يرتبط استخدام الألعاب النارية بالمناسبات والمواسم السعيدة، كرمضان والأعياد، إلا أن تطورا ملحوظا صار يرتبط بصناعتها واستخدامها على كل المستويات، فتحولت من أداة للاحتفال إلى خطر بالغ في أيدي الأطفال، ووسيلة ترويع تتحدى القوانين وتتسبب في حوادث مؤسفة.
ماذا حدث؟
طاولة صغيرة، ومكان بسيط في شارع جانبي، هذا كل ما يتطلبه الأمر لبيع الألعاب النارية التي تعتبر حيازتها أو الاتجار بها في مصر جريمة، حتى أن الأجهزة الأمنية تواصل ملاحقة حائزيها، سواء كانوا مصنعين أو تجارا، لهذا لن ترى “الصواريخ” تعرض بشكل علني في المحال الكبرى، وإنما تباع “خلسة” رغم عمليات الضبط المستمرة.
جولة سريعة على عدد من تلك الطاولات، يظهر مقدار الإغراء الذي تحمله العلب، مع اختلاف أحجام وأطوال وأسعار الصواريخ التي يحمل أكثرها صورا للاعبي كرة قدم عالميين، من بينهم محمد صلاح، وأخرى تحمل شعار “لا للخوف”. أما الأكثر لفتا للنظر، فتلك التي تحمل صورة وتصميم قنبلة، والتي يبدو أنها ليست صورة فحسب، بل تعبير دقيق عن الأثر الذي تتركه وراءها!
دعاء عبد العظيم التي تدرس في مرحلة الثانوية العامة، تعاني التهابا في الأذن الوسطى، وتتلقى علاجا مكثفا منذ بداية شهر رمضان، لكن معاناتها مع آلام أذنها تضاعفت بسبب الصواريخ، تقول “أشعر وكأنها قنابل، درجة الصوت ليست طبيعية، يمكن معرفة الفارق الضخم بين الألعاب النارية القديمة والحديثة بمقارنة صوت البُمب العادي بصوت الصواريخ الجديدة، تلك التي اختلف حجمها، وصار صوتها ليس فقط مزعجا، ولكن مؤلما أيضا، يطاردني طوال الوقت، في المنزل والشارع وحتى داخل الجامع، حيث يتعمد بعض الأطفال إلقاءها في ساحات صلاة التراويح، وأحيانا على المارة، صرت أمشي وأنا أضع يدي على أذني في الشارع، بينما أتلفت يمينا ويسار خشية أن يكون أحدهم قد ألقاها تحت قدمي”.
بموجب “المادة 102 أ” من قانون العقوبات المصري الخاصة بالإرهاب، فإن حيازة المفرقعات والمتفجرات تؤدي إلى الحكم بالمؤبد والإعدام، ويترتب عليها مصادرة الأراضى ووسائل النقل والأدوات محل الجريمة، فضلا عن معاقبة كل من علم بارتكاب الجريمة ولم يبلغ السلطات المختصة قبل اكتشافها بالسجن، وقد تم إدراج البارود الأسود كـ”مفرقعات” بموجب قرار من وزير الداخلية رقم 1872.
لم يستوعب محمود كارم حجم الضرر الذي لحق بملابس شقيقته الصغرى التي لم تكد تخرج من باب منزلهم حتى ألقى عليها مجموعة من الشباب “صاروخا” أحرق ملابسها، تاركا الجميع في حالة ذهول: “لماذا؟ وكيف يحدث هذا في شهر رمضان الكريم؟”.
سوق ضخمة
تروي “أ. أ” ما حدث لقريبة لها بسبب الصواريخ قبل سنوات “اشترت صواريخ، ووقفت لتفجرها في الشارع صحبة والدتها، إلا أن الصواريخ كانت فاسدة على ما يبدو فانفجرت في يدها. فقدت إصبعين من يدها، وما تزال تعاني حتى الآن، فيما احترقت يد والدتها. ورغم استمرار المعاناة حتى اليوم، وتكرار الحوادث فإنها لم تتوقف، فأخيرا، احترقت شقة صديقتي بالكامل، واحترقت معها نصف العمارة، بسبب جار قرر أن يلقي صاروخا من النافذة، إلا أنه سقط في شرفة صديقتي وسبب حريقا هائلا”.
وما تزال السيدة الأربعينية تتساءل عن السبب في استمرار الاتجار بتلك الأشياء رغم تجريمها والحوادث الناتجة عنها، وقد يكون الجواب بسبب المكاسب الضخمة التي يحققها المتاجرون في تلك المواد.
فاتورة صحية باهظة
في دراسة علمية عن حجم الإصابات الناتجة عن الألعاب النارية في وقت السلم باليمن، تبين أن 93.9% من المصابين ذكور، تتراوح أعمارهم بين 5 و10 أعوام، وكانت أكبر نسبة إصابة هي إصابات اليد (63.3%)، تليها إصابات الوجه والعينين بنسبة 12.1%، وفقد بعض المشاركين في الدراسة بصرهم بالكامل بسبب الألعاب النارية.
في عيادة العيون الخاصة به في مدينة الزقازيق، يستقبل طبيب العيون المصري الدكتور محمد فوزي عددا غير قليل من ضحايا الألعاب النارية، ويقول “سوف أتحدث عن حالتين بالذات استقبلتهما خلال رمضان الجاري، الحالة الأولى لشاب، أصيب بحروق في عينه بسبب انفجار الصاروخ بالقرب منها، وقد كان بحاجة إلى عملية جراحية في القرنية لتجنب حدوث عتامة شديدة قد تلازمه بقية حياته، وأما الحالية الثانية فقد جاءتني يوم 5 أبريل/نيسان الحالي، وكانت خطيرة جدا، حيث كان يعاني من انفجار في جسم العين، مع نزيف شديد جدا كالشلالات داخل عينه، اضطررت أيضا لاتخاذ إجراء فوري قبل مرور 24 ساعة، حتى لا يخسر عينه بشكل كلي، وإن كانت لن تعود كما كانت أبدا”.
يؤكد طبيب العيون الشاب أن ثمة تغييرا في قوة الصواريخ التي يلعب بها الأطفال، حتى أنها صارت فتاكة، ويضيف “لم أصدق في البداية أن تلك الإصابات ناجمة عن صواريخ موجودة في أيدي الأطفال جميعا، تصورت أنهم قد تعرضوا لضرب أو اعتداء، لكنني حين رأيت أثر الصاروخ بين الجفن وجسم العين صعقت”.
وتشهد طوارئ المستشفيات على عدد ضخم من الحوادث، وهي لا تتعلق بإصابات العيون وحسب، ولكنها تمتد إلى الحروق، ومشكلات السمع، فضلا عن حوادث الحرائق التي لا يوجد بشأنها إحصاء رسمي.
آثار خفية
لعل واحدة من الآثار غير المتوقعة للألعاب النارية، هو تأثيرها المحتمل على الجهاز التنفسي، حيث تشير دراسة علمية إلى تغير جودة الهواء المحيط بالتفجيرات الصغيرة، إذ يصير بعدها محملا بمكونات معدنية وغازات لها تأثير محتمل على الجهاز التنفسي، وكذلك هؤلاء الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي الكامنة، حيث تؤدي إلى الإصابة بالربو والانسداد الرئوي المزمن.