بيروت- دخلت نقابة المحامين في بيروت على خطّ الانقسامات اللبنانية، وأثارت سجالا حول سقف الحريات الممنوح لنشاط المحامين في قضايا الشأن العام بالبلاد، ولا سيما بعد إصدار مجلس النقابة منتصف مارس/آذار الماضي قرارا يقضي بتعديل نظام آداب المهنة، وإلزام المحامي بالحصول على إذن مسبق قبل الظهور والمشاركة في أي وسيلة إعلامية أو ندوة قانونية.
وأكد نقيب المحامين نضار كسبار -في بيان- أن القرار جاء لضبط ما وصفها بـ”الفوضى”، مشيرا لصدور بيان عن مجلس النقابة اعتبر أن ثمة تجاوزا للقانون من قبل محامين تحت مسمى “الحريات”، خصوصا عند تناول ملفات قضائية قيد النظر أمام المحاكم، بما يشكل ضغطا على القضاء واستقلاليته.
على الجانب الآخر، اعتبر محامون وناشطون حقوقيون أن القرار يستهدف محامين يتناولون ملفات قضائية ذات بُعد سياسي أو مالي، كالتحقيقات بتفجير مرفأ بيروت، وبالقطاع المصرفي والمالي، وبقضايا السجناء والموقوفين، وفي ملفات عمل المحاكم واستقلالية القضاء، وغيرها من القضايا التي تهم اللبنانيين.
طعن بالقرار
ويترقب المحامون مصير القرار، وذلك بعد الطعن الذي تقدم به 13 محاميا أمام محكمة الاستئناف المدنية، والتي ستصدر قرارها في 4 مايو/أيار المقبل. ويرى مدعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي أن القرار سيكون إما بقبول الطعن بالتعديلات، ومن ثم إبطال قرار النقابة، وإما رفض الطعن، بما يعني أن قرار النقابة سيبقى نافذا وملزما للمحامين.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر ماضي أن القرار الصادر عن النقابة يعد ملزما للمحاميين طالما أن المحكمة لم تبطله، وأن النقابة تستطيع تنفيذ العقوبات والإجراءات التي أقرنتها بالقرار بحق المخالفين.
إنضموا للتحرك تضامناّ مع المحامي #نزار_صاغيه يوم الخميس ٢٠ نيسان الساعة ١٠:٣٠ صباحاّ أمام قصر العدل في #بيروت، تزامناّ مع جلسة التحقيق معه على خلفية موقفه من قرار مجلس نقابة المحامين في بيروت.
على المجتمع اللبناني بفئاته الشعبية والمدنية والسياسية والحقوقية أن يقف مع نزار صاغية… pic.twitter.com/tUQLxFthr0
— The Policy Initiative (@TPI_lebanon) April 18, 2023
وبعيد صدور القرار، أخذت القضية بعدا واعتراضا أوسع، ولا سيما بعد استدعاء مجلس النقابة محامين رفضوا المثول للقرار، كان أبرزهم المحامي نزار صاغية المدير التنفيذي لمنظمة “المفكرة القانونية” -وهي منظمة للأبحاث والمناصرة غير ربحية- حيث جرى الاستماع إليه الخميس الماضي 20 أبريل/نيسان على مدار 4 ساعات، في حين نفذ عشرات الناشطين الحقوقيين اعتصاما داعما له، حيث وصف الأخير الأجواء بالإيجابية، وقال إنه أوضح هدف اعتراضه، مؤكدا أن “مجلس النقابة ارتكب خطأ كبيرا عبر التعديلات على نظام آداب المهنة”.
انتهى استجواب مجلس نقابة المحامين لنزار صاغية بعد ٤ ساعات.
انشالله تكون السلطات الممثلة بالمجلس فهمت انو دور المحامين بزمن الناس عم تندعس هو انه يحكوا.
ما منعرف شو قرار المجلس بس الاكيد انو بعد فيه ناس متمسكة بحقها. استشراس السلطة لقضم ما تبقى من مساحة الحقوقية مش رح تكون سهلة. pic.twitter.com/R4uptPDzNW— Nay El Rahi (@nayelrahi) April 20, 2023
وفيما صوّت أعضاء مجلس النقابة على تأييد القرار، يرى مراقبون أن معظم المصوتين معروفون بانتمائهم السياسي، وهو ما استدعى صدور بيانات من أحزاب سياسية ممثلة بالنقابة، حيث ندد بعضها بالقرار مباشرة، فيما ندد آخرون بأسلوب غير مباشر ضاعف السجالات.
قانونيا، تبرر المحامية ومسؤولة قسم التقاضي الإستراتيجي في منظمة “المفكرة القانونية” غيدة فرنجية أسباب الاعتراض على قرار النقابة باعتباره يمس جوهر حرية التعبير ويقيدها بتحويلها من حرية مضمونة إلى حرية بإمكان نقيب المحامين منحها أو حجبها بلا أي ضوابط، وفق قولها.
وتضيف أن القرار صدر عن مرجع غير مصرح له بمثل ذلك، مستدلة بأن المشرّع البرلماني يعد الوحيد الذي لديه حق تقييد الحرية وفق المادة 13 من الدستور، والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، مبينة أن القرار يخالف كذلك مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بدور المحامين المقر في مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد بالعاصمة الكوبية هافانا عام 1990.
موقف النقابة
على الجانب الآخر، يقول عضو مجلس نقابة المحامين في بيروت إسكندر نجار “إن التعديلات الداخلية لنظام آداب المهنة لا تقمع الحريات، وهي تدبير تنظيمي داخلي ضمن شروط مرنة تفاديا لتجاوزات بعض المحامين، لأن حصانتهم مُنحت لقاء تصرف مسؤول يحترم القانون، كما أن تنظيم الظهور الإعلامي مُنظّم أيضا من قِبل نقابة الأطباء”.
ويتابع نجار -في حديثه للجزيرة نت- أنه باستثناء المسائل القانونية، فإن الإطلالات الإعلامية المتعلقة بالقضايا السياسية أو الثقافية أو المالية أو الاجتماعية غير مشمولة بالتدبير الجديد، وهو ما يتجاهله الفريق المعارض، بتصوير القضية على غير حقيقتها، وفق تعبيره.
وعن آلية التصويت على القرار المثير للجدل، أوضح أن مجلس النقابة المكون من 12 عضوا منتخبا، صوّتوا تأييدا للقرار بالإجماع، لافتا إلى أن عريضة منظمة “المفكرة القانونية” ضد قرار النقابة لم يوقعها سوى 66 محاميا من أصل 13 ألف محام منتسب للنقابة، وهذا ما اعتبره النجار دليلا على أن الأكثرية الساحقة (99.5% من المحامين) متضامنة مع النقابة.
كرّست المنظومة الطائفية في لبنان سياسة كم الأفواه وإسكات كل من يتجرّأ على فضح فسادها وجرائمها بحق الشعب اللبناني. وها نحن اليوم أمام منعطف خطير تشهده نقابة المحامين في بيروت بعد قرار مجلسها الصادر بتاريخ 3 آذار 2023. #القوّة_للناس pic.twitter.com/yomz1qOpeU
— لِحقّي (@Li_Haqqi) April 16, 2023
وللتعليق على هذه القضية، تجيب غيدة فرنجية بالقول “إن العريضة لا تشكل إحصاء، لأنها لم توزع على جميع المحامين، وهي رسالة رمزية في أن قضية حرية المحامين ليست شأنا خاصا داخليا صغيرا للنقابة، بل شأن عام وتعني كل المجتمع”.
من جانبه، يربط نجار الأسباب الموجبة للقرار وفق رؤية النقابة بـ3 أنواع من التجاوزات:
- أولا: الظهور الدوري لمحامين في وسائل الإعلام، بما يشكل دعاية مباشرة أو غير مباشرة من أجل جلب الزبائن، وهو ما يحظره قانون تنظيم مهنة المحاماة، لأنه يضرب مبدأ المساواة بين المحامين، وفق قوله.
- ثانيا: قيام بعض المحامين بإعطاء استشارات خاطئة خارجة عن اختصاصهم، مما يلحق ضررا بالمواطنين.
- ثالثا: الحديث علنا عن ملفات مطروحة أمام القضاء وبشتم بعض القضاة عشوائيا مما يخل بقسم المحامين.
وفي الوقت الذي يخشى فيه مراقبون من الحد من قدرة إبداء المحامين لآرائهم، يؤكد النجار أن 94 إذنا من أصل 95 قد تمت الموافقة عليها منذ صدور القرار، مع تأكيده على أن الطلب المرفوض يتعلق بدعوى قضائية لا تزال أمام المحاكم.
تخوف من الاستغلال
وبالعودة إلى المحامية غيدة فرنجية التي تقول إن المحامين الرافضين للقرار باتوا بين خيارين، إما مهنة المحاماة وإما الحريات، مبينة أن ما يؤخذ على قرار النقابة أنه صدر بصورة سرية للغاية، ولم ينشر اقتراح لمناقشة أسبابه الموجبة رسميا، كما أن المجلس لم يعرضه على المحامين والجمعية العمومية للنقابة للتشاور، مبينة أن القرار كان قد صدر سرا في 3 مارس/آذار الماضي وعلم به المحامون في 17 من الشهر ذاته.
وعن أبرز المخاوف، ترى غيدة أنه بمجرد رهن الظهور الإعلامي بقرار مسبق من شخص واحد هو نقيب المحامين، فإن ذلك يثير الشكوك من أنه يأتي لمصلحة أصحاب النفوذ من السلطة السياسية والنقدية، بحسب تعبيرها.
وبينما يمنع القانون القضاة والمساعدين القضائيين من الحديث علنا لوسائل الإعلام، فإن فرض رقابة على حديث المحامين، وفق غيدة، يعني أنه لم يعد ممكنا الحديث بحرية وشفافية عن أوضاع القضاء والملفات الساخنة، معلقة “ستصبح العدليات أماكن مظلمة ومغلقة وليست مفتوحة للرأي العام”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.