جاكرتا- ما إن يحل شهر رمضان المبارك في إندونيسيا حتى يبدأ كثيرون التخطيط لخوض رحلة العودة إلى القرى، قبيل عيد الفطر المبارك، ليقضوا العيد مع أهلهم وأقربائهم في الأرياف التي يعود أصلهم إليها.
وربما بدأ بعضهم ادخار مبلغ رحلة رمضان والعيد هذه قبل شهور بسبب دخله المحدود، فالعائد يفترض أن يعود بما يفرح أهله من كسب عمله في المدينة.
هي ظاهرة اجتماعية ثقافية ذات صبغة دينية وآثار اقتصادية، وحسب وزارة المواصلات الإندونيسية فإنه يتوقع أن يبلغ عدد الإندونيسيين الذين يسلكون رحلة العيد هذا العام 123.8 مليون نسمة، أي نحو 45% من سكان البلاد.
وهي زيادة بنسبة 44.79% عما كان عليه الحال العام الماضي حيث كانت هناك بقية من قيود الحركة على نشاط وحركة السكان بسبب جائحة كورونا، حيث سلك 85.5 مليون نسمة تلك الرحلة العام الماضي.
وكان العدد أقل من ذلك عام 2021 حيث عاد 27.6 مليون إندونيسي إلى قراهم عام 2021، وبالطبع فالعدد أقل من ذلك بكثير في عام 2020 عندما حلت جائحة كورونا لأول مرة وكانت القيود مشددة على حركة المواطنين بين المدن والمحافظات حتى القريبة منها لدرجة وضع نقاط تفتيش من قبل الشرطة والجيش على الطرق بين المدن والأرياف.
تنوع وسائل النقل
ولا يقصد بهذا الأمر سكان جاكرتا فقط، بل كل سكان المدن التي تجذب سكان الأرياف للعمل فيها، وبسبب طبيعة إندونيسيا الأرخبيلية وبعد المسافات، وحسب الإمكانات، فإنه من اللافت ملاحظة تنوع وسائل النقل التي يستقلها الإندونيسيون.
ويشير تقدير وزارة المواصلات إلى أن من مجموع المسافرين لا يستقل الطائرات إلا 6.19 ملايين نسمة (5% فقط من مجموع عدد العائدين لقراهم) خاصة مع ارتفاع أسعار التذاكر نسبيا، مقارنة بـ 27.32 مليون شخص يتوقع أن يستخدموا سياراتهم الخاصة عبر الطرق، يأتي هذا مع افتتاح نحو 11 طريقا سريعا جديدا.
يلي ذلك 25.13 مليون نسمة يتوقع أنهم يستقلون دراجاتهم النارية رغم أن ذلك خطر نسبيا ومرهق، وفي المرتبة الثالثة، يتوقع أن يختار 22.77 مليون نسمة ركوب الحافلات، وهؤلاء عليهم تأمين تذاكرها مبكرا بسبب الزحام الشديد في الأيام الأخيرة من رمضان، أما القطار فهو الوسيلة المفضلة لـ 14.47 مليون شخص، ومن لا يملك سيارة قد يستأجرها وهذا خيار 9.53 ملايين شخص، حسب تقدير الوزارة.
ويستفيد من العبّارات البحرية بين الجزر-كتلك التي بين جزيرتي جاوة وسومطرة مثلا- نحو 6.67 ملايين إندونيسي، فيما يركب القوارب والسفن 1.66 مليون إندونيسي، عائدين إلى جزر ليس فيها مطارات في الغالب أو أن الرحلة التي يسلكها المسافر تقتضي ذلك بسبب موقعها من مكان عمله.
وهذا واضح في مناطق الجزر الصغيرة المنتشرة والمتقاربة كأرخبيل جزر رياو القريب من سنغافورة مثلا، بينما يمكن تأكيد توزيع بقية العدد بعد رحلة عشرات الملايين عائدين بشكل عكسي من القرى إلى المدينة بُعيد عيد الفطر المبارك.
صلة الرحم
كثيرة هي الكلمات العربية التي استخدمتها اللغة الإندونيسية أو الملايوية مع دخول الإسلام منذ القرن الأول الهجري، وأحيانا يتوسع ويتغير معنى تلك الكلمة، ومن تلك الكلمات “صلة الرحم” التي تأخذ معاني واسعة في القاموس الثقافي الإندونيسي، وفي موسم العيد تصبح “صلة الأرحام” كلمة يرددها كثيرون فرحلة العودة إلى القرية هي صلة رحم قبل كل شيء بالنسبة لكثير منهم.
صحيفة كومباس الإندونيسية أجرت استطلاعا لافتا أواسط شهر رمضان المبارك، وطرحت على المستجوبين عدة أسئلة وفي مقدمتها: ما الذي يخطر في ذهنك للوهلة الأولى عندما تسمع كلمة صلة الرحم؟ فأجاب 45.1% -من مجموع 502 شخص استجوبتهم الصحيفة في 34 إقليما- بالقول إنها تعني بالنسبة لهم “اللقاء بالأسرة” أو أن يتجمعوا مع أفراد أسرتهم.
فيما قال 18.1% بأن معناها بالنسبة لهم مسامحة الآخرين وطلب العفو منهم، وقال 10.6% إنهم يعرفونها بتقوية الأواصر الاجتماعية، بينما فسرها 7.3% بمعنى الزيارات الاجتماعية، و6.1% يرونها عنوانا للعلاقات بشكل عام، وربما بسبب اقتراب العيد فقد قال 3.5% إنها تعني العودة إلى القرية، فيما ربط 2.1% منهم “صلة الرحم” بعيد الفطر.
وسألت الصحيفة في استطلاعها، ما أهم سبب لصلة الأرحام؟ وهنا تجيب الأغلبية من جمهور الاستطلاع (81.9%) بالقول إنها من أجل تقوية الروابط مع الأهل والأقرباء، فيما قال 7.8% إنهم يسعون بذلك إلى تجاوز الخلافات وإنهاء القطيعة، بينما رأى 4.7% إن صلة الرحم من تعاليم الدين، وقال 1.2% إن صلة الرحم تطيل العمر.
حركة مالية من المدن للأرياف
وفي حديثه للجزيرة قال الباحث في مركز الإصلاح الاقتصادي في جاكرتا يوسف ريندي مانيلات إن رمضان والعيد يعدان موسما للتكافل والتعاطف، وبهذا يشعر بروح العيد وأجوائه الجميع من أهلهم وأصحابهم في القرية.
وعن الفارق بين هذا العام والأعوام الماضية التي شهدت إجراءات للحد من انتشار كورونا، أوضح ريندي أن السنوات السابقة شهدت قيودا، أما الآن فألغيت كل القيود، والفارق الآخر هو ما يتعلق بصرف راتب المكافأة الخاصة بالأعياد، حيث إنه لم يكن مفروضا على بعض القطاعات منح هذه المكافأة العام الماضي في ظل الجائحة.
وتوجب الحكومة على أصحاب الأعمال في كل القطاعات منح موظفيهم مكافأة العيد، وهذا سيكون له أثر كبير على الاقتصاد الوطني، “ولذلك نرى ونتوقع انعكاسات مختلفة هذا العام مقارنة بالعامين الماضيين”.
وقال “لو أمعنّا النظر في هذه الظاهرة فإن العائدين إلى القرية، هم موظفون في المدن، وعندما يعودون إلى الأرياف فإنهم يحملون معهم مبالغ مالية ينفقونها في المحافظات، وهذا ما سيجلب أثرا متعددا، ليس فقط لأسرهم، ولكن أيضا للأماكن السياحية والأعمال التجارية في الأرياف”.