ما يؤثر على سوق الصاغة بيعا وشراءً وتصنيعا، وكان من الأفضل أن يسمح بدخول السبائك فقط بدون رسوم جمركية.
وقفز سعر الذهب عيار 21 قيراطا، الأكثر شعبية في مصر، من نحو 1700 جنيها مطلع عام 2023 إلى 2800 جنيه قبل صدور القرار الحكومي الأخير، بنسبة تجاوزت 60%، وفقا لمواقع صحفية محلية.
ورغم هذه الزيادة غير المبررة، تضاعف الطلب في البلاد على شراء الذهب (سبائك وجنيهات ذهبية) إلى 7 أطنان خلال الربع الأول من العام الحالي، وفقا لتقرير حديث صادر عن مجلس الذهب العالمي.
واحتل المصريون بهذه الكميات، المرتبة الخامسة عالميا من حيث ارتفاع الطلب على الذهب كملاذ آمن لأموالهم، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2023، بعد تركيا، والصين، واليابان، وإيران.
جيد وسيئ في آن واحد
هبط الذهب وفق تصريحات أحد تجار الذهب، للجزيرة نت، وسط القاهرة إلى “نحو 2450 جنيها مقارنة بـ2800 جنيه بعد أيام من سريان القرار، واستمرار انخفاضه يتوقف على سعر صرف الجنيه مقابل الدولار”.
واعتبر جورج ماجد أن القرار الحكومي جيد وسيئ في آن واحد، فمن ناحية سوف يعيد الهدوء للسوق ومن ناحية أخرى سوف يضر بصناعة المشغولات الذهبية، مؤكدا أن سبب الأزمة هو وجود سعرين للدولار في البنك المركزي وفي السوق الموازي.
وتوقع أن يستمر فارق السعر بين السوق المحلي ونظيره العالمي ولكن بوتيرة أقل بسبب أن الذهب لا يتم تقييمه بسعر صرف الدولار في البنوك وإنما في السوق الموازية، مشيرا إلى أن أي انخفاض يصب في صالح الزبائن.
ويأتي التحرك الحكومي لاحتواء أزمة اشتعال أسعار الذهب المحلي وتجاوزه السعر العالمي بعد أيام من إخفاق مبادرة الشعبة العامة للمصوغات والمشغولات الذهبية بالاتحاد العام للغرف التجارية “زينة وخزينة” لتخفيض أسعار المصنعية على المشغولات الذهبية للمستهلكين، بالتعاون بين المصانع المنتجة ومحلات الذهب.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.