أميركا ومعضلة السير في الطريق السليم | آراء


في الوقت الذي يفتخر فيه الأميركيون ببلادهم وبما يعتبرونه قيادة أميركية للعالم لا بديل عنها، ترى الأغلبية منهم في الوقت ذاته أن بلادهم لا تسير على المسار الصحيح.

وبعد أكثر من عامين من حكم الرئيس جو بايدن، لا تتخطى نسبة الأميركيين الذين يرون أن بلادهم تسير في الاتجاه الصحيح 22%، في حين تبلغ نسبة من يحملون وجهات نظر سلبية 76%، وتبلغ نسبة غير المتأكدين 2%.

ومنذ عام 1994، تجري مؤسسة غالوب استطلاعا دوريا لمعرفة رأي الشعب الأميركي في مسار بلاده من خلال الإجابة عن سؤال: “هل تسير أميركا على الطريق لصحيح”؟

ولا يقتصر الاستطلاع على إجرائه مرة واحدة سنويا، إذ يجري الاستطلاع عدة مرات في بعض السنوات طبقا لسخونة القضايا السياسية أو الاقتصادية التي تعرفها الولايات المتحدة.

وتزامن بداية إجراء الاستطلاع عام 1994 بعد عامين من حكم الرئيس بيل كلينتون، ومع تمتع الولايات المتحدة بنشوة انتصارها في الحرب الباردة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وتمتع أغلب الأميركيين بمستوى مادي مرتفع مع إيجابية أرقام أغلب المؤشرات الاقتصادية.

ورغم ذلك، عبّر 30% فقط من الأميركيين عن رضاهم عن مسار اتجاه بلدهم، في حين عبر 66% منهم عن عدم رضاهم، في الوقت الذي قال فيه 4% إنهم لا يعرفون الإجابة.

ووصلت أعلى نسب رضا الأميركيين على مسار بلدهم في ديسمبر/كانون الأول 2001 عقب هجمات 11 سبتمبر، وبدء غزو أفغانستان فيما يعرف ببداية الحرب على الإرهاب. ووصلت نسبة الرضا الشعبي الأميركي إلى 70% في حين عبر 28% منهم على عدم رضاهم، وعدم معرفة 2% منهم أي رد يختارون.

وصلت أدنى نسب رضا الأميركيين على مسار بلدهم في خريف 2008 وسط الأزمة الاقتصادية التي بدأت بانهيار سوق تمويل العقارات الأميركية، ومنها امتدت لبقية القطاعات ولبقية دول العالم. وتدنت نسبة الرضا لتصل إلى 7% فقط، في حين ارتفعت نسبة عدم الرضا إلى 91%، ولم يعرف 1% منهم كيف يردون.

ورغم تشاؤم الأميركيين حول المستقبل، فلا تزال أميركا أغنى اقتصاد كبير في العالم، وأكثرها إنتاجية وإبداعا، ومنذ تسعينيات القرن الماضي عندما بلغت نسبة سكان أميركا من إجمالي سكان العالم 5%، كان نصيب أميركا ربع الناتج الإجمالي العالمي، وبعد مرور 30 عاما، لم تتغير هذه الحصة تقريبا، حتى مع اكتساب الصين نفوذا اقتصاديا، وانخفاض نسبة الأميركيين بالنسبة لسكان العالم.

فإذا كان هناك شيء واحد يمكن أن يتفق عليه الأميركيون من جميع الخلفيات السياسية، فهو أن الاقتصاد ليس في حالة جيدة رغم نجاح بايدن في تمرير حزمة مالية تقدر بتريليوني دولار لإعادة تشكيل الاقتصاد، على أمل إعادة بنائه بشكل أفضل.

لا يكترث الكثير من الأميركيين بحقيقة أن الشركات الأميركية تمتلك أكثر من خُمس براءات الاختراع المسجلة في العالم، أي أكثر من الصين وألمانيا مجتمعتين، كما أن أكبر 5 شركات تنفق على البحوث والتطوير هي شركات أميركية أنفقت العام الماضي ما يزيد على 200 مليار دولار، استفاد منها المستهلكون حول العالم من ابتكاراتهم في كل شيء من الكمبيوتر المحمول والآيفون إلى روبوتات الدردشة ذات الذكاء الاصطناعي.

وتتمتع الولايات المتحدة بريادة علمية لا تضاهيها أي من الدول الأخرى، إذ تملك 11 من أفضل 15 جامعة في العالم، في أحدث تقدير لمؤشر تايمز للتعليم العالي. أما في مجال العلوم والآداب، فمجموع ما حصل عليه الأميركيون من جائزة نوبل منذ أن بدأت عام 1901 يبلغ 326 جائزة أو 40% من إجمالي كل جوائز نوبل، إذ حصلت على 63 جائزة في الكيمياء، و22 جائزة في السلام و12 جائزة في الأدب و47 في الاقتصاد و88 في الفيزياء و94 في الطب. ومن الصعوبة تصور عدم استفادة البشرية جمعاء من نتائج أبحاث هؤلاء العلماء وغيرهم.

لا تنافس الولايات المتحدة أمة أخرى في مجال توفير الفرص الإبداعية من قبل مواطنيها القادرين والمرموقين، وقد أسس رجال أميركيون أغنياء أعظم جامعات العالم ومؤسساته الفكرية والعلمية، مثل هارفارد وستانفورد وييل وجونز هوبكنز وراند وفورد وروكفلير وفولبرايت وكارنيغى.

أما “بيل جيتس” فقد تبرع بأكثر من 24 مليار دولار لصالح أبحاث الإيدز فقط. ويوجد بالولايات المتحدة أفضل مستشفيات فى العالم (كليفلاند وجونز هابكينز وماى كلينيك). وبجانب ذلك توفر الولايات المتحدة أكثر من 50% من الإنتاج الثقافى العالمي (كتب، مجلات، جرائد، أفلام، ومطبوعات وأبحاث علمية).

وتعتقد المدرسة الفكرية الأميركية أن “أميركا” عظيمة بطبيعتها، وهذا ما يشير إليه كبار الساسة الأميركيين، سواء الجمهوريون منهم أو الديمقراطيون. من هنا يستغرب الكثير من المعلقين تشاؤم أغلب الأميركيين بخصوص مستقبل أولادهم، وبمسار اتجاه بلادهم.

يُرجع البعض ذلك إلى أن النظام السياسي الأميركي قد يكون الأكثر فسادا في العالم، والسبب وراء عدم اكتراث معظم الأميركيين لهذه الحقيقة هو أن الفساد عندهم يكتسب الصفة القانونية.

فرغم أن أغلب الأميركيين يؤمنون بأن حكومتهم “حكومة الشعب ومن الشعب ولأجل الشعب”، فإن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك، فهي تبدو “حكومة الشعب من جماعات المصالح ولأجل مصالح هذه الجماعات”، وعلى رأس هذه الجماعات يأتي المجمع العسكري الصناعي، ولهذا السبب لا يذهب نصف الشعب الأميركي لصناديق الاقتراع ويفضلون قضاء يوم عادى بسبب عدم إيمانهم بوجود فروق حقيقية تذكر بين الحزبين في القضايا العامة المهمة.

ومع بدء موسم الانتخابات، واقتراب الأميركيين من الاختبار بين دونالد ترامب وجو بايدن، وهما المرشحان اللذان تشير كل استطلاعات الرأي إلى غضب أغلبية الشعب الأميركي من اضطراره الاختيار بين مرشحين انتهت صلاحيتهما السياسية. ويؤمن أغلب الأميركيين أن أوضاعهم لن تتغير بتغير هوية ساكن البيت الأبيض، ويدعم ذلك التشاؤم الشعبي الأميركي حول مسار بلادهم.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post الصور المتداولة للمهاجرين تهدف لتشويه سمعتنا
Next post الإجازة الأسبوعية منعت كارثة.. حريق في مبنى وزارة الأوقاف بمصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading