أسعار غير مسبوقة للحوم في الأسواق المصرية | آراء


شهدت أسعار اللحوم في الأسواق المصرية أرقاما غير مسبوقة تاريخيا في الشهور الأخيرة، تتزايد حدتها مع اقتراب عيد الأضحى الذي يشهد زيادة سنوية بالاستهلاك، مما دفع الحكومة والقطاع الخاص لتكثيف استيراد اللحوم قبيل عيد الأضحى، فبالإضافة للأسواق التقليدية للاستيراد (السودان والبرازيل والهند) أصبحت الحكومة تستورد من تشاد والصومال وجيبوتي وأوغندا وتنزانيا.

وتعود جذور مشكلة الارتفاع المتتالي لأسعار اللحوم في الأسواق المصرية في السنوات الـ20 الأخيرة، لنقص الأعلاف خاصة في فصل الصيف، وأمراض الماشية التي تؤدي لنفوق عدد كبير منها، ونقص كميات المياه التي تحتاجها عملية التربية، ما يؤدي لعزوف الكثير من المُربين عن تربية الماشية، مما زاد الكميات المستوردة، فتناقصت نسب الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء تدريجيا.

ووفق آخر بيانات منشورة من قبل جهاز الإحصاء الرسمي، بلغت كمية الإنتاج المحلي من اللحوم الحمراء 554 ألف طن عام 2021، مقابل 821 ألف طن عام 2002، وهو الرقم الذي زاد إلى مليون و12 ألف طن عام 2009، لكنه أخذ بالتراجع في السنوات التالية.

وتتصاعد كميات الاستهلاك المحلي من 954 ألف طن عام 2002، حيث تتجاوز المليون طن سنويا منذ عام 2005، حتى بلغت أقصاها عام 2018 إلى مليون و760 ألف طن، ثم عاودت كميات الاستهلاك التراجع لأسباب أبرزها ارتفاع الأسعار لأكثر من القدرة الشرائية للكثير من المواطنين، فرغم الزيادة السكانية المستمرة  فقد تراجعت كميات الاستهلاك من اللحوم الحمراء، فقلت عن المليون طن بالسنوات التالية حتى بلغت 978 ألف طن عام 2021.

تسبب انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار عام 2016 في زيادة تكلفة الأعلاف المستوردة؛ الأمر الذي أدى لخروج الكثير من المربين من السوق

واردات اللحوم تتخطى 1.5 مليار دولار

تزايدت الكميات المستوردة من اللحوم الحمراء من 138 ألف طن عام 2002، ووصلت إلى 720 ألف طن عام 2015 ثم إلى 913 ألف طن عام 2018، رغم تعود غالبية المصريين الإقبال على اللحوم البلدية التي يتم تربيتها بالداخل، لكن فارق السعر الأقل للحم المستورد زاد من الإقبال عليه، ولكن حتى الكميات المستوردة تراجعت هي الأخرى، بسبب زيادة أسعارها مع انخفاض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، حتى بلغت كمياتها 425 ألف طن عام 2021.

وفي العام الماضي بلغت قيمة واردات اللحوم 1.5 مليار دولار، خلافا لـ119 مليون دولار واردات أبقار حية، وفي الربع الأول من العام الحالي بلغت قيمة واردات اللحوم 250 مليون دولار، بتراجع 54% عن نفس الفترة من العام الماضي، بالإضافة إلى 36 مليون دولار واردات أبقار حية بتراجع 21%، ويعود الانخفاض لتراجع الطلب وقيود الواردات من قبل الأجهزة الحكومية بسبب نقص الدولار.

وتشابكت العوامل المؤدية لاستمرار ارتفاع أسعار اللحوم في الأسواق المصرية وأبرزها:

أولا: ارتفاع الأسعار العالمية للحوم والأعلاف

حيث زاد سعر اللحم البقري عالميا من 4.67 دولارات للكيلو عام 2020، إلى 5.39 دولارات عام 2021 ثم إلى 5.78 دولارات بالعام الماضي، وتذبذبت الأسعار في شهور العام الحالي، لكنها ظلت فوق 5 دولارات، فوصلت إلى 5.49 دولارات في مايو/أيار الماضي، وتكرر الارتفاع خلال نفس الفترة بالنسبة للحوم الضأن دوليا.

وشهدت أسعار مكونات الأعلاف ارتفاعا في العامين الماضيين، حيث زاد سعر الذرة عالميا من 166 دولارا للطن عام 2020، إلى 260 دولارا عام 2021 ثم إلى 319 دولارا العام الماضي، وفي العام الحالي تراجعت الأسعار حتى بلغت 268 دولارا للطن في مايو/أيار الماضي.

وتكرر ما حدث مع الذرة مع فول الصويا الذي زاد سعره عام 2021 إلى 583 دولارا للطن، وواصل الارتفاع العام الماضي إلى 675 دولارا، ثم شهد تراجعا في شهور العام الحالي ووصل إلى 595 دولارا في مايو/أيار الماضي.

ثانيا: انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار وتراجع رؤوس الماشية

تسبب انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار عام 2016 في زيادة تكلفة الأعلاف المستوردة، الأمر الذي أدى لخروج الكثير من المربين من السوق، مما أدى لتراجع أعداد الأبقار المحلية من أكثر من 5 ملايين رأس عام 2016، إلى 2.7 مليون رأس عام 2020، وهو رقم أقل مما كان عام 1995، أي منذ 28 عاما.

وتراجعت أعداد رؤوس الجاموس  من 3.4 ملايين رأس عام 2016، إلى 1.3 مليون رأس عام 2020، وهو أيضا أقل مما كان عام 1995 حين بلغ 3 ملايين رأس، وحدث تراجع لأعداد رؤوس حيوانات أخرى ما بين عامي 2016 و2020 أبرزها الأغنام والماعز والجمال.

وتكرر الأثر السلبي لانخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار العام الماضي، حيث زادت تكلفة الأعلاف المستوردة، وأضيف لذلك تأخر البنوك في الإفراج عن الأعلاف المُحتجزة بالموانئ، مما أدى لذبح الكثير من الإناث لقلة الغذاء اللازم لها وارتفاع تكلفته.

كانت وزارة الزراعة المسؤولة عن ملف الإنتاج الحيواني، قد واجهت مشكلة ارتفاع أسعار اللحوم في السنوات الأخيرة بعدة وسائل، أبرزها إحياء مشروع البتلو عام 2017

بلغ عدد بؤر الإصابة بالأمراض المعدية والوبائية للماشية والحيوانات، 54 بؤرة عام 2021 مقابل 32 بؤرة عام 2020، وبلغت الإصابة بمرض الحمى القلاعية 36 بؤرة مقابل 12 العام السابق، والإصابة بمرض الجلد العقدي 16 بؤرة. مع زيادة تكلفة الأمصال والمستلزمات العلاجية البيطرية وانخفاض سعر صرف الجنيه.

رابعا: زيادة أسعار بدائل البروتين الحيواني

حيث كان كثير من المستهلكين يلجؤون للبدائل كلما ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء، خاصة الدواجن والأسماك، لكن ارتفاع الأسعار حاليا شمل كل البدائل، حتى البيض أرخص الوسائل للحصول على البروتين الحيواني.

خامسا: أسعار الأضاحي تتضاعف خلال عام

والنتيجة من كل ذلك هي ارتفاع أسعار الأضاحي بالفترة الحالية لكيلو لحم الضأن الحي، إلى 150-160 جنيها مقابل ما بين 85-95 جنيها في موسم عيد الأضحى الماضي، وارتفاع كيلو العجول البقري الحي إلى 140-150 جنيها مقابل 75-80 العام الماضي، وزيادة متوسط سعر الخروف لأكثر من 11 ألف جنيه، مقابل ما بين 3500 و5 آلاف جنيه العام الماضي، وسعر العجول الحية إلى ما بين 75 و81 ألف جنيه مقابل 25-40 ألف جنيه العام الماضي.

واستوردت وزارة التموين كميات من اللحوم لعرضها بمنافذ المجمعات الاستهلاكية التابعة لها، لإحداث توازن في الأسعار في الأسواق بسعر 195 جنيها، بينما كان السعر في المجمعات الاستهلاكية في موسم عيد الأضحى الماضي 80-115 جنيها، أما كيلو الكندوز في محلات الجزارة الخاصة فيتراوح ما بين 280 و350 جنيها، بل يصل إلى 400 جنيه في بعض الأماكن مقابل 180-220 جنيها العام الماضي.

وكانت وزارة الزراعة المسؤولة عن ملف الإنتاج الحيواني، قد واجهت مشكلة ارتفاع أسعار اللحوم في السنوات الأخيرة بعدة وسائل، أبرزها:

  • إحياء مشروع البتلو عام 2017، والذي يقوم على إقراض المربين بفائدة 5% لمدة عام، لتوفير الغذاء لما لديهم من رؤوس لمنع ذبحها وهي صغيرة، حتى يصل وزنها إلى 400 كيلو.
  • مبادرة ملء الفراغات من خلال استكمال الطاقة الاستيعابية لحظائر الماشية، سواء للتسمين أو للحلاب بقروض بفائدة 5% أطول أجلا.
  • مشروع تحسين السلالات المحلية كي تدر لحما أكثر.
  • نظام الزراعة التعاقدية لتشجيع الفلاحين لزراعة محاصيل الأعلاف (الذرة وفول الصويا)، بالاتفاق على سعر مناسب لشراء المحصول قبل الزراعة بما يضمن للمزارع هامش ربح معقول.

لكن تلك الجهود واجهتها بعض المشاكل، أبرزها شكوى صغار المربين من محاباة مشروع البتلو لكبار المربين على حسابهم، وصعوبات الحصول على القروض، وعدم قدرة الكثيرين على توفير التغذية للحيوان، بسبب حالة الغلاء العامة مما يدفعهم للذبح المبكر للحيوان ولو بالخسارة، ومنافسة محاصيل أخرى أكثر ربحية لمحاصيل الأعلاف، حيث يفضل الكثيرون زراعة الأرز بدلا من الذرة، وعدم تفعيل قانون منع ذبح إناث المواشي.

وتعثر مشروع الرئيس عبد الفتاح السيسي لتوزيع سلالات مستوردة على المربين تدر كميات أكبر من اللحوم، حيث اقتصر الأمر عمليا على توزيع سلالات مُحسنة على 250 أسرة فقط، من خلال وزارة التضامن الاجتماعي وجمعية الأورمان الخيرية بتكلفة إجمالية 15 مليون جنيه، وهو مبلغ قليل لا يتناسب مع ارتفاع قيمة تلك السلالات المستوردة.

وهكذا تراجعت نسبة الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء إلى أقل من 57% عام 2021، بعد أن كانت تزيد على 81% عام 2005، حيث وصل نصيب الفرد إلى 7.4 غرامات يوميا من اللحوم الحمراء عام 2021، بعد أن كان قد تخطى 10 غرامات عام 2011 و13 غراما عام 2015.

ويتجه قطاع من المصريين محدودي الدخل لفواكه اللحوم، وهي الأجزاء المتبقية من الماشية بعد ذبحها، مثل الفشة والكرشة والكوارع والممبار ولحمة الرأس، بعد أن أصبحت أسعار لحوم المجمعات الاستهلاكية ومنافذ البيع التابعة للجيش والشرطة، ووزارة الزراعة أعلى من قدراتهم الشرائية.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post البورصة: تنفيذ صفقة على شركة الأفق للتنمية الزراعية بقيمة 10.9 مليون جنيه
Next post ضبط معيد بكلية الطب حاول قتل أستاذه رمياً بالرصاص في مستشفى مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading