أخبار عاجلة

ما تداعيات رفع سعر الصرف الرسمي للدولار في لبنان إلى 15 ألفا؟ | اقتصاد


بيروت- بدأ لبنان شهر فبراير/شباط 2023، بحدث تتجاوز رمزيته مفاعيله الإجرائية، باعتماد سعر صرف رسمي جديد للدولار يبلغ 15 ألف ليرة بعد ثباته منذ 1997 عند 1507 ليرات، بناء على قرار حدد موعده مسبقا حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة.

وبعدما أصبح سعر الصرف الرسمي للدولار مقابل الليرة مجرد رقم وهمي لا يؤثر على قيمته الحقيقية بالسوق، يأتي هذا الإجراء في إطار ما يقول حاكم المصرف المركزي إنها “خطوة نحو توحيد سعر صرف الدولار مستقبلا”، بينما يرى الخبراء أن المصارف ستكون الأكثر تأثرا به.

في هذا الوقت، بات اللبنانيون أمام 3 أسعار لصرف للدولار، وهي: سعر الدولار الرسمي البالغ 15 ألف ليرة، وسعر ثان حدده المصرف المركزي عبر منصة “صيرفة” ويبلغ 38 ألفا، وثالث يتم التعامل به بالسوق الموازية وقد تجاوز حاليا عتبة 60 ألف ليرة للدولار.

تاريخيا، كان سعر صرف الدولار يتراوح حتى مطلع الثمانينيات وما تخللها من حرب أهلية بين ليرتين و3 ليرات، ثم شهد ارتفاعا كبيرا في قيمته حيث بلغ 3 آلاف للدولار سنة 1992، أي بعد انتهاء الحرب وتوقيع اتفاق الطائف.

ومع مجيء الرئيس الراحل رفيق الحريري وتعيين رياض سلامة حاكما للمركزي سنة 1993، جرى ضبط تدهور الليرة لما دون 1900 ليرة، ثم تم تثبيت السعر رسميا عند 1507 ليرات عام 1997.

ومن حينها، تولى سلامة مهمة “الحفاظ” على ثبات الليرة عند 1507 ليرات للدولار، واعتبر كثيرون أن هذه السياسة من أبرز العوامل التي كبدت لبنان خسائر هائلة في عملته، خصوصا مع ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي على مر السنوات، إلى أن توالت فصول انهيارها منذ خريف 2019.

الجزيرة نت حملت مجموعة من الأسئلة حول خلفيات وتداعيات تعديل سعر الصرف الرسمي للدولار لأول مرة منذ نهاية التسعينيات، إلى كل من الخبير الاقتصادي والمصرفي علي نور الدين، والمصرفي والاستشاري في بنك “بيبلوس” اللبناني نسيب غبريل، وخبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي.

 

ما رمزية تعديل سعر الصرف الرسمي إلى 15 ألفا؟

يعتبر نسيب غبريل أن هذا القرار يعني اعترافا رسميا بعدم القدرة للعودة إلى الوراء، وأن تعديله “طوى مرحلة تاريخية بتثبيت سعر الصرف عند 1507، وهذا الأمر تتحمل مسؤوليته السلطة السياسية، إذ كان ممكنا أن تكون كلفة التثبيت أقل لو أجرت الإصلاحات البنيوية”.

ويعتقد غبريل أن لبنان استفاد من تثبيت الليرة، إذ كان معدل التضخم بين 1997 و2019 لا يتجاوز 3%.

كما يجد محمد فحيلي أن التعديل يفقد قيمته ورمزيته بعدم قدرته على ضبط تفلت سعر صرف الدولار بالسوق الموازية، ويقول إن السلطة السياسية والنقدية تمهد عبره الطريق نحو توحيد سعر الصرف، و”ما زالت بعيدة عن ذلك”.

بالمقابل، يذكر علي نور الدين، أنه قبل الشروع في تعديل سعر الصرف الرسمي، فإن الرسوم الرسمية للكهرباء والخليوي وغيرها مثلا، أصبحت تسعر وفق سعر منصة “صيرفة”، وكل ما له علاقة بالضرائب والرسوم الأخرى، يتم تحديدها بموجب أسعار صرف متباينة تعلنها وزارة المالية، وهناك توجه لتحديدها أيضا وفق “صيرفة” بموازنة 2023.

وتعد منصة “صيرفة” حالة استثنائية غير مشرعة قانونيا، أنشأها البنك المركزي اللبناني في مايو/أيار 2021، وبدأت بسعر صرف الدولار مقابل 12 ألف ليرة، وهي اليوم تناهز 38 ألفا، وعجزت عن تأدية وظيفتها الأساسية لجهة ضبط سعر الصرف، والقضاء على السوق السوداء.

ويحدد نور الدين مسألتين تتأثران فعليا بتعديل سعر الصرف الرسمي:

  • طريقة تصريح المصارف التجارية بميزانياتها وعلاقتها مع مصرف لبنان.
  • القروض بالدولار، خصوصا أن المصارف أصبحت مؤخرا ترفض من العملاء تسديدها وفق 1507 ليرات.

ويقول إن الإشكالية تتمحور حول معنى ومفهوم “سعر الصرف الرسمي” وسط تعددية أسعار الصرف، وعجز المركزي عن توحيده أو فرضه كسعر واقعي بالسوق.

اللبنانيون وجدوا أنفسهم أمام 3 أسعار مختلفة لصرف الدولار مقابل الليرة (رويترز)

هل يعد مفعول التعديل محدودا أم ذا تأثير واسع؟

يذكر محمد فحيلي أن القرار يترافق زمنيا مع تعديل وزارة المالية لأسعار صرف ضريبة الدخل والدولار الجمركي، مما سيعزز الطلب على الأوراق النقدية، ويعطي هامشا أوسع للتجار والصرافين والمصرفيين بالمضاربة على الليرة.

ويقول غبريل إن معظم التبادلات التجارية تعتمد على سعر صرف السوق الموازية، مما عزز اعتماد لبنان على ما سماه “الاقتصاد المدولر والنقدي”، مؤكدا أن ذلك “سيرخي بتأثيرات بالغة على المصارف وميزانيتها”.

كذلك يعتبر علي نور الدين أن المفعول المباشر لتعديل سعر الصرف الرسمي “سيكون على المصارف بسبب فجوة كبيرة بالميزانيات المصرفية بين الالتزامات والموجودات بالدولار”، وأن هذه الفجوة “ستظهر أكثر حين يصبح سعر الصرف أكبر وتضطر المصارف التجارية للتصريح عن الدولارات بميزانيتها”.

لماذا تعد المصارف القطاع الأكثر تأثرا بتعديل سعر الصرف الرسمي؟

قدر لبنان رسميا في ديسمبر/كانون الأول 2021 الخسائر بالجهاز المصرفي بنحو 70 مليار دولار، وتبلغ المطلوبات من المصارف بالعملات الأجنبية بالجهاز المصرفي نحو 114 مليار دولار، ومقابلها يوجد حوالي 35 مليار دولار كتوظيفات قابلة للتسييل، أي أكثر من 85 مليار دولار غير موجودة، وجزء كبير منها جرى تحويله للخارج قبيل انفجار الأزمة المصرفية عام 2019.

وقبل أيام، أصدر المركزي اللبناني تعميما أتاح عبره للمصارف معالجة خسائرها المترتبة على 5 سنوات، خصوصا أنها مع هذا التعديل ستتكبد خسائر برساميلها تبلغ نحو 13.5 مليار دولار.

وهنا يقول نسيب غبريل إن قيمة رساميل المصارف وفق 1507 ليرات، كانت تبلغ نحو 16 مليار و400 مليون دولار، وأصبحت تساوي الآن نحو مليار و600 مليون دولار وفق سعر 15 ألف ليرة للدولار، أي خسرت نحو 15 مليار من قيمة رساميلها.

لكن تعميم المركزي، بحسب غبريل، أعطى المصارف فرصة لمعالجة خسائرها بـ5 سنوات حتى 2027، وكل سنة بنسبة 20%، كما “سمح للمصارف بإعادة تقييم موجوداتها العقارية واحتسابها لغاية 50% من الأرباح المحققة من رأسمالها، وأعطاها فرصة لتصفية مراكز القطع”.

وتصل قيمة مراكز القطع المدنية بالعملات الأجنبية لدى المصارف إلى نحو 8 مليارات دولار، وهي الحسابات التي يسجلون عبرها عمليات شراء الدولار نسبة لرأس المال.

توازيا، يقول علي نور الدين إن المركزي منح المصارف ترف إعادة تخمين عقاراتها وممتلكاتها بالدولار، وسط ضبابية لجهة آلية عمليات التخمين وفق منصة “صيرفة”.

ويعتبر أن تعاميم المركزي بهذا الصدد هي لشراء وقت تفاديا لاستحقاق إعادة هيكلة المصارف والاعتراف بالخسائر ومعالجتها جذريا وبشفافية.

كيف تتأثر الودائع بتعديل سعر الصرف الرسمي للدولار؟

ينقسم المودعون على نحو 64 مصرفا لبنانيا بعشرات فروعها الممتدة بين الداخل والخارج، وتتصاعد أصوات هؤلاء لاسترداد أموالهم المحتجزة بصورة غير قانونية لكن من دون جدوى، وتقدر قيمة ودائع غير المقيمين بـ20 مليار دولار، مقابل 80 مليار دولار ودائع للمقيمين.

ويقول نسيب غبريل إن المركزي يسعى لتوحيد سعر صرف السحوبات النقدية بالدولار، وأنها ستتعدل من 8 آلاف و12 ألفا إلى 15 ألفا، لكن المهم، “مصير الودائع وبأي طريقة ومهلة سيتم استردادها”.

ويجد علي نور الدين أن الودائع تتأثر بصورة طفيفة، مع تقليص قيمة الاقتصاص التي يعاني منها المودعون بنسبة ضئيلة للغاية، ولا تتماشى مع قيمة الدولار بالسوق الموازية، أي أن خسارة المودعين ستبقى كبيرة ومستمرة.

هل سيؤثر سعر الصرف الرسمي الجديد على تقلبات قيمة الليرة بالسوق السوداء؟

قفز سعر صرف الدولار بداية فبراير/شباط إلى 60 ألف ليرة للدولار، بعد هدوئه وتراجعه لأيام إلى نحو 58 ألفا.

ويجد محمد فحيلي أن هذا الإجراء سيزيد تباعا إنعاش السوق الموازية، لأنه سيتسبب تلقائيا بزيادة الكتلة النقدية بين أيدي الناس، وأن المصارف قد تزيد الضغط عليه لتحسين رساميلها.

ويعتقد نسيب غبريل أن هذه السوق تحكمها مجموعة من المضاربين، وأن البعض يأخذ تعاميم المركزي كعذر لتوسيع عمليات المضاربة على الليرة.

في حين يقول علي نور الدين إن سعر صرف الدولار بالسوق لن يتأثر بشكل مباشر بتعديل السعر الرسمي، إلا من زاوية افتراض أن رفع سعر صرف السحوبات النقدية بالدولار مرتبط بسعر 15 ألفا.

ويعني ذلك في نظره أن المركزي سيضطر إلى طبع مزيد من أوراق الليرة لطرحها بالسوق، وستؤثر أكثر على قيمة الكتلة النقدية المتداولة خارج مصرف لبنان، وتبلغ حاليا نحو 6.716 آلاف مليار ليرة (تقدر بنحو 1.1 مليار دولار)، بعدما كانت قبل الأزمة لا تتجاوز 6.59 مليارات ليرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى