في الوقت الذي يعزز فيه الرئيس السوري بشار الأسد قبضته على السلطة ويبدأ عودته إلى الساحة الإقليمية، تبقى عودة الحياة إلى الدولة أمرا غير مؤكد بسبب مديونيتها الكبيرة والمساعدات الغذائية المنخفضة، كما تبقى التحديات كبيرة أمام ما تقوم به المعارضة في المنفى والجمعيات المختلفة من إجراءات باعثة للأمل.
بهذا الملخص افتتح موقع “أوريان 21” (Orient XXI) الفرنسي مقالا للكاتب الصحفي هنري معمر باشي رأى فيه أن الدولة التي تسمى سوريا أصبحت من الناحية الجغرافية والبشرية سرابا، ويمكن أن تغرق في مزبلة التاريخ إذا لم يحدث أي شيء، رغم الانتصار الشخصي الذي حققه زعيمها الأسد بعودته إلى أحضان أقرانه العرب في انتظار إعادة تأهيله المحتملة من قبل الدول الغربية التي ما زالت تقاطعه إلى حد ما.
وتساءل الكاتب: ماذا بقي من دولة حدودها لم تعد واضحة، وبعض أراضيها محتلة أو مغتصبة أو منتهكة، إن لم نقل إنها أصبحت مستقلة عنها، وجزء كبير من سكانها يعيشون مشتتين في المنافي، وهي تخضع لعقوبات دولية، وزعيمها منبوذ رغم ما يتلقاه من الرعاية من قبل حلفائه الروس والإيرانيين، وهل يمكن أن نقول إنها لا تزال دولة، وهي محطمة ومستنزفة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا؟
ديون فلكية ومساعدات مخفضة
ومع كل هذه العلل، تصل ديون سوريا تجاه إيران إلى قرابة 50 مليار دولار، وهو رقم فلكي، حسب ما أشار موقع سوريا ريبورت الاقتصادي في شهر مايو/أيار المنصرم، نقلا عن مصادر إيرانية رسمية مسربة، إضافة إلى أن برنامج الغذاء العالمي أعلن الشهر الماضي أنه اضطر إلى قطع مساعداته بنحو النصف عن السوريين المحتاجين إلى مساعدات غذائية أساسية، بسبب نقص الإمكانات المالية.
وفي هذا السياق -كما يقول الكاتب- دعا جزء من المعارضة السورية إلى استئناف المحادثات مع الحكومة برعاية الأمم المتحدة، معتبرا أن السياقات الدولية والإقليمية والوضع في سوريا مواتيان لاستئناف المفاوضات المباشرة، مع أن هؤلاء حاولوا في الماضي الوصول إلى تسوية سياسية تنص على دستور جديد وسلطة تنفيذية جديدة وانتخابات وإصلاحات مختلفة، لكن من دون جدوى.
غير أنه لا يمكن لحوار مفيد أن يجلب الأمل بين نظام متصلب ومعارضة شديدة الانقسام، وفي المنتصف بينها شعب منهك ومسحوق وفقير جدا أُجبر أكثر من 6 ملايين من أفراده على مغادرة بلادهم منذ ثورة 2011، ويواجه البعض خطرا شديدا، وهم يخشون جميعا ألا تتسنّى لهم العودة إلى ديارهم.
المجتمع المدني للإنقاذ
وفي ظل غياب الحل السياسي -حسب الكاتب- قد يجلب المجتمع المدني القليل من الأمل، حيث أطلق أكثر من 150 ممثلا عن جمعيات ومنظمات سورية منصة مشتركة في باريس تسمى “مدنية” بعد أيام من اجتماع المعارضة الشهر الماضي في جنيف، وتضم هذه المنصة محامين وأطباء ورجال إنقاذ وإعلاميين، يريدون الاستقلال عن الأحزاب السياسية والمطالبة بسوريا ديمقراطية رغم 12 عامًا من الحرب ومئات الآلاف من القتلى والمفقودين.
ويعمل هؤلاء، حسب قولهم، لضمان سماع صوت السوريين، وهم يمثلون طرفا ثالثا غير النظام والمعارضة، ويشبهون أنفسهم بالنقابات العمالية البريطانية التي تؤثر على الخيارات السياسية لحزب العمال. يقول أيمن أصفري، رجل الأعمال السوري البريطاني الذي يترأس منصة “مدنية”، “يمكن أن يكون لدى المرء انطباع بأن هناك النظام من جهة، ومن جهة أخرى معارضة، ولكن هذا لا يعني أن ننسى مئات المنظمات التي قامت وما زالت تقوم بعمل رائع”.
وخلص الكاتب إلى أن هناك قوى وإرادة حيوية في المجتمع يمكن أن تعيد سوريا إلى الحياة، ولكن البلد وسكانه بمن فيهم قادة المستقبل لا يزالون بعيدين من نهاية كفاحهم من أجل هذه الغاية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.