انتخابات تركيا.. وعد دميرطاش بنزع سلاح حزب العمال الكردستاني | آراء


وضعت الصفقة غير المُعلنة التي أبرمها المرشح الرئاسي لتحالف المعارضة السداسي في تركيا كمال كليجدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المسألة الكردية على قائمة القضايا الأكثر أهمية في المنافسة الانتخابية.

ولأن حزب العمال الكردستاني المحظور يبدو في قلب هذه الصفقة وإن كان بعيدًا عنها في الظاهر، يأخذ النقاش بشأنها منحى يتجاوز التأثير الانتخابي الذي سيُحدثه دعم حزب الشعوب لمصلحة كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية.

سبق أن تطرّقت في مقالة نشرتها في الجزيرة نت في العاشر من أبريل/نيسان عن رهانات حزب العمال الكردستاني على انتخابات 14 مايو/أيار والأسباب التي دفعته إلى دعم كليجدار أوغلو. ولأن الخلاصات التي توصّلت إليها ارتكزت على تحليل الوعود التي قدّمها التحالف السداسي في وثيقة السياسات المشتركة بتبنّي سياسات مختلفة في بعض الجوانب عن سياسات أردوغان في الحالة الكردية وعلى تحليل البيان الانتخابي لحزب الشعوب وبيانات الدعم الصريحة لكليجدار أوغلو من جانب قادة بارزين في حزب العمال الكردستاني، فإن هذه الخلاصات لا تزال بحاجة إلى مُعطيات ملموسة للوصول إلى فهم دقيق للصفقة وعلاقة حزب العمال بها وتأثيرها المحتمل على مستقبل الصراع بين تركيا والتنظيم الانفصالي.

مع ذلك، قدّمت التصريحات التي صدرت أخيرًا عن الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المسجون صلاح الدين دميرطاش إشارات مهمة بهذا الخصوص. فقد وعد دميرطاش في تغريدة نشرها على حسابه في تويتر في 14 أبريل/نيسان الجاري بالعمل على نزع سلاح حزب العمال الكردستاني في حال هزيمة أردوغان في الانتخابات ووصول المعارضة إلى السلطة.

وعلى الرغم من أن دميرطاش لم يعد له دور رسمي في الحزب منذ سجنه، فإنه عمليا لا يزال يلعب دورًا قياديا رئيسيا فيه وأشرف على صنع الإستراتيجية الراهنة للحزب خصوصًا في ما يتعلق بهندسة الصفقة مع كليجدار أوغلو، وهو ما يكسب الرسائل التي يُصدرها من سجنه أهمية كبيرة لفهم التوقعات العريضة التي يضعها ومن خلفه حزب العمال الكردستاني من هذه الانتخابات.

وبالنظر إلى أن كلا من كليجدار أوغلو وحزب الشعوب لم يُعلنا بشكل صريح الاتفاق بينهما على دعم الحزب لكليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، فإن أحد الدوافع الرئيسة لإخراج الصفقة بهذا الشكل يهدف إلى الحد من تأثيراتها السلبية على التحالف السداسي خصوصًا لجهة احتمال خسارة الأصوات القومية التي تُعارض التحالف مع الحزب الكردي. ويُمكن النظر إلى وعد دميرطاش على أنه محاولة لطمأنة الناخبين القلقين من هذه الصفقة ودفعهم إلى النظر إليها من منظور أنها ستسهم في إيجاد حل لتمرد حزب العمال الكردستاني.

وسيكون من الصعب في الوقت الراهن قياس التأثير المحتمل لوعد دميرطاش على مزاج الناخب التركي عمومًا والأصوات القومية في جبهة المعارضة على وجه الخصوص، لأن العوامل المُحددة للسلوك الانتخابي عديدة ومُعقّدة، لكنّ التطمينات التي سعى دميرطاش لتقديمها لا تبدو جذابة بشكل فعال للناخب القومي، لا بل إنها قد تأتي بنتائج عكسية.

وفي حين أن كليجدار أوغلو سعى منذ التوصل إلى الصفقة غير المُعلنة مع حزب الشعوب لتجنب الخوض فيها، فإن تصريحات دميرطاش عززت الافتراض السائد بأن حزب العمال الكردستاني يلعب دورًا أساسيا في تحالف المنفعة بين كليجدار أوغلو وحزب الشعوب وبأنه يسعى من خلال القوة الوازنة لناخبي حزب الشعوب إلى رهن الدعم لكليجدار أوغلو بأن يقبل في حال فوزه بالرئاسة بإحداث تغيير جذري على سياسات الدولة التركية في المسألة الكردية الداخلية وخصوصا في صراعها ضد حزب العمال في الداخل والخارج.

أحد الأهداف الواضحة لحزب الشعوب الديمقراطي ومن ورائه حزب العمال هو منح الحكم الذاتي المحلي للمناطق ذات الغالبية الكردية والإفراج عن زعيم حزب العمال المعتقل منذ عقود في السجون التركية عبد الله أوجلان، ووقف العمليات العسكرية التركية ضد التنظيم وفرعه السوري وحدات حماية الشعب الكردية. ولأن إقرار كليجدار أوغلو بهذه المطالب سيُلحق ضررًا كبيرًا بقاعدة الدعم له وللتحالف السداسي بقدر أكبر من الفوائد التي تتطلع إليها جبهة المعارضة، فإنها تُشكل الجزء الأكثر حساسية في الصفقة.

هناك بعض المؤشرات الواضحة على الأرضية التي ينطلق منها كليجدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي في التحالف بينهما، وتتركز بشكل أساسي على الوعود التي طرحها التحالف السداسي في وثيقة السياسات المشتركة بالتخلي عن سياسة الوصي على رؤساء البلديات التي عُزلوا منها في السنوات الماضية بسبب ارتباطهم بحزب العمال، فضلًا عن التعهد بوقف إجراءات إغلاق حزب الشعوب في حال وصلت المعارضة إلى السلطة، بالإضافة إلى تعهد كليجدار أوغلو بإعادة طرح المسألة الكردية في البرلمان.

هل يُدرك كليجدار أوغلو خطورة لعبة المساومة التي دخلها مع حزب الشعوب الديمقراطي ومن خلفه حزب العمال الكردستاني؟

مع ذلك، فإن الوعد الذي طرحه دميرطاش بخصوص نزع سلاح حزب العمال الكردستاني يفتح الباب على نقاش بشأن الثمن الذي يسعى له التنظيم مقابل دعم كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية. ويُمكن التوصل إلى استنتاج مهم في هذه المسألة: إذا كان دميرطاش يعد بنزع سلاح حزب العمال، فإن الافتراض الواقعي أن البنود الحساسة للصفقة تتضمن تحقيق المطالب الأكثر أهمية لحزب الشعوب وحزب العمال الكردستاني. ومن المهم النظر إلى حالة حزب الشعوب الديمقراطي وإستراتيجيته في الانتخابات الحالية على أنها ترتكز أولًا على تحقيق مكاسب تتعلق بالحالة الكردية عمومًا وتتجاوز هدف الإطاحة بحكم الرئيس رجب طيب أردوغان.

مبررات للشك

يُثير وعد دميرطاش بالعمل على نزع سلاح حزب العمال الكردستاني نقطتين مُهمّتين:

على الرغم من أن هذا الوعد يُقدم بديلًا لعملية السلام التي انهارت بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في منتصف العقد الماضي، ولم تصمد أكثر من عامين، فإن جزءا من إستراتيجية الخداع التي يمارسها حزب العمال المحظور، والتي يظهر فيها كطرف يُريد وضع نهاية لهذا الصراع بينما يسعى في الواقع إلى توظيف أي سلام مع تركيا في إطار مشروعه الانفصالي الذي يتجاوز الجغرافيا التركية ويرتبط بمشروع الدولة الكردية التي تجمع أكراد تركيا والعراق وسوريا وإيران.

لا يترك انقلاب حزب العمال الكردستاني على عملية السلام مجالًا للثقة بالوعد الذي قدّمه دميرطاش. وعلى عكس الادعاءات المخادعة التي يُظهرها دميرطاش وحزب العمال الكردستاني بأن عملية السلام انهارت بسبب تخلّي أردوغان عنها، فإنها انهارت ببساطة لأنها قطعت الطريق على المشروع الانفصالي الكردي في تركيا. وما يُعزز ذلك أن صعود المشروع الانفصالي الكردي في سوريا في الفترة التي انهارت فيها عملية السلام أعاد تعزيز قناعة حزب العمال بأن العودة إلى نهج العنف هي السبيل الوحيد لتحقيق حلم الدولة الكردية.

قد يبدو تحالف أردوغان مع القوميين أحد الأسباب التي حالت دون نجاح عملية السلام، لكنها أسباب جانبية وليست مباشرة، فتحالف أردوغان والقوميين ظهر بعد انهيار عملية السلام وليس قبلها. وفضلا عن ذلك، فحتى لو كان كليجدار أوغلو راغبًا بإعادة إحياء عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني، فإنه لا يملك تأثيرًا كافيًا على حزب العمال لتغيير أيديولوجيته الانفصالية، ولن يستطيع بأي حال تجاوز الخطوط الحمراء التي تفرضها مصالح الأمن القومي التركي في الصراع مع الإرهاب.

إذا كان دميرطاش قادرًا على إقناع حزب العمال الكردستاني بالتخلي عن سلاحه، فلماذا لم يقم بهذا الدور بعد إبرام عملية السلام بين الحزب والدولة التركية. على العكس من ذلك، انخرط حزب الشعوب بقيادة دميرطاش في إعادة إحياء النزعة الانفصالية في جنوب شرقي تركيا بعد صعود المشروع الانفصالي الكردي في شمال سوريا، وهو ما عزز القناعة بأن حزب الشعوب مُجرد واجهة سياسية للمشروع الانفصالي لحزب العمال الكردستاني. حقيقة أن معضلة حزب العمال ترتبط بالحالة الكردية الانفصالية في تركيا ودول الجوار تجعل من الصعب على كليجدار أوغلو أو أي حكومة ستتولى قيادة تركيا بعد الانتخابات معالجتها بالطريقة المخادعة التي يُقدمها حزب الشعوب الديمقراطي. إن الوظيفة الأساسية لحزب الشعوب الديمقراطي من وجهة نظر حزب العمال الكردستاني هي لعب دور سياسي في تركيا يخدم طموحاته الانفصالية.

أخيرا، أثار إعلان حزب العمال الكردستاني وقف عملياته العسكرية داخل تركيا حتى يوم الانتخابات القلق على وجه الخصوص من إستراتيجية اليوم التالي له في حال خسارة المعارضة الانتخابات. ولأن البيئة التي ستفرزها الانتخابات قد تكون أكثر استقطابًا في حال هزيمة المعارضة، فإن حزب العمال المحظور سيجد فيها فرصة لإعادة إحياء تمرده ضد الدولة التركية بشكل عنيف.

فهل يُدرك كليجدار أوغلو خطورة لعبة المساومة التي دخلها مع حزب الشعوب الديمقراطي ومن خلفه حزب العمال الكردستاني؟

 



Previous post إيلون ماسك يتلقى الضربات.. وتغريدته شديدة الغرابة
Next post الوثائق المسربة.. واشنطن اقترحت على كييف الانسحاب من باخموت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *